يواجه الكتّاب الشبان والمبتدئين مصاعب شتى قبل فرحتهم بكتابهم الأول، فلأنهم غير معروفين، فإن دور النشر لن ترحب بنتاجاتهم، وغالبا فإنهم يراسلون دور النشر المحلية والعربية دون جدوى، حتى إنهم لا يتلقون رسالة اعتذار، ولا حتى إشعار باستلام رسائلهم، وقد يعيدون الكرة أكثر من مرة، ودون طائل..
مثل
هذه العقبة، قد تشكل صدمة لبعض الكتّاب الشبان، وربما تغمرهم المشاعر السلبية والإحباط،
فيحجمون عن المحاولة، أو تهتز ثقتهم بأنفسهم.. وبعضهم قد يصمد، ويحاول مجددا،
وربما سيحتاج آخر إلى استغلال علاقاته الشخصية للتقرب من إحدى دور النشر لعلها تنشر
له ديوانه الأول، أو روايته، أو كتابه الذي سهر عليه الليالي..
من
جانب معين، قد يأتي هذا التلكؤ والإهمال لصالح الكاتب.. فيعيد النظر في مخطوطته،
ويراجعها، ويصححها، ويطورها، وينتظر سنة أو أكثر حتى تنضج فكرته على نحو أفضل.. لكن
هذا لم يكن في الغالب ديدن الناشر؛ فلو اهتم الناشر بالكاتب المبتدئ (الذي رأى أن
عمله لا يصلح للنشر، أو بحاجة للتطوير والتعديل) فعليه في هذه الحالة على الأقل أن
يرد على رسالته، فيشعره أولا أنه استلم الرسالة (هذا من باب الذوق)، ثم يشير إليه
ببعض المقترحات، ويدله على مكامن الخطأ والنقصان، ويطلب منه التروي، وتصويب العمل
وتحسينه.. لكن أيٍ من هذا لا يحصل في معظم الأحيان، ما يحصل أسـمّيه الإهمال،
بينما قد يسميه الناشر الانشغال بسبب قلة الوقت، وكثرة المعروض، وعدم توفر الإمكانيات..
وأحيانا،
بعض دور النشر تطبع أي مخطوطة لأي كاتب، مهما كان مستواها الأدبي أو العلمي، وبغض
النظر عن مضمونها، طالما أن الزبون سيدفع مالا لقاء الطباعة والتوزيع، وهو وحده من
يتحمل مسؤولية مضمون الكتاب.. قد لا يحق لنا لوم الناشر، ولا تحميله مسؤولية تدهور
الذائقة الفنية، وتراجع المستوى الأدبي، وانتشار العلوم الزائفة، والكتب الصفراء،
فهذه ليست مهمته.. هو في الأساس يمتهن الطباعة والنشر، ويعتاش من ورائها، ولا
يستطيع الاستمرار بدون تلقي أموال من الكتّاب، أو ممن يرغبون بطباعة أعمالهم.
لكن
دور النشر المحترمة (خاصة في الدول المتقدمة) لا يمكن أن تطبع كتابا، إلا بعد
مراجعته، وتدقيقه، من خلال لجنة قراءة محكمة ومختصة، فتقر العمل، أو ترفضه، أو
تطالب بتعديلات وتصويبات.. ضمن مسار قد يستغرق أشهرا طويلة. وبالمناسبة، حتى دور
النشر المحترمة في كثير من الأحيان تتجاهل رسائل الكتّاب وعروض مخطوطاتهم، وهذه للأسف
ظاهرة عالمية، بالنسبة لي لا أقبل أي تبرير لها، وطالما عانيت منها.
أغلبية
دور النشر ترحب بطباعة ونشر أي مخطوطة إذا كان الكاتب مشهورا (بما في ذلك إعادة
الطبع)، لأنها في هذه الحالة تضمن حجم مبيعات جيد، بل ومربح.. وبعضها ترحب بطباعة
الكتب ذات العناوين الرائجة (التي يمكن وصفها بالكتب التجارية)، وهي غالبا في
مواضيع تخسيس الوزن، والصحة، والطبخ، وعن المشاهير والزعماء، وفضائحهم، أو الكتب
الدينية، أو التي تتحدث عن عذاب القبر، وأهوال القيامة، أو الكتب السياسية الشعبوية،
والمثيرة للجدل.. وهذه عناوين الكتب التي تجدها عادة في أكشاك الكتب، وبسطات
الشوارع.. فهي الأكثر مبيعا!
وأيضا
هذه ليست مسؤولية دور النشر؛ فالجمهور العربي يرغب بهذه النوعية من الكتب، ويُحجم
عن الكتب الفكرية، والتاريخية، والسياسية، والنقدية.. وإذا تكرم بشراء رواية
فغالبا ما يرغب بالروايات الأجنبية فقط.
هذه
مسؤولية وزارة الثقافة، والاتحاد العام للكتّاب، وكافة المؤسسات الثقافية، التي
عليها مسؤولية الارتقاء بالأدب والعلوم والفكر، ودعم الكتّاب، ودعم دور النشر أيضا..
ظاهرة
سلبية أخرى يعاني منها الكتّاب (سواء المبتدئين، أو المخضرمين)، وهي هضم حقوقهم
الفكرية؛ فما يحدث عادة هو إما ينشر الكاتب على حسابه الخاص (قد يكلف الكتاب 2000$)،
ولن يعرف بعدها كيفية نشر وتوزيع كتابه، ولن يتمكن من المشاركة في معارض الكتاب. أو
تتحمل دار النشر التكاليف، ولكن دون إعطاء الكاتب مقابل جهده، وفي أحسن الأحوال قد
تمنح الكاتب عشر، أو عشرين نسخة! علما بأن عملية النشر التوزيع والبيع عملية
متسلسلة متكاملة، تبدأ من لحظة بدء الكتابة، والجهد الذي يبذله الكاتب، وتنتهي
بالنفقات التي يدفعها الناشر، وبالتالي يجب أن ينال كلٌ من الكاتب والناشر نصيبه
العادل من الأرباح، بما في ذلك الجوائز التي قد ينالها الكاتب. فالكتابة هي أيضا
مهنة، يعتاش من ورائها العديد من الكتّاب.
المشكلة
الأخرى التي يعاني من الكتّاب، هي ضعف عمليات النشر والتوزيع، أو الإحجام عن
المشاركة في بعض معارض الكتاب (لأسباب غالبا سياسية)، وضعف عمليات الدعاية والإعلان
والإشهار، وضعف التسويق؛ فقد تفتش عن كتاب معين في كل مكتبات المدينة، ولا تجده، الأمر
الذي يعني موت مبكر للكتاب.
وفي
هذا السياق، تمتنع بعض دور النشر عن ترويج الكتاب إلكترونيا، ولا تسمح للكاتب أن
يقوم بذلك، الأمر الذي يعني بالضرورة حرمان الكاتب من فرصة الانتشار عالميا،
وحرمان آلاف القراء حول العالم (خاصة في الدول الأجنبية) من إمكانية الحصول على
الكتاب، الذي يرغبون بقراءته.
وتقتضي
الموضوعية الإشارة إلى أوجه معاناة دور النشر، مثل التكاليف الباهظة مقابل
المشاركة في معارض الكتاب، وفرق أسعار العملة بين دولة وأخرى، كما حدث في معرض
القاهرة للكتاب، وهو من أضخم وأهم المعارض، ولكن المشاركة فيه صارت مغامرة مالية
خاسرة، وكذلك تراجع الجمهور عن اهتمامهم بالقراءة، وغلاء أسعار الكتب، مما يقلل من
حجم المبيعات، وعدم توفر دعم حكومي يعوضهم عن بعض خسائرهم، أو يمكّنهم من تبني كتّاب
وشعراء ومبدعين..
وهنالك
دور نشر مرموقة أوشكت على الإفلاس، خاصة مع تفاقم أزمة كورونا، وتبعاتها
الاقتصادية، وتجميد الأنشطة الثقافية، وتوقف معارض الكتاب، وارتفاع أسعار النقل
والسفر.
وأود
الإشارة هنا إلى بعض دور النشر الوهمية، التي تحتال على الكتّاب، وتقدم لهم عقودا
زائفة وخادعة، وأتمنى لو أن اتحاد الناشرين العرب يكشف أسماءهم للجمهور.
وأخيرا،
أود الإشادة بوزارة الثقافة الفلسطينية على مبادرتها في دعم الكتاب من خلال نشر
مخطوطاتهم (الأرقام ما زالت ضعيفة)، وعلى فكرة طرح مشروع قانون الملكية الفكرية
لحماية حقوق المؤلفين.
وإذا
جاز لي توجيه شكر شخصي، سأشكر الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، الذي
نشر أول كتاب لي قبل سنوات عديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق