في
25 آذار 1911، شـبَّ حريقٌ هائل في مصنع نسيج، في أمريكا، وقُتل في الحادث 140
إمرأة؛ إذ أن الإداريون ما أن اندلعت النيران حتى هربوا من الطوابق العلوية دون
حتى أن يحاولوا فتح الأبواب على العاملات في الطابق الأرضي للمصنـع، حيث أعتاد
صاحبا المصنع "بلانك" و"هاريسون" على إغلاق أبوابه بالمفاتيح
أثناء العمل لمنع العاملات من مغادرة أماكنهن، حتى للحمّامات، وحتى يضمنا عدم
قيامهن بسرقة أي شيء.. علماً أنهما كانا يربحان سنويا أكثر من مليون دولار. بينما كانت العاملات يتقاضين دولارين فقط عن كل يوم
عمل مكون من 14 ساعة متواصلة دون طعام، بل إن المصنع كان يخصم أثمان الإبر والخيطان
المستهلكة من أجورهن.
وما
يغيظ أكثر، أن المالكان حصلا علي تعويض ضخم من شركة التأمين، وفوق ذلك قدما
التماسا للمحكمة يطالبان بعدم إلزامهما دفع أي مبلغ لأسر المتوفيات. إلا أن المحكمة
أجبرتهما على دفع 75 دولار فقط لكل أسرة من أهالي المتوفيات.
حاول
العالم تصحيح هذا الخطأ، وإعادة الإعتبار للنساء اللواتي حرقتهن النيران، بعد أن
حرقهن جشع الرأسماليين، فتم تخصيص يوم 8 آذار يوم عالمي للمرأة، استجابة لمطالب
النساء اللواتي تظاهرن قبل الحادثة بعامين احتجاجا على سوء ظروف العمل..
هل
فعلا تم تصحيح الخطأ؟! هل كانت تلك آخر مرة تُـحرق فيها النساء ظلما وجوراً؟
في
الواقع، لم تكن تلك الحادثة البشعة لا المرة الأولى ولا الأخيرة..
في
العصور الوسطى قتلت السلطات الكهنوتية والإقطاعية ومحاكم التفتيش الأوروبية نحو
خمسة ملايين إمرأة.. خمسة ملايين إمرأة قُتلن حرقاً وشنقاً لأتفه الأسباب، مثل
التداوي بالأعشاب، أو تعلم القراءة والكتابة..
قبل
ذلك بزمن بعيد، كانت القبائل البدائية تقدِّم النساء قرابين للآلهة، أو لتفادي غضب
قوى الطبيعة.. وعندما كانت القبائل تغزو بعضها، أو كلما تلاقت الجيوش.. كانت
النساء دوماً هنَّ من يدفعن الثمن.. كان الطرف المنتصر يأخذهن سبايا وجواري..
لنعد
لزمننا الحاضر؛
في
العام 1999، لقيت 16 إمرأة مصرعها عندما شب حريق ضخم في مصنع للقداحات في الخليل. وكانت
العاملات قد حاولن الفرار دون جدوى بسبب عدم وجود مخارج للطوارئ في المصنع الذي لم
يكن مرخصا.
هل
تمت محاسبة صاحب المصنع؟ هل تم التحقيق في ظروف عمل النساء؟ اللواتي يتقاضين أجورا
زهيدة جدا، أقل من نصف الحد الأدنى للفقر!! بعد الحادثة بعشر سنوات، صدف أن أشرفتُ
بنفسي على إتلاف بضائع فاسدة ومهربة، قُدرت قيمتها بأكثر من عشرة ملايين شيكل
(أغلبها منشطات جنسية غير مرخصة)، وقيل لي حينها أن المتهم بالإتجار بهذه المواد
هو نفس الشخص المسؤول عن حريق المصنع!!
وبمناسبة
الحديث عن الحرائق، والنساء.. في العام 2002 نشب حريق هائل في مدرسة إعدادية للبنات
في مكة المكرمة، تسبب بوفاة 15 طالبة، وجرح 50 أخريات (أعمارهن من 12~17 عاما)..
قد يكون الخبر لحد الآن عاديا، رغم فجاعته، لكن ما هو غير عادي أبدا ما حصل في ذلك
الحريق؛ حيث منع رجالُ "هيئة الأمر بالمعروف" الطالبات من الخروج من باب
المدرسة، لأنهن كنَّ بدون غطاء للرأس، وبدون عباية!! كما منع رجالُ الهيئة رجالَ
الدفاع المدني والمتطوعين من دخول باب المدرسة لإخماد الحريق، وإسعاف الجريحات،
بحجة أن الاختلاط ممنوع!! الأمر الذي تسبب بهذا العدد الكبير من الضحايا..
وطبعا،
لم يُحاسَب أحد؛ ربما، لأن الضحايا نساء..
ومثلما
كانت النساء ضحايا الحروب والصراعات في الزمن الماضي، ما زلن يقدَّمنَ قرابين
رخيصة في حروبنا وصراعاتنا الدائرة حاليا.. عندما اجتاحت القوات الأمريكية العراق
(2003) اغتصب الغزاة مئات العراقيات، حسب ما اعترف به جنود كثيرون صحا ضميرهم
متأخرا.. وفي سورية، اغتصبت أجهزة النظام مئات السوريات في أقبية الزنازين، حسب ما
تسرب من شهادات موثقة لناجيات من السجون.. ومثل هذه الجرائم وأبشع اقترفتها
العصابات الإرهابية في معظم المناطق التي سيطرت عليها.. وقبل ذلك، لا ننسى ما فعله
الجنود السوفييت عندما سقطت برلين في نهاية الحرب العالمية الثانية؛ قاموا باغتصاب
كل نساء المدينة من عمر 10 سنوات، حتى من بلغن التسعين.. كان الانتقام منهن بأبشع
صورة، رغم أنهن لم يشتركن بأية أعمال قتالية..
قبل
أيام انتشر مقطع فيديو يظهر فيه لاجئ عربي في ألمانيا، وقد طعن زوجته الحامل، التي
ظهرت مضرجة بدمائها، وهي ترجوه وتتوسل إليه أن يتوقف عن طعنها.. بينما هو يدخن
سيجارته مزهوا بذكورته، ويقول أنا كتير مبسوط على منظرها وهي بتموت..
يعني،
أينما نرتحل، وأينما نحل، نحمل معنا حمولتنا الثقيلة من التخلف والجهل، وقيم
الذكورة الغبية.. لأنها معششة في عقلنا الباطن.. نعتقد جازمين أن الرجل هو الأقوى
والأكمل.. والمرأة ناقصة عقل ودين.. لذلك يجب عليها أن تظل هي من تدفع الثمن..
ولذلك، سيظل حرق النساء مستمرا..
وإذا
لم يكن حرقا بالنار، فحرق بالقهر والاستغلال.. لو دخلتَ أي متجر كبير، في رام الله
مثلا، ستجد صبايا يعملن لساعات طويلة، وليتأكد صاحب العمل أنهن لن يسترحن لدقيقة،
فإنه لا يوفر لهن أي كرسي للجلوس.. حتى لو كنَّ موظفات "كاشير"! وهؤلاء
النسوة يتقاضين أجورا سخيفة جدا، خاصة العاملات في دور الحضانة ورياض الأطفال، وسكرتيرات
الأطباء ومكاتب المحاماة.
قبل
فترة، قامت نساء عاملات في أشهر مصانع الأزياء العالمية بوضع رسائل في داخل
الملابس والحقائب المنتجة، كتبنَ فيها: "إن هذا المعطف الفخم الذي سترتدينه
صنعته عاملات لم يتقاضين أجورهن منذ أشهر"، أو "إن أجورهن زهيدة جدا"،
وأن "أرباب العمل يستغلونهن".. نعم أشهر دور الأزياء التي تربح ملايين
الدولارات.
كما
ذكرت تقارير صحيفة بأن الخادمات الأجنبيات في الأردن ولبنان ودول الخليج يتعرضن
لظروف أشبه بالعبودية، حيث يعملن في ظروف قاسية، ويتم حرمانهن من جوازات السفر
وأيام العطل وحرية الانتقال إلى وظائف أخرى، وقد اشتكت غالبيتهن من التعرض
لاعتداءات جسدية وجنسية، ومصادرة الهواتف المحمولة، والحرمان من الأجور لفترات
طويلة.
ببساطة..
مأساة عاملات مصنع النسيج التي وقعت قبل قرن، ما زالت مستمرة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق