أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 09، 2018

في ذكرى الانقلاب التركي، بين غولن وأردوغان



في منتصف تموز 2016، أغلقت قوات من الجيش التركي جسر البوسفور الفاصل بين جناحي إسطنبول، وفي نفس الوقت حلقت مروحيات في سماء أنقرة متزامنة مع تحركات لقطاعات عسكرية للسيطرة على أهم مؤسسات الدولة، واقتحم مسلحون استوديوهات القناة التركية الرسمية وأجبروا المذيعة على بث بيان باسم الجيش، يعلن توليه السلطة "للحفاظ على الديمقراطية"، وأن جميع العلاقات الخارجية للدولة ستستمر، وأن "السلطة الجديدة" ملتزمة بجميع المواثيق والالتزامات الرسمية، كما تعهد البيان بإخراج دستور جديد للبلاد.

وهكذا، تناقلت وسائل الإعلام خبر انقلاب في تركيا، وأن مصير الرئيس "أردوغان" بات مجهولا.. وحبسَ العالم أنفاسه في انتظار تطورات الموقف.. خاصة وأن تركيا شهدت أربعة انقلابات ناجحة من قبل.. كان أولها في العالم 1960، وآخرها عام 1997. بيد أن الجماهير التركية حسمت الموقف، وبوقت قصير، فما أن سمعت نداء "أردوغان"، حتى نزلت جموع غفيرة من المواطنين إلى الشوارع، وأسقطوا الانقلاب..
وقد أسفرت تلك المحاولة الفاشلة عن مقتل 181 شخصا، وإصابة المئات بجروح من كلا الطرفين.

بعد الإنقلاب الفاشل، وما أن انتهى الموقف لصالح الرئيس المنتخب "أردوغان"، حتى وجه اتهامه لشخص مقيم في أمريكا اسمه "فتح الله غولن"، بأنه الرأس المدبر للانقلاب.. وعلى إثر ذلك استغل "أردوغان" الحدث، وقام بشن حملة تصفية وتطهير واسعة النطاق، طالت مئات الآلاف في الجيش والشرطة والوزارات وكافة مؤسسات الدولة، تخلص من كل من له شبهة علاقة بالمدعو "غولن"، سواء بالاعتقال، أم بالطرد من الوظيفة..
على خلفية الانقلاب، انقسم العالم الإسلامي بين مؤيد لأردوغان وشامت بكل من طالتهم حملات التطهير، وبين من كان يتمنى نجاح الانقلاب، والتخلص من حكم "أردوغان"، إضافة لمن اعتبروا ردة فعل "أردوغان" مبالغ في قسوتها وحدتها، وأنها تتناقض مع قيم الديمقراطية، التي يتغنى بها حزبه.
المهم أن "غولَن" صار المتهم الأول، وصار مطلوبا للعدالة التركية.. لا يعنينا هنا إذا كان مذنبا ومتورطا في الانقلاب، أم لا، حيث أنه نفى صلته به.. ما يعنينا في هذا المقال فهم أفكار الرجل، ومفاهيم حزبه، ومقاربتها بأفكار ومفاهيم حزب "أردوغان"، خاصة وأن الجهتين تنتميان لما يمكن وصفه بالإسلام السياسي..
يكاد يجمع المحللون على أن "نجم الدين أربكان" هو الأب الروحي والمؤسس للإسلام السياسي التركي.. بينما يعتبرون "غولن" الأب المؤسس للإسلام الاجتماعي.. إذ ركزت حركة "غولن" على الجانب الاجتماعي؛ فأسست مئات المدارس والجامعات والجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية (في تركيا وخارجها، في أكثر من 180 دولة، بما فيها مدارس داخل أمريكا)، كما أنشأت شبكة إعلامية ضخمة (صحف ومجلات وتلفزيونات ومحطات إذاعية)، وأنشأت شركات خاصة واستثمارات تجارية في العديد من الدول، ونظمت مؤتمرات سنوية في أمريكا وأوروبا بالتعاون مع كبريات الجامعات العالمية، من اجل الترويج للحركة، وأنشأت أيضاً منتديات للحوار بين الأديان.
وبالإطلاع على بعض أدبيات حركة "غولان"، وما نُشر عنها، نجد أنها أقرب إلى حركة صوفية، تفهم الدين بوصفه تجربة روحية بين الإنسان وخالقه، أي حصر الدين على المستوى الفردي.. ولا تطالب بتطبيق الشريعة، بل تنادي بمسؤولية الدولة في إدارة شؤون الناس، ولكن بالديمقراطية.. وقد قدمت نفسها كحركة دينية سياسية اجتماعية، تمزج الحداثة بالتدين وبالقومية والتسامح والليبرالية.. لذلك ربما، تميزت حركة "غولن" عن باقي الحركات الإسلامية الأخرى بأنها تلقى ترحيبا كبيرا في الدول الغربية، إذْ تعتبرها "النموذج" الجيد للإسلام، الذي تريد أن يُعمَّم في أوساط الجاليات المسلمة في كافة الدول الغربية؛ فهو بالنسبة لها نموذجا منفتحا على العالم، يقدم خطابا فكريا تنويريا، ينبذ الإرهاب والعنف، ولا يرى في أمريكا والغرب عدوا للإسلام.

وإذا كنا نرى التبعات المدمرة للصراع التركي/الإيراني خاصة في سورية، بسبب سياسات البلدين وأطماعهما التوسعية، فإن "غولن" لا يرى في إيران عدوا لتركيا؛ بل يراها هي وجمهوريات آسيا الوسطى والبلقان المجال الحيوي لتركيا، وليس الدول العربية، كما كان يدعو "أربكان" من قبل، وكما يفعل "أردوغان" الآن. والفرق الآخر نجده في محاولات إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، ف"أردوغان" يريد ذلك عبر النفاذ إلى المجتمعات العربية، بينما "غولن" يسعى لها، ولكن عن طريق الأقليات التركية في دول آسيا الوسطى والبلقان.

ومع ذلك، اتهمت جماعة "غولن" بأن لها "طموح توسعي لنهاية العالم"، وأن لها "هيكلة هرمية تشبه المنظمات السرية، وهناك من يعتبرها طائفة إسلامية، أو تسعى لأن تكون كذلك.
لنرى النموذج الآخر الذي يمثله حزب التنمية والعدالة؛ في تصريح نشرته قناة روسيا اليوم، اعتبر "أردوغان"، أنه من الضروري تحديث أحكام الإسلام، مشيرا إلى أنه لا يمكن تطبيق أحكام صدرت قبل قرون في العصر الحالي. وفي كلمة ألقاها "أردوغان" بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، استنكر تصريحات بعض رجال الدين الذين يزعمون "أن المرأة لا مكان لها في ديننا"، ووصفهم بأنهم لا يعيشون في عصرنا، وإنما في عالم آخر، وهم عاجزون لدرجة أنهم لا يعلمون بأن الإسلام يحتاج للتحديث. مناديا بإعادة  فتح باب الاجتهاد لكي يكون الإسلام قادرا على قيادة الحياة الحديثة، موضحا: "لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكام صدرت قبل 14 قرن، وتطبيق الإسلام يختلف بحسب المكان والزمان والظروف وهنا يكمن جماله"..

وقد صرح "أردوغان" في مناسبات عديدة بأن حزبه علماني، ووصف طبيعة وهوية نظام الحكم في بلاده بأنها دولة قانون ديمقراطية اجتماعية وعلمانية، وأن تركيا لا يمكن أن تتوقف عن مواصلة نضالها في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولن تتراجع عن العلمانية التي تضمن حرية العقيدة لمواطنيها.

وفي جولة له على عدة دول عربية بعد الربيع العربي، شملت مصر وتونس وغيرها، نصح "أردوغان" مضيفيه من قادة الأحزاب الإسلامية بتبني منهج حزبه في العلمانية والديمقراطية. الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من قادة ومنظري الإسلام السياسي العربي، واتهامهم "أردوغان" بالخروج عن الإسلام، وأن تجربته لا تمت للإسلام بصلة...

ومع أن المحللين يعتبرون "أربكان" أستاذ "أردوغان" الأول، والمؤسس الروحي لحزب العدالة والتنمية، إلا أن آخرين اعتبروا "غولن" هو أستاذ "أردوغان" الحقيقي.. لكنه انقلب عليهما، أو لنقل شقَّ لحزبه طريقا مغايرا لما تعلمه منهما، حتى أنه تنكر للأول، وناصب الثاني العداء.

كان "أردوغان" و"غولن" حليفين في السابق، فقد ساهم التقارب بينهما في تحقيق أغلبية برلمانية في ثلاثة انتخابات متتالية. وقد تعاظم تأثير جماعة "غولن" خلال فترة تحالفها مع "أردوغان"، والذي وافق على تعيين مئات من أتباع "غولن" في مناصب داخل الحكومة، وداخل الجيش والشرطة. لكن الخلافات بينهما بدأت بالظهور بعد 2011. فسرها مراقبون بأنها صراع على الإستحواذ على أجهزة الشرطة والقضاء. وصل أوجه في 2013، عندما اتهمت جماعة "غولن" العديد من مسئولي الدولة وأعضاء حزب العدالة بالفساد، فيما عرف باسم "تحقيقات فساد تركيا 2013"، وحينها اتهم "أردوغان" حركة "غولن" بفتح هذه التحقيقات لأسباب شخصية، نتيجة انتهاء التحالف بين الحزبين، وأن "غولان" يريد إسقاط الحكومة عن طريق إنقلاب قضائي تستخدم فيه تحقيقات الفساد كذريعة.

إذن، نحن أمام نموذجين يزعم كل منهما بأنه يمثل النموذج الأصح للإسلام.. بينما يتضح أن كلاهما يستخدم الدين للوصول للسلطة، أو للتشبث بها، ويناصب الآخر العداء، بنفس الخطاب، أو برده على الطرف الآخر..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق