أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 11، 2020

هل نسي العالم تسمية القمر؟

 

منذ أقدم الأزمان، ونحن نتأمل في السماء، لنعرف مكاننا وحجمنا في هذا الكون الفسيح، ولفترات طويلة جدا كنا نشاهد قمرنا وشمسنا، ونظن أنهما كل الكون.. وما النجوم التي تملأ السماء سوى نقاط بعيدة تنير ليالينا، وترشدنا إلى الاتجاهات؛ فأطلقنا عليها تسميات مختلفة (الشعرى اليمانية، سهيل، الدبران، ألفا قنطور، الثور، العقرب..).. ثم أطلقنا على النجم الساطع الملتهب الذي وفر لنا أسباب الحياة اسم الشمس.. فقد كنا نظن أنها شيء منفرد في السماء لا شبيه لها، وأنها مختلفة عن النجوم، ثم عرفنا أنها مجرد نجم، بل هو نجم متواضع، واكتفينا باسمها الأثير "الشمس"..

وأطلقنا على هذا الجسم المستدير القريب منا والمضيء، والذي تتغير هيئاته كل شهر، اسم القمر، علما أن القمر اسم صفة لأي جرم سماوي يدور في فلك محدد حول كوكب أكبر منه.

ومع تطور علم الفلك اكتشف العلماء أقمارا كثيرة جدا تدور حول كواكب كثيرة، منها 79 قمرا تحيط بالمشتري، أطلقوا اسما لكل منها، من ضمنها أربعة أقمار اكتشفها "غاليليو" وسميت باسمه، وظل قمرنا الجميل بلا اسم معتمد..

أمنا "الأرض" هي كوكب من ضمن ثمانية كواكب سيارة تدور حول الشمس، وكان الناس قديما يميزون بين لمعان الكواكب وتوهج النجوم، وقد عرفوا بضعة كواكب فقط، وأطلقوا اسما على كل منها (عطارد، المريخ، المشتري، زحل..) ولحسن حظ كوكبنا أنه حظي باسم منفرد (الأرض) بالإضافة لاسمه الحركي (الكوكب الأزرق).

ومن الغرائب الطريفة أن العلماء اكتشفوا كوكبا صغيرا في طرف المجموعة الشمسية أسموه بلوتو، وقبل أن يتم دورة واحدة حول الشمس (وقد أدركوا عجزه عن ذلك) سحبوا اعترافهم بهذا الكوكب، وتم تحفيض رتبته إلى قمر..

وقديما، كان التحديق في النجوم الوسيلة المتاحة لمعرفة الاتجاهات، والمواقيت، والطقس، وأي الأوقات أنسب لصعود الجبال، أو للتوجه للبراري المفتوحة.. وكانت البداية بكومة من الحجارة مصفوفة على شكل دائرة، عثر عليها المنقبون في جنوب البرتغال، اعتبرت أقدم مرصد فلكي، بني قبل ستة آلاف عام.

وفي قرية ريفا وسط مصر، عُثر على بلورات كريستال، كان المصريون القدماء يجمعونها قبل خمسة آلاف عام لصناعة الحلي، ومن ثم طوروها لصناعة الزجاج.. وهي المادة الأساسية التي سيصنع منها الإنسان المعاصر التلسكوب.

وفي القرن التاسع كانت بغداد مثل وادي السليكون في عصرنا الحالي، ومنها ظهر "الحسن بن الهيثم".. والذي تجلت عبقريته بتجربة بسيطة، لكنها رائدة، حيث سمح للضوء بالمرور عبر فتحة ضيقة جدا، فظهرت على الحائط المقابل صورة شاحبة مقلوبة، وكانت هذه التجربة هي الأساس الذي شكل فيما بعد صناعة الكاميرات، والسينما..

وخلال القرن الـ13 كانت البندقية مركز صناعة الزجاج في العالم، لكنه زجاج مليء بالشوائب، وكان لا بد من تنقيته، فوجد العلماء ضالتهم في نبتة تدعى "سامفير"، تُحرق وتضاف إلى السيليكا لتنقية الزجاج. وفي القرن التالي تمكن رهبان كاتدرائية القديس "نيكولو" من ابتكار نظّارة مكبِّرة للقراءة، احتاجت تلك النظارة ثلاثة قرون لتحسينها والتحكم بدرجة تكبيرها، ففي مدينة مدلبرغ الهولندية، بينما كان الشاب "هانز لبرشيه" يصنع النظارات في معمله كالمعتاد، جرب وضع عدستين في أنبوب أسطواني، وصار يعمل على تعديل المسافة بينهما، ليكتشف أنه يرى الأجسام البعيدة بوضوح. ثم جاء "غاليليو" فصنع تلسكوبه الخاص، بعد أن قام بدراسة أبعاد العدسات والمسافة بينهما. فرأى القمر مقربا تسع مرات، ورسمه بيده.

النقلة القادمة أتت من باريس بعد 200 سنة من اختراع التلسكوب، في ذلك الوقت كان التصوير الفوتوغرافي يتطلب صقل صفيحة من الفضة لوقت طويل، ثم معالجتها بأملاح اليود لتصبح حساسة للضوء، ثم تأتي الخطوة الأصعب، وهي بقاء الجسم المراد تصويره مدة ثماني ساعات بلا حراك، حتى يجمع الضوء اللازم لإخراج صورة باهتة.

لكن المصور "لويس داغير" استمر في محاولاته لتقليل وقت التصوير، وتحسين نوعية الصورة، وفي إحدى المحاولات وبعد تخزين صفيحة فضية في خزانته وجد عليها بعد أيام صورة بوضوحٍ لم يعهده من قبل، ولكنه وجد في الخزانة قارورة زئبق مكسورة، فأدرك بهذه المصادفة السعيدة أنّ أبخرة الزئبق تساعد في تحسين الصورة وتقليل وقت التصوير.

وفي أول تجربة له، التقط صورة للشارع من نافذة معمله، وقام بتعريض فيلم الفضة لمدة عشر دقائق فقط، وبعد تحميضها ظهرت صورة رجل على الرصيف وهو يلمع حذاءه. وقد دخل هذا الرجل التاريخ بينما خسر المارة نفس الفرصة لأنهم كانوا يتحركون. (الجزيرة الوثائقية).

كما تطورت الكاميرات، تطور التلسكوب، حتى ظهر جيل جديد من التلسكوبات مكنتنا من الغوص في أعماق الكون، كان أولها تلسكوب مرصد هارفارد، ثم تلسكوب "هوكر" في كاليفورنيا.

كان الفلكي "هابل" يلتقط صورا للسديم المكتشف حديثا، ويكتشف أن الكون يزداد حجما مع كل صورة يلتقطها، وتأكد له فيما بعد أن هذا السديم لم يكن سوى مجرة هائلة من النجوم، اسمها "أندروميدا"، أو مجرة "الصوفي" على اسم "عبد الرحمن الصوفي" وهو أول من وصفها في التاريخ. بيد أن تلك الصور كانت باهتة، فصار لزاما على الجيل الجديد من التلسكوبات أن تتحرر من الغلاف الجوي، وما أن جاء العام 1990 حتى أطلق أول تلسكوب فضائي خارج غلاف الأرض، على ارتفاع 600 كلم، وحمل اسم الرجل الذي كان مصدر الإلهام، "تلسكوب هابل"، قطر عدسته 2.4 متر، تمكن من تصوير آلاف المجرات في بقعة سماوية نائية كانت تبدو كحبة الرمل.

اليوم لدى الصين أكبر تلسكوب في العالم، اسمه "فاست"، أو "عين السماء"، بمرآة قطرها 500 متر، ما يعادل 30 ملعبا لكرة القدم.

القفزة القادمة، ستكون في 2021 بإطلاق تلسكوب "جيمس ويب"، بقدرة رصد لا مثيل لها ودقة غير مسبوقة، وحساسية عالية للإشعاعات، مزود بمرآة قطرها 6.5 متر. وسيكون على بعد 1.8 مليون كلم من الأرض.

مع كل هذه الاكتشافات العظيمة نسي العلماء تسمية القمر، لكن العرب سبقوهم بذلك، فكانوا يسمون الشمس والقمر "القمرين"، أما قمرنا فأطلقوا عليه تسميات عديدة: البدر، الهلال، الطالع، الرمّد، الزبرقان، الباهر، الزمهرير، الغاسق..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق