أشهر ما ميز نظرية أينشتاين النسـبية قولها بتوحـيد الزمـان والمكـان
(الزمكان) واعتبارهما وجهان لعملة واحدة، وغير ثابتان على الدوام، وأن الوقت ليس
مسألة نفسية، بل هو حالة من الفيزياء المعقدة؛ يتباطأ مع ازدياد السرعة، أي يتباطأ
إيقاع الساعة نفسها المجردة من كل الأحاسيس البشرية، وما ينطبق على الوقت ينطبق
أيضا على الطول، الذي يتقلص بزيادة السرعة. وكما تهاوى الزمان والمكان بمفهومهما
المطلق والثابت، وقام على أنقاضهما مفهوم النسبية، حصل ذات الشيء مع الكتلة
والطاقة. فالكتلة والطاقة هما تعبيران عن ذات الشيء، فالطاقة هي مادة متحررة،
والمادة طاقة مجمدة.
كذلك ستُغير النسبية مفهومنا عن الجاذبية التي كنا نظنها قوة، فإذا هي
عبارة عن مجال، ثم سنعرف بأن هذا المجال محدب، حاله حال الكون بكافة مظاهره، وحتى
شعاع الضوء سنكتشف أنه منحني وليس مستقيما، وأن هندسة "إقليدس" لا تصلح
إلا على الورقة، وتحتاج لفضاء مثالي "غير موجود" حتى تكون قوانينها
صحيحة، كما سنعرف أن قوانين نيوتن لا تصلح إلا للمسافات القصيرة والسرعات الضعيفة
"نسبياً".
اعتبر "نيوتن"، أبو الفيزياء الكلاسيكية، أنَّ المسافة والكتلة
والسرعة والتسارع والمكان والزمان مقاييس ثابتة لها معايير مطلقة، لا تتغير بتغير
الزمان أو المكان. ولكن "أينشتاين" نظر إليها من زاوية مختلفة تماماً؛ فلا
وجود عنده للمطلق (باستثناء سرعة الضوء)، واعتبر أن ثبات مقاييس الأبعاد شيء لا
معنى له في هذا الكون المتحرك، لأن المقاييس متغيرة بالنسبة لمن يشاهدها ويقيسها..
وقد تدل على قيمة أخرى مختلفة بالنسبة لمشاهد آخر. وقال إن العالم مكون من أربعة
أبعـاد، وليس ثلاثة كما نعتقد.
في الفيزياء الكلاسيكية نتحدث عن المكان بكل بساطة، فنقول لبنان شمال فلسطين،
العصفور فوق الشجرة، بمعنى أنه هنالك شيء يُنسب إلى شيء آخر. النسبية تعتبر أن
ثبات الإنسان هو مجرد ثبات نسبي، أي أنه ثابت بالنسبة للأرض، ولكن هذه الأرض ليست
ثابتة بأي شكل، بل إن لها عدد كبير من الحركات في نفس الوقت، فالأرض تدور حول
محورها، ثم تدور حول الشمس، ثم معها ضمن دورة المجموعة الشمسية التي تدور أيضا ضمن
دورة المجرة حول نفسها، ثم مع المجرة بأكملها منطلقة في الفضاء الرحب، متباعدة عن بقية المجرات.
وهذه الحركات المتعددة تنطبق على جميع الكواكب والنجوم في هذا الكون الفسيح
بلا نهاية، وبالتالي لا يوجد مكان ثابت أو مطلق في أي زاوية من زوايا الكون،
فالإنسان قد يبدو ثابتا بالنسبة للأرض، وفي الحقيقة هو والأرض متحركان، وفي كل
لحظة جديدة يتغير عليهما "الزمكان". وبالتالي فإن مصطلحات شمال جنوب،
فوق تحت، ليل، نهار... لا معنى لها عند الحديث عن الكون، وهي تصلح فقط على الأرض،
فلا نستطيع القول أن القمر شمال الأرض، والمريخ شرق المشتري.
في الفيزياء الكلاسيكية نقدر الزمن باليوم وأجزائه ومضاعفاته، وهو الوقت
الذي تستغرقه الأرض لإتمام دورتها حول نفسها، والسنة هي الوقت الذي تحتاجه الأرض
لإتمام دورتها حول الشمس. ومن هذا المنطلق سيكون لكل كوكب يومه الخاص وسنته
الخاصة، فسنة كوكب بلوتو 248 سنة من سنين الأرض، واليوم في المشتري عشرة ساعات أرضية فقط.
في النسبية يتعـذر علينا تحديد مقياس ثابت معياري لقياس الزمن، فأي يوم من
أيام الكواكب سنتخذه مقياسا؟! وستصبح المشكلة أكبر عندما نغادر المجموعة الشمسية،
ثم أكثر تعقيدا كلما سافرنا في أرجاء الفضاء، فالكون فسيح جداً لدرجة يصعب على
العقل تخيلها، فيه مليارات النجوم والكواكب، وجميعها في حركة دائمة مستمرة، ولا
يوجد أي رابط زمني يربط ما بينها، فكلمة الآن لا معنى لها إلا على سطح الأرض، فهي
قد تعني فرق آلاف السنين في الماضي أو المستقبل بالنسبة لمواقع أخرى من هذا الكون.
إذن، فالكون من الناحية الزمنية مفكك الأوصال، والزمن فيه لا يسير في جميع أنحائه
بالتساوي.
وإذا أردنا تحديد زمن حادث معين وقع في مكان ما من الكون، قد يكون في الحاضر
بالنسبة لمشاهد أرضي، وقد يكون الماضي بالنسبة لسكان نبتون، وقد يكون مستقبلا
لمشاهد من مجرة أندروميدا. فأقرب نجم إلينا (ألفا قنطوروس) يبعد أربع سنوات ضوئية،
أي أن الضوء المنبعث منه يحتاج إلى أربع سنوات حتى يصلنا، فإذا تفجر هذا النجم
وانتهى من الوجود تماما، فلن نعرف بهذا الخبر إلا بعد مرور أربع سنوات.
وتقوم النسبية الخاصة على خمسة قوانين أساسية: ثبات سرعة الضوء (لا يمكن جمع السرعات لحركة الأجسام مهما كان اتجاهها)، وقانون الطاقة والكتلة، واعتبار
أنَّ للضوء كتلة، وقد عبر "أينشتاين" عن ذلك بالقانون الشهير: الطاقة
تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء، وهذا القانون هو الذي بنيت عليه معادلة
القنبلة الذرية. انكماش الطول، وزيادة الكتلة بتزايد السرعة، والقانون الخامس يتعلق بالزمان: يتباطأ الزمن
بحسب السرعة. وإذا زادت السرعة حتى وصلت سرعة الضوء (وهذا مستحيل) فإن الكتلة
ستكون حينئذ لا نهائية، ويصبح زمنها صفرا، وطولها أيضا صفرا.
نظريا، وحسب النسبية، يمكن السفر عبر الأزمان، كل ما يلزمنا مركبة لها سرعة
تقارب سرعة الضوء، لنغادر بها الأرض أياما معدودة، ثم نرجع لنكتشف أننا في
المستقبل، أو أسرع قليلا، لنعود بالزمن إلى الوراء...
لقد زعزعت "النسبية" الثقة بالحتمية والسببية، وبصرامة القانون
الطبيعي، وجرّدت العلم من أهم خاصيتين لـه: اليقين والإطلاق، وأحلَّت محلهما
التقريب والنسبية والاحتمال، وبيّنت أن الإنسان هو الذي يؤثر في الظواهر التي
يدرسها ويضفي عليها الكثير منه، وكأنه هو صانع الحقيقة.. هذا الإنسان مكتشف الكون،
وهو وحده الذي يفكر به، وما حياته سوى ومضة في عمر الزمان، ولكن هذه الومضة هي سر
الوجود، ولولاها لسـاد الظلام كل شيء، ولما كان للوجود أي معنى أو روعة.
كان من الممكن أن تظل النسبية ترفا فكريا، لو لم تقم عليهما نظرية متكاملة
تفسر الظواهر الكونية، وتستطيع أن تتنبأ بحقائق فيزيائية تثبت الاختبارات صحتها
يوما إثر يوم.
لقد غير "أينشتاين" فهمنا للعالم، فهل سنغير نحن أنماط تفكيرنا قليلا؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق