في الباصات، بعض السيدات لا تجد لها
مكانا مناسبا بين "الذكور"، فتطلب من أحدهم (بصيغة الأمر وبدون "لو
سمحت") الانتقال إلى مقعد آخر حتى تجلس بمفردها، كأن "الباص" لأبوها،
وبعد أن يمتثل الشهم لطلبها، تنسى أن تقول له "شكرا". ومع ذلك شكرا
للشباب على شهامتهم، التي صارت في بلدان كثيرة ضربا من التخلف.
وفي الباصات
أيضا، وفي الأماكن العامة يتحدث البعض بهاتفه الخلوي بصوت مرتفع، وبانفعال شديد،
حتى أنه يبدأ بالتلويح بيديه كما لو أن المستمع يراه، وما هي سوى دقائق حتى نعرف
تاريخ حياته، وطلبات زوجته، مشاكله مع حماته، نمرة حذائه، حجم ديونه، مسلسله
المفضل، متى استحم آخر مرة، ماذا سيتعشى الليلة، موقفه من أزمة اليونان الاقتصادية
.. سؤال: هل نحن مضطرين لسماع هذه التفاصيل ؟
في بلادنا الوقت أرخص شيء، ويُهدر بلا
قيمة، فمثلا يتأخر المواطن ساعتين في البنك لصرف شيك، المعاملة الرسمية التي قد
تُنجز في ربع ساعة تحتاج أيام، سائق العمومي ينتظر ساعة، أو يلف شوارع المنطقة
كلها لالتقاط راكب والركاب لا يجرؤون على الاعتراض، الحكي عالتلفون يتحول إلى
سهرة، أسهل شيء على بعض الموظفين أن يقول للمراجع تعال بكره أو الأسبوع القادم،
إذا وعدك أحدهم أنه سيزورك الساعة الثانية ظهرا فاعلم أنه سيأتيك السادسة مساء -
إذا كان مستعجل – وإذا زارك في مكان العمل فلا مشكلة لديه أن يعطلك لساعات يمضيها في
الثرثرة.
وإذا عجزت عن
إثبات نظرية دارون حول أصل الإنسان، فما عليك إلا أن تقف في الشارع العام، وترقب
وجوه بعض الناس وتصرفاتهم، أو تشاهد نشرة الأخبار، لترى العجائب، ستقتنع بسهولة
حينها بأن بعض من حولنا تطوروا دفعة واحدة عن تمساح أو عن ذئب أو حمار .. دون
المرور بمسلسل التطور الطويل والممل الذي تحدث عنه دارون.
يُعد فصل الصيف موسم التكاثر المفضل
لبني البشر، حيث تكثر الأعراس والأفراح، وهذا طبعا يبعث في النفس السرور والبهجة،
ولكن البعض يصر على تحويل عرسه إلى مهرجان قومي، فيبدأ سهرته باحتلال الشارع
وإغلاقه أمام حركة السيارات، ثم بنصب مكبرات الصوت، وجلب مغنيين يتقنون كل شيء ما
عدى الغناء، لتمتد السهرة لما بعد منتصف الليل، فمن لم يحضر السهرة شخصيا سيكون
مجبر على سماعها من غرفة نومه.
نال العالم المصري "أحمد زويل" جائزة
نوبل على اكتشافه أصغر جزء من الثانية، ولما عاد للوطن العربي اكتشف ما هو أصغر من
هذا الجزء، إنها الفترة الفاصلة بين ظهور اللون الأصفر في الإشارة الضوئية وانطلاق
أول زامور.
في بلد أوروبي،
وبينما كان "أبو خلف" يتمشى في طريقه إلى المطار، استخدم منديلا ورقيا،
وعندما أراد أن يلقيه لم يجد سلة مهملات قريبة، ولأنه لم يشأ أن يخدش نظافة الشارع
دسّـهُ في جيبه، وفي الطائرة تناول قليلا من العصير البارد ولأن المضيفة نسيت أن
تعود لأخذ العبوة الفارغة دسّـها في جيبه أيضا، وفي ردهة المطار شعر بضيق في حلقه
فأراد أن يبصق ولأن المغسلة كانت بعيدة بلع ريقه، ولكنه ما أن حطت قدماه أرض الوطن؛
حتى بصق ما في حلقه، ثم ألقى بالمنديل وبعبوة العصير على قارعة الطريق، ثم جر نفسا
عميقا وتنشق هواء الوطن وصاح بفرح: هنا أستطيع أن أفعل ما أريد .. فلتحيا الحرية
!!!
يُقال أنه إذا
اجتمع أربعة فلسطينيين، قد يتفقون على تحديد من هو أمهر لاعب في الدوري الإسباني،
وأحسن سيارة يابانية، وأجمل ممثلة أمريكية، وأفضل روائي روسي، وأزكى أكلة صينية
... ولكن عند الحديث في السياسة سيخرجون بأربع نظريات مختلفة عن تحرير فلسطين،
وخامسة للاحتياط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق