أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 23، 2013

مواهب عربية


على ما يبدو أن برنامج المواهب (Arab’s got talent) قد استنفذ رصيد المواهب العربية في أقل من ثلاثة مواسم من عمر البرنامج، حتى أن ما قدمه في الموسم الحالي كان في أكثره عبارة عن عروض وغناء وفرق استعراض. لا أقلل من قيمة هذه النوع من الفنون، لكني أعني المواهب الفردية التي تتطلب قدرات خارقة للعادة، أو درجة عالية من المخاطرة، أو إبداع متميز بشكل استثنائي، وهذا النوع من المواهب تفتقر إليه البيئة العربية عموما، مقارنة بما هو موجود في البرامج العالمية. وهذا ليس مجال إخفاقنا الوحيد ..
في كل موسم "مونديال" يصل للنهائيات التي تؤهله للمشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم منتخب عربي واحد فقط، أو اثنين على أكثر تقدير، وفي تاريخ البطولة لم يصل للأدوار المتقدمة أي بلد عربي حتى الآن !! وكذلك في مسابقات "الأولومبياد" التي لا تحتاج لتصفيات أولية، بمعنى أنها حق لجميع دول العالم، في هذه المسابقات الدولية تخرج الفرق العربية في كل مرة تجر أذيال الخيبة، بالكاد تحصل على بضعة ميداليات فضية أو برونزية، وفي مرات نادرة جدا، نالت فرق عربية ميداليات ذهبية !!
وأيضاً، في ميدان الأدب والإنتاج الثقافي (الشعر والقصة والرواية والمسرح والتأليف) والذي هو من المفترض لعبة العرب وملعبهم، وساحتهم التي يتفوقون بها تاريخيا .. والتي لا تتطلب إمكانيات مادية ضخمة، حتى في هذا المجال نلاحظ أن الدول العربية ما زالت في آخر قائمة الدول التي تحصد جوائز عالمية مرموقة، والمشكلة ليست محصورة في قلة الجوائز (لنتفق مثلا على أن معظم الجوائز العالمية مسيّسة)؛ بل هي في نوعية وجودة الإنتاج الثقافي العربي، ومن يقرأ الأدب الروسي واللاتيني والأمريكي ويقارنه بالأدب العربي (الحالي) يدرك مقدار الفجوة بينهما.
وحتى في مجال الرقص؛ فقد استُبعد "الرقص الشرقي" من مسابقات الرقص العالمية في المراحل المبكرة، باعتباره فنا بدائيا يخلو من القيمة الإبداعية والأشكال الاستعراضية الجمالية مقارنة بالرقصات العالمية التي تمتلك قدرة غير محدودة من التنوع والتجدد. بالتأكيد هذا ليس وقوعا في فخ المسابقات العالمية ولا انبهاراً بها، ولا تسليماً بصحتها، أو اعتبارها مرجعا معياريا .. لكن حتى في رقصاتنا ودبكاتنا الشعبية التراثية (وهي جميلة جدا) إلا أنها بقيت على صورتها كما كانت أيام الكنعانيين، مع تحويرات وتطويرات طفيفة جدا، الأمر الذي أفقدها ديناميتها وجعلها جامدة ولا تواكب التطور العالمي.
الأمة العربية يصل تعدادها إلى نحو ثلاثمائة مليون إنسان، من أصل سبعة آلاف مليون إنسان يسكنون كوكب الأرض، وهذا يعني أن العرب يشكلون نسبة 4.3 % من سكان العالم، ومن المفترض أن يكون إسهامهم العلمي والثقافي والأدبي والفني مساوياً لهذه النسبة، أو أقل قليلا من إسهام الحضارة الإنسانية ككل. ولكن الأرقام والإحصاءات الحقيقية مخجلة.
في الخمسمائة سنة الماضية (وربما في الألف)، لم يقدم العرب إنجازا حضاريا ذو شأن ... الاختراعات العلمية، الاكتشافات الكبرى، اللوحات الفنية، السيمفونيات، الفلسفة الإنسانية، السينما، الصناعات الثقيلة، التكنولوجية الحديثة، الطب، البيئة، غزو الفضاء،  الإنترنت .. كلها من إنتاج الغرب !!!
 ليس لأن العرب من طينة مخنلفة؛ بل هم كسائر بني البشر لديهم الكثير من المواهب العبقرية .. ولكن، اكتشاف المواهب والقدرات ورعايتها وتنميتها يتطلب جملة من الشروط لا تتوفر في مجتمعاتنا العربية بشكل عام.
نلاحظ مثلا أن معظم العروض المميزة والمواهب المهمة التي شاهدناها في البرنامج كانت قد تشكلت أساسا خارج نطاق المجتمعات العربية، حتى لو كان أصحابها من أصول أو من جنسيات عربية. لأن الإنسان – أي إنسان – حتى يكتشف موهبته أولا قبل أن يلحظها الآخرون، وحتى يُخرِج طاقاته الحبيسة، أو يخوض مغامراته المجنونة، أو ينمّي قدراته على نحو مختلف، بحاجة أولاً وقبل أي شيء آخر أن يستشعر إنسانيته، ويعي معنى وجوده، بحاجة أن يشعر بكرامته، بحاجة للحرية الحقيقية، بحاجة لأن يتحرر من الخوف، ومن المشاعر السلبية، ومن القيود التي تكبله في شتى المجالات. أي بجملة واحدة بحاجة لأن يغادر بيئات التخلف التي لا تورث إلا القهر والكبت والهزائم.
وبنفس السياق، تحتاج الرياضة والفنون إلى مناهج دراسية وتشجيع مجتمعي. كما تحتاج الاختراعات والعلوم إلى مراكز أبحاث، وميزانيات. التقدم والتطور وبناء المستقبل يحتاج لأناس يتطلعون للمستقبل .. لا لأناس مُكبَّلين بقيود الماضي.
لذلك، سنجد عشرات أو مئات من العباقرة العرب لفظتهم بلدانهم فوجدوا فرصتهم في بلاد الغرب، على سبيل المثال العالم اللبناني "إلياس خوري" (جائزة نوبل في الكيمياء) كان من الممكن أن يقضي برصاصة تافهة في الحرب الأهلية اللبنانية. العالم المصري "أحمد زويل"، (جائزة نوبل في الفيزياء)، كان سينهي حياته براتب تقاعدي لو أنه قبل تعيينه مديراً لمدرسة صناعية. ونفس الشيء للعالم الفذ "فاروق الباز"، وبالقياس لنا أن نتساءل: هل كنا سنعرف "إدوارد سعيد"، و"إبراهيم أبو لغد"، "هيلين توماس"، "مصطفى العقاد"، "هشام شرابي"، "فخري البزاز"، "منير نايفة" وغيرهم الكثير، فيما لو آثروا البقاء في بلدانهم العربية ؟!
وبنفس المرارة نتساءل: كم من العبقريات المخبأة والمواهب الدفينة والإمكانات الواعدة لم ترى النور في بلداننا العربية العزيزة ؟! كم من الفرص أُهدرت ؟ وكم من الطاقات بُدِّدت ؟ وكم من الأحلام قُتلت ؟ وكم من القدرات ضاعت في مهب الريح ؟ وسفكت على عتبات التخلف العربي ؟!
الإنسان العربي لا تنقصه الشجاعة، ولا الجرأة، ولا حب المغامرة، ولا الذكاء، ولا الموهبة الفطرية .. تنقصه فقط الفرصة والبيئة الداعمة. حينها فقط يمكن له أن يبرز وأن ينجح وأن يكون شيئا مختلفا. أي بقول مختصر نحتاج أن نتخلص من الفساد في الأنظمة، أو من الأنظمة الفاسدة بقول أدق.
وحتى لا نعمم بشكل تعسفي، من المفيد التذكير بمواهب عربية عبقرية، اشتهرت عالميا رغم أنها ولدت ونمت في بيئات محلية صرفة: "نجيب محفوظ"، على سبيل المثال لم يسافر خارج حدود مصر، حتى أنه عندما نال جائزة نوبل، سافرت ابنته لاستلام الجائزة نيابة عنه. "محمود درويش" كتب أحلى وأهم قصائده في بيروت في زمن الحرب والحصار. ولدينا أيضا كوكب الشرق "أم كلثوم"، عالم الاجتماع العراقي "علي الوردي"، العالم النووي المصري "يحيى المشد" وغيرهم كثير .. منهم من نعرف، ومنهم من لا نعرف.
هذا ليس جلدا للذات، ولا تقليلاً من شأننا؛ فلدينا في تاريخ حضارتنا أسماء كثيرة لامعة أضاءت سماء العالم في زمانها .. ولا هي دعوة لإجلال الحضارة الغربية ... كلنا يعلم أن الحضارة الغربية اقترنت بالاستعمار والعبودية والإبادات الجماعية والحروب والفساد والتلوث البيئي والرأسمالية المتوحشة .. لكن سؤالنا ماذا نقدم الآن ؟؟ وأين موقعنا اليوم بين الأمم ؟؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق