ربما كانت هذه السيارة تقل ثلة من الجنود في
طريقهم إلى الجبهة، فأوقفتهم شجرة، فسألتهم إلى أين أنتم ذاهبون؟ فأجابوا: لنقتل
الأعداء. فقالت لهم بصوت فيه رجاء: لمَ لا تعودون إلى بيوتكم؟ فردوا عليها
مستغربين: وماذا نفعل هناك، وأين نفرّغ غضبنا إذا انسحبنا؟ وكيف سننتصر إذا تركنا
الساحة؟ فقالت بهدوء: خذوا ما على أغصاني من ثمار، وفي طريقكم اشتروا بعض الخبز،
وعبوتي حليب، وقطع شوكولاتة، وأطعموا أولادكم.. عودوا وانكحوا زوجاتكم، ولاعبوا أطفالكم،
زوروا أمهاتكم المسنات، سيفرحون بكم أكثر من فرحتهم بنصر زائف.
انصاع الجنود لنداء الشجرة، وتركوا
سيارتهم وعادوا مشيا على الأقدام، ثم صعدت الشجرة مكانهم، ووقفت تنتظر أي سيارة
أخرى، لعلها تحول ميدان الحرب إلى غابة أشجار.
وفي رواية أخرى، أن هذه الساحة كانت في
الأساس غابة، وقد تمكن هؤلاء التجار من إزالتها، وتقطيع أشجارها وتحويل أخشابها
إلى غرف نوم فارهة، وإلى صحف منافقة وكتب تفيض بالترهات، وظلوا كذلك حتى صارت
صحراء مجدبة، بيد أنّ آخر شجرة ألحقت بهم هزيمة، وعطلت سيارتهم، بل وأخذتها منهم، وأجبرتهم
على المغادرة مهزومين.
وقيل أيضا إن هذا السيارة كان يقودها رجل
خمسيني، ربما كان أب لعائلة صغيرة، لكنه كان في عجلة من أمره، وكان الوقت متأخرا
والظلام دامسا، فصدم الشجرة، ثم غلبه النعاس، فنام، في الصباح وجد الشجرة قد احتلت
سيارته، لأنها لم تتفهم أسباب الحادث، ورفضت التسامح، فليست كل الأشجار طيبة.
ومن ضمن الحكايات التي نسجها أهل القرية
عن تلك السيارة، أنها كانت لشاب عاشق، أخذ حبيبته إلى مكان ناء وبعيد، وبينما كانا
يمارسان الحب، أظلت عليهما الشجرة بفيّها، ليناما مطمئنيْن، لكنها ناما ولم
يستفيقا، وظلت الشجرة تحرس قصتهما الحزينة.
وقيل أنّ سائقها كان مندوب مبيعات فقير (آخرون
قالوا إنه صاحبها وكان تاجرا ثريا) المهم أن مجموعة من الأشرار اعترضوا السيارة، وقتلوا
سائقها، وسلبوا ما فيها من بضائع وقصص وأسرار وأحلام، وولوا هاربين، وجاءت هذه
الشجرة شاهدة على الجريمة.
بعض الرواة زعموا أن السيارة كانت لشاب
شديد الطموح، ركنها في ساحة بعيدة خشية من السراق، وسافر، غاب سنوات، ولما عاد وجد
تلك الشجرة قد نمت من داخلها، رجاها أن تغادر، لكنها رفضت، أو ربما عجزت عن
المغادرة..
لا أحد يعلم على وجه اليقين قصة تلك
السيارة.. ومن صاحبها، وإلى أين كان متجها، وكيف غرست شجرة جذورها مكان السائق.. لكن
الأكيد أن السيارة معطلة، لم تعد تصلح لإيصال أحد إلى أي مكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق