أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 14، 2013

عن التسامح والكراهية


في العام 1973 انتشرت صورة لطفلة فيتنامية وهي تركض عارية، وتصرخ مرعوبة من هول القذائف الأمريكية التي انهمرت على قريتها، وكانت صورتها آنذاك من بين أهم الأسباب المباشرة لإنهاء الحرب على بلادها؛ نظرا لقدرتها الفريدة على تجسيد بشاعة الحرب؛ إنها الفيتنامية "كيم فونك"، التي زارت الولايات المتحدة بعد سنوات طويلة من انتهاء الحرب، وهناك قابلها الطيار الأمريكي "جون بالامار" (الذي قصف قريتها بقنابل النابالم)، صافحها باكيا طالبا الصفح، فما كان منها إلا أن قابلته بابتسامة، وقالت: "ان التسامح أقوى بكثير من أي سلاح في العالم".

"فونك" الآن سفيرة للنوايا الحسنة، وتدير جمعية لرعاية ضحايا الحروب من الأطفال.

وفي العام 2004 قُتل في مدينة الفلوجة العراقية الصحافي الياباني "هاشيدا". يُقال أن الجماعات المسلحة المتطرفة هي التي قتلته، ويُقال أيضاً أنه قضى نتيجة القصف الأمريكي على المدينة. في الحالتين فإن أرملته التي فُجعت بالنبأ لم تتوقف كثيرا عند من قتله، ولماذا؛ فهي تدرك أنه مثل ملايين غيره: ضحية الصراعات والحروب، وبدلا من غرقها في دوامة الحقد والكراهية؛ بادرت لجمع تبرعات بلغت قيمتها 17 مليون دولار، لصالح بناء مستشفى للمدينة التي قتلت زوجها.

عندما زرتُ مدينة "هيروشيما" قبل سنوات، توقعتُ أن أجد فيها الروح العدائية تجاه أمريكا، وذكريات الموت والدمار، لكني لم أجد شيئا من ذلك، وهناك فهمتُ أن روح المدينة المفعمة بالحيوية والتجدد يعود الفضل إليها لجماعة تُعرف ب"الهيباكوشا"، وهم ممن نجوا من القنبلة الذرية التي ألقاها طيار أمريكي على مدينتهم في آب 1945، هؤلاء رغم أنهم فقدوا أحبائهم وذويهم وخسروا صحتهم، إلا أنهم تغلبوا على العذاب واليأس وتمسكوا بإنسانيتهم، واختاروا الحياة، يحدوهم الأمل بمستقبل لا يعرف الحروب.

هؤلاء "الهيباكوشا" هم من نادوا بتطبيق النظرة الجديدة للعالم التي ميزت الجيل الجديد من اليابانيين، والتي نُقشت على النصب التذكاري المكرس لضحايا القنابل الذرية والمنصوص عليها في الدستور الياباني، والتي تدعو لاستخلاص العبر من أخطاء اليابان الإمبريالية، ثم الاتعاظ من خطايا الحروب التي جرت في مختلف أنحاء العالم، ثم بناء صرح السلام العالمي القائم على العدل والمساواة والثقة والتعاون بين الشعوب ونبذ العنف والكراهية والعنصرية.

وفي أثناء مشاركتي بورشة عمل أقيمت مؤخرا في السويد، التقيت بشخصيات من مختلف قارات العالم؛ من راوندا شاب من "الهوتو" وفتاة من "التوتسي" نسيا أن الصراع العنيف والدامي بين قبيلتيهما أودى بحياة مليون إنسان في غضون مائة يوم قبل عشرين عاما فقط، ومع ذلك كادا أن يصبحا عاشقين. الكوري الشمالي الذي يضع على ياقته صورة رئيسه المحبوب، والكوري الجنوبي الذي يتباهي بالجالاكسي تناسيا الصراع الدائر بين حكومتيهما وصارا صديقين. ثلاثة شبان من ثلاثة أقاليم مختلفة من الهند، لم نميز من منهم المسلم، ومن الهندوسي، أو السيخي .. كانوا يتحدثون بصوت واحد، ويتفاخرون بوطنهم الكبير: "الهند". الشاب "الكوسوفي" والصبية "الصربية" تناسيا حروب البلقان قديمها وحديثها وكانا خير رفيقين. من نيجيريا التي تتعايش فيها الملل والطوائف بسلام، ويتحدثون ب 250 لغة كان أبناءها يتحدثون فيما بينهم بالإنجليزية، وهم على قلب رجل واحد. السيدة الفيليبينية التي وُلدت بعد انتهاء الحرب على بلادها بعام واحد، لا تذكر منها شيئا، ولا تعلم أن مدينتها "مانيلا" كانت أكثر مدينة في العالم تعرضت لأهوال الحرب على يد اليابانيين والأمريكان، وليس في قلبها حقد على أحد. من "جنوب إفريقيا" صديقتان: بيضاء وسوداء، كان واضحا أنهما لا تحتفظان بالكثير من ذكريات الحقبة العنصرية.

السويديون أنفسهم، بعد أن فتحوا حدود بلادهم للمهجَّرين واللاجئين والفارين من حروبهم .. ورغم ما عانوه من سلوكيات مشينة ومستهجنة من قبل بعض المهاجرين؛ إلا أنهم ما زالوا مرحِّبين، ولطفاء، يلقون الأجانب بابتسامة ودودة، وليس على وجوههم ما يدل على أي درجة من العنصرية.

لقد عشنا طويلا ونحن ضحية إعلام مضلل؛ إعلام هوليودي يصور شعوب العالم الثالث بأنهم على هامش الحضارة الغربية، وأن الإفريقيين شعوب غير متحضرة، وأمريكا اللاتينية موطن الجريمة المنظمة وعصابات المافيا، والهنود كسالى وبليدين، والمسلمين إرهابيين ويعشقون العنف .. في مقابل إعلام أيديولوجي لا يقل تضليلا يزعم بأن المجتمعات الغربية مفككة، وأنها لا تعرف الحياة الأسرية وعلاقات الحب والصداقة والجيرة، وأن الفساد الأخلاقي ينخرها ...

عندما نخرج من قوقعتنا وتلتقي بالشعوب الأخرى، سرعان ما نكتشف أمرين: أن الإنسان هو الإنسان: في كندا، أو نيوزلندا، في كينيا، أو في النرويج، في سورية، أو روسيا .. نفس نقاط الضعف، والخجل والرغبات الدفينة، والحاجات البسيطة؛ بل ونندهش من عمق الصلات بينهم، ومدى التشابه بين الشعوب .. والاكتشاف الثاني (المخيف) أن كل ادعاءاتنا بأننا الأحسن، وأننا أصحاب الفضيلة والمجد والتاريخ ووو ... ما هي إلا ترهات وأماني ..

نحن العرب؛ ما زلنا منقسمين بين من يؤيد "مرسي"، ومن يؤيد "السيسي". وبين أنصار "الثورة السورية"، وأنصار "النظام". وبين "فتح" و "حماس". ولم نكتفي بالانقسام والصراع على الحاضر؛ بل استحضرنا كل الثارات والأحقاد والصراعات التي مضى عليها أكثر من ألف عام، واستحضرنا معها كل أسباب الخلاف وإدامة النزاعات الداخلية .. ثم أجّجنا الكراهية، وافتتحنا موسما جديدا من داحس والغبراء.

كل الشعوب تناست صراعاتها وثاراتها، ورمت ماضيها خلف ظهرها، وانطلقت نحو الفضاءات الرحبة، تصنع مستقبلها، إلا نحن؛ ما زالت الطائفة عندنا أهم من الوطن، والعشيرة أولى من الدولة، والتاريخ أهم من المستقبل، والكراهية تعلو على التسامح.

وما زالت مشاعر الحقد والإنتقام ودعوات الثأر تسيطر على ثقافتنا وتهيمن على عقلنا الباطن، هذه المشاعر المريضة هي التي جعلتنا في هذه الوضعية المخزية، وإذا لم نتجاوزها لن نتقدم خطوة واحدة، وسنظل في ذيل الأمم.

هناك تعليقان (2):

  1. بعض الأمور التي تساعدك علي التسامح :



    1 – اذا ضايقك انسان ثم اعتذر لك فتقبل اعتذاره لأنك ضايقته ذات مرة وقام بمسامحتك عندما اعتذرت له .


    2 – تذكر اي عمل طيب قدمه لك هذا الإنسان لأن هذا يساعدك علي ان تسامحه .


    اذهب لغة انجليزية من اجلك

    ردحذف
  2. أشكرك أخ أسامه حمدي على تفضلك بالتعليق بهذه المداخلة القيمة

    ردحذف