اعتدنا (نحن الذين لا يعجبنا شيء) على انتقاد وذم كل ما له علاقة بالسلطة الوطنية، واعتباره شكلا من الفساد.. وفي غمرة انهماكنا في فضح الممارسات والقرارات والسياسات وحتى الأشخاص، وفي كثير من الأحيان كنا محقين، نسينا (أو تناسينا) الإشارة إلى الظواهر الإيجابية والمحترمة سواء في مؤسسات السلطة الوطنية، أو حتى في حياتنا الاجتماعية.. بل ربما تجنب الكثيرون الإشارة لما هو إيجابي ويستحق المديح خشية اتهامهم بالتسحيج والتملق.. أو لأن الجمهور لن يصدق أن هناك ما يستوجب الثناء، فمن كثرة الانتقادات عمت سحابة سلبية هائلة، صارت تحجب عنا رؤية أي شيء آخر، وتكاد تغرقنا في دوامة اليأس والإحباط..
سأشير
بعجالة ودون تفاصيل كثيرة إلى عدد من المؤسسات الفلسطينية التي شكلت ظاهرة مختلفة،
وتميزت ليس بين قريناتها من مؤسسات السلطة الوطنية، بل وأجازف بالقول تميزت وتفوقت
على مستويات إقليمية وعالمية..
"الجهاز
المركزي للإحصاء"، إحدى أهم المؤسسات الفلسطينية التي تعمل بمهنية واحتراف، وقد
اكتسبت منذ تأسيسها مصداقية وثقة كبيرة، حيث امتازت بياناتها بالدقة، ما أهلها
لتصبح المرجع الأساسي للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في بناء خططها وبرامجها،
وقد حصلت على المرتبة 20 عالمياً، من بين 187 دولة، وعلى المرتبة الثالثة على
مستوى دول غرب آسيا، وذلك ضمن تقرير منظمة البيانات المفتوحة ODW للعام 2020 في مجال الانفتاح والتغطية، بينما
نالت إسرائيل الترتيب 60.
"لجنة
الانتخابات المركزية"، وهي أيضا لا تقل من حيث أهميتها وكفاءتها، وقد خبرناها
في دورات انتخابية سابقة؛ انتخابات رئاسية مرتين، وتشريعية مرتين، إضافة لإشرافها
على الانتخابات البلدية، كما قدمت خبراتها في انتخابات الجامعات الفلسطينية.. وفي
كل مرة برهنت على حياديتها ونزاهة بياناتها.. وقد اعترفت منظمات دولية متخصصة
ومراقبين دوليين أشرفوا على الانتخابات بمهنية وشفافية اللجنة، وسلامة إجراءاتها،
واعتبرت الانتخابات الفلسطينية من بين أنجح الانتخابات في العالم.. وطبعا لا أتحدث
عن أخطاء وممارسات الفصائل ولا المرشحين ولا جمهور الناخبين..
وكذلك
"الهيئة المستقلة لحقوق المواطن"، وهي هيئة حقوقية مستقلة، تتابع وتراقب
السجون ومراكز التوقيف وتسجل أي انتهاك لحقوق الإنسان في الضفة وغزة، كما تتابع
شكاوى المواطنين ومظالمهم بكل اهتمام، وتراقب مدى توافر متطلبات صيانة حقوق
الإنسان في مختلف القوانين والتشريعات الفلسطينية، وفي عمل مختلف الدوائر والأجهزة
والمؤسسات.. ومن متابعتي لبعض أنشطتها، والإطلاع على تقاريرها السنوية يمكنني
القول بأن عملها يتسم بالنزاهة، وأنها تقدم خدماتها بشكل جيد، خاصة التقاضي،
والمتابعة، كما تتميز بياناتها بالمهنية والحيادية والشفافية والجرأة.. ولا أتحدث
هنا عن تجاوزات الأجهزة الأمنية.
كما
أود الإشادة بمديرية شرطة المعابر في أريحا، فمن خلال تجارب شخصية (لي ولآخرين)،
لمستُ بوضوح مدى اهتمامهم براحة وسلامة المسافرين، وحرصهم على إنجاز معاملاتهم
بأسرع وقت، وتعاملهم معهم بروح إنسانية.. ومما قاله لي مدير الشرطة أنه يوصي
منتسبي الجهاز دوما بضرورة الابتسام في وجه المسافرين، وخاصة القادمين، لأهمية
الانطباع الأول الذي تتركه الابتسامة والمعاملة الحسنة، لأنهم يمثلون بوابة فلسطين
الأولى.. أما عن التأخير والمنغصات والمعاناة التي يكابدها المسافرون فكلنا يعرف
المسبب الحقيقي لها.
متحف
ياسر عرفات، ومتحف محمود درويش من أبرز معالم رام الله، ومن أجمل الأماكن التي
يتوجب زيارتها.. ولا أقصد فقط جمالية المبنى، والحدائق المنسقة بعناية فائقة، وحسن
وترتيب ونظافة المرافق، والإدارة الناجحة، والجوائز التي حصلا عليها.. بل الأهم:
حيوية المتحفين، والأنشطة التي يقومان بها، ودورهما الهام والدؤوب في تنشيط وإحياء
المشهد الثقافي الفلسطيني، بأشكال متعددة.. والتي للأسف توقفت جزئيا بسبب
الكورونا.
وبمناسبة الحديث عن الكورونا، تجدر
الإشادة بدور وزارة الصحة بكافة طواقمها للجهود المضنية والخطيرة التي يقومون بها،
في محاولة لاحتواء الجائحة، وحماية صحة المواطنين، بالرغم من شح الإمكانيات،
والوضع السياسي المعقد، ومعيقات الاحتلال،
وقد قدمت الوزارة أداء مميزا أشادت به منظمة الصحة العالمية، كما أشاد به
فريق الخبراء الصينيين الذين اطلعوا بأنفسهم على التجربة الفلسطينية.. بالرغم من
الكثير من الملاحظات على أداء الوزارة بشكل عام، خاصة في المستشفيات، وهذا موضوع
آخر؛ وفي هذا السياق قدمت الدكتورة "مي الكيلة" مثالا مشرفا للمرأة
الفلسطينية، ونالت احترام الجميع لما رأوه فيها من نموذج للعطاء والتواضع،
والإنسانية، وهي تقود حربا صعبة ضد فايروس كورونا بكل مهنية وكفاءة. وقد نالت
جائزة "امرأة العَقد في الحياة العامة والريادة والإنسانية"، وذلك خلال
مشاركتها في قمة النساء الرياديات في قارة آسيا، والذي نظمه مجلس الأعمال البنغالي
الهندي. ولكنها للأسف تتعرض لحملة تنمر ظالمة من البعض، ربما لكونها "امرأة"،
حيث وجد هؤلاء في هجومهم وإساءتهم للمرأة الفلسطينية وسيلة لإخراج عقلية ذكورية مريضة
ومكبوتة.
ومع ذلك، هنالك لغط وغموض غير مفهوم في مسألة
توزيع اللقاحات، وبعض التعيينات، ونرجو أن يتلقى الجمهور إجابات وتفسير لذلك.
كما يتوجب الإشادة بدور وزارة التربية
والتعليم وما يقومون به من مجهودات كبيرة وحقيقية لإنجاح العام الدراسي، في ظل
ظروف معقدة وصعبة بسبب جائحة الكورونا.
من المؤكد وجود مؤسسات
أخرى حققت قصص نجاح وتميز، ولم تشبها أي شبهة فساد.. كما أن العديد من الوزارات
والمؤسسات تقدم جهودا مهمة في خدمة الجمهور، وتحقق إنجازات رائعة، وفيها موظفون
مخلصون وأكفاء.. ولو جاز لي الإشادة بأشخاص محددين، سأذكر الشقيقتين زاهدة ومها المصري،
الأولى تعمل في مديرية صحة رام الله، والثانية في الأحوال المدنية.. كلتاهما دوما
مبتسمتان، تلاقيان المراجعين بوجه بشوش، وتساعدان بكل رحابة ومودة، وتعملان بروح
القانون قبل نصه.. وبالتأكيد هما ليستا استثناء.. مثلهما المئات.. فشعبنا طيب ومعطاء،
ومبدع، لكن المشكلة في المنظومة..
كما
قال صديقي معاوية: "البطولة في فلسطين حالات فردية، وليست في المنظومة، فما
زلنا عاجزين عن تحويلها إلى ظاهرة عامة".. قصص النجاح والتميز والبطولة على
المستوى الفردي لا تعد ولا تحُصى، هنا في فلسطين، وفي مختلف دول العالم.. ننجح
كأفراد فقط!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق