غداة هجمات باريس (تشرين الثاني 2015)، التي راح
ضحيتها أكثر من 120 مواطنا فرنسيا، تسلطت الأضواء على حي "مولنبيك"،
الواقع غرب العاصمة البجيكية بروكسل؛ إذ ربطت أجهزة الأمن بين الهجمات وأشخاصاً يقطنون
الحي، يشتبه بضلوعهم فيها، منهم "عبد الحميد أباعود"، و"صلاح عبد
السلام"؛ بل أن المخابرات الأوروبية والأمريكية أكتشفت روابط قوية بين هذا
الحي والعديد من الهجمات الإرهابية التي حدثت في العقدين الماضيين؛ فمثلا، تبين
لها أن "عبد الستار دحمان" أحد قتلة الزعيم الأفغاني "أحمد شاه
مسعود" (أيلول 2001)، خرج من "مولينبك"، وكذلك "حسن
الحسكي" العقل المدبر لهجمات قطارات مدريد (آذار 2004) والتي أسفرت عن مقتل
192 شخص كان يقطن هذا الحي، وأيضا "مهدي نموش" الذي قتل أربعة أشخاص في
متحف يهودي في بروكسل (أيار 2014). حتى منفذي هجمات "شارل أبيدو" (كانون
ثاني 2015)، و"أحمدي كوليبادي" الذي قتل خمسة أشخاص في سوبرماركت يهودي
في باريس، و"أيوب الخزاني" الذي أطلق النار على قطار أمستردام (آب 2015)،
كلهم إما ولدوا في هذا الحي، أو قطنوا فيه لفترة، أو استخدموه لأغراض الدعم
اللوجستي. حتى أنّ معظم "الجهاديين" البلجيكيين
الذين التحقوا بداعش، وعددهم نحو 500، ينحدرون من هذا الحي.
حي "مولنبيك"، الذي بدأ
يتحول منذ بداية الثمانينيات إلى حي شعبي بعد أن كان منطقة صناعية، أصبح أحد
المناطق العشوائية الآحذة بالإزدياد في العقود الأخيرة في أنحاء أوروبا، يقطنه اليوم
نحو 100 ألف نسمة، 80% منهم من أصول عربية. ويعتبر أفقر أحياء بلجيكا وأكثرها ازدحاما.
وعلى غرار الضواحي التي تحيط باريس كأحزمة بؤس، ولا تحظى بأي اهتمام من قبل
الدولة، إلا من الناحية الأمنية، وبسبب سياسة التهميش، وضعف برامج دمج هذه الأحياء
في النسيج الاجتماعيالأوروبي، ومع تفشي البطالة، صارت هذه الأحياء غيتوات
مغلقة، ومعزولة، وتحولت مع الوقت لتربة خصبة للحركات الإسلامية المتشدّدة، ومعقلاً
للحركات المتطرفة؛ التي تمتلك مساجدها الخاصة، وتمارس سياسة اجتماعية مؤثرة في
أوساط العائلات الفقيرة، وتسعى للهيمنة على جميع مظاهر الحياة في تلك الأحياء.
تسعى
العديد من الدول الأوروبية لدمج واستيعاب الجاليات المسلمة، إلا أنها تلاقي
استجابة ضعيفة، خاصة من الأجيال الشابة، ومع ذلك، لا يأتي اهتمام الدول بتلك
المناطق إلا في سياق أمني بحت؛ فبعد أيام قليلة من اعتداءات باريس، قامت الشرطة
البلجيكية بعملية أمنية في الحي، وفكّكت شبكة لناشطين مدججين بالأسلحة والمتفجرات،
قالت إنهم كانوا على وشك القيام بهجمات ضد مقرات الشرطة في بروكسل. وقد اعترف عمدة
مقاطعة "مولنبيك" بتقصير كبير في التعامل مع الحي، قائلاً: "منذ
عقود توافدت أعداد هائلة من المهاجرين إلى الحي، ولم نستطع وضع سياسة كفيلة بدمجهم بالمجتمع
البلجيكي، وتركنا سكان الحي يتخبطون في مشاكلهم من دون مساعدة منا، وهذا ما ساهم في
تسهيل استقطاب الشباب من قبل التنظيمات المتشدّدة".
في بريطانيا، أعلن إسلاميون
متشددون عن تطبيق الشريعة في بعض مناطق المملكة المتحدة (مثل "ولتام فورست"،
وضاحية "ليتون"، ومدينة "ليستر")، وتم تحديد تلك المناطق
بتعليق ملصقات تحذيرية، كُتب عليها: "أنت تدخل منطقة تطبق الشريعة، وتسري
فيها القواعد الإسلامية". وتشمل هذه القوانين: فرض الملابس المحتشمة، وحظر
الكحول، والاختلاط بين الجنسين، والاستماع للموسيقى، ولعب القمار، أو الاشتراك
بالمراهنات، وحتى منع التدخين. وتعتزم تلك الجماعات نشر عدة آلاف من "شرطة
الشريعة" لمراقبة تطبيق وإنفاذ القوانين، ولمنع ارتكاب المحظورات في المناطق
المشمولة بالحظر. وقال "انزم حوادري" المصنف كمسلم
متطرف في تصريح لصحيفة "الديلي ميل": "إن الخطوة تهدف إلى وضع أسس الدولة
الإسلامية على كامل الأراضي البريطانية" .
وفي
أستراليا، نظم مسلمون مظاهرات سلمية مضادة لمظاهرات أخرى مناوئة للإسلام، ولكن ظهر
في بعضها متشددين يحملون رايات داعش، ويرددون شعارات متطرفة تدعو لفرض الشريعة،
ومحاربة "النصارى"، وفي حادثة متصلة قتل شاب مسلم من أصل عراقي شرطيا
أستراليا على خلفية دينية، كما خرج من أستراليا مئات الشبان الذي انضموا لصفوف
داعش. وكان خبراء أستراليون قد حذروا من أن الأطفال المسلمين تظهر عليهم علامات
عدم الرضا وصعوبات التكيف والاندماج، والرغبة في الانفصال عن المجتمع الأوسع. وأرجع هؤلاء
السبب في كون الأطفال المسلمين ينشأون في أحياء شبه مغلقة، ويشعر فيها أهاليهم
بوطأة ضغوط المجتمع ووسائل الإعلام، وحتى مؤسسات الدولة وخطابها السياسي وتشريعاتها
الأمنية التي كان لها دورا في ذلك؛ فبدلا من اعتماد برامج لدمج واستيعاب الجاليات
المسلمة، واحتواء كافة أطياف المجتمع؛ انصب التركيز الحكومي على الأمن الداخلي،
والحرب على الارهاب، الأمر الذي ساهم في خلق بيئة أتاحت ظهور شبان مسلمين متشددين،
وبأعداد كبيرة.
رئيسة وزراء
أستراليا "جوليا جيلارد"، في تصريح شهير منسوب إليها، وهي تخاطب أحد
المتشددين الإسلاميين فى بلدها، تقول: "لماذا أنت متعصب، ولا تسكن في
السعودية أو إيران ؟ ولماذا غادرت دولتك الإسلامية أصلاً ؟ أنتم تتركون دولاً
تقولون عنها أن الله باركها بنعمة الإسلام، وتهاجرون إلى دولٍ تقولون أن الله
أخزاها بالكفر، تأتون إلينا من أجل الحرية، العدالة، الرفاهية، الضمان الصحي، الحماية
الإجتماعية، المساواة أمام القانون، فرص العمل العادلة، مستقبل أطفالكم، حرية
التعبير .. إذن، لا تتحدثوا معنا بتعصب وكراهية؛ فقد أعطيناكم ما تفتقدونه، احترمونا
أو غادروا".
وسواء قالت
"جيلارد" هذا الكلام، أم لم تقله؛ سيان؛ لأنه يطرح تساؤلات عديدة: لماذا
لا يحترم أولئك المهاجرين قوانين الدول التي استضافتهم، ومنحتهم حق اللجوء !؟ وفي
المقابل، من حقنا أن نطرح أسئلة عن سياسات الدول الغربية تجاه المهاجرين، ومدى
تمسكها بمبادئ حقوق الإنسان في مخيمات اللجوء، وعلى الحدود، وحتى في مياهها
الإقليمية، وعن التمييز العنصري، خاصة في المطارات، عن مدى صدقية فرنسا مثلا في
مسألة الحريات، وهي تفرض منع الحجاب في أماكن معينة، عن إهمالها للعديد من الأحياء
ذات الأكثرية المسلمة !!
كما يطرح
موضوع حي "مولينبك" أسئلة عن العلاقة بين العنف وتلك الأحياء المكتظة
الفقيرة، وعن دور أجهزة المخابرات في تسويق ثقافة الرعب واختراق الجماعات
الإرهابية. والسؤال الأهم عن مستقبل أوروبا في ظل تزايد أعداد المهاجرين إليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق