حوالي 37% من
النساء تعرضن لأحد أشكال العنف من قبل أزواجهن، (30% في الضفة الغربية، مقابل 51%
في قطاع غزة). في حين بلغت نسبة اللواتي تعرضن لعنف اقتصادي 55%، و 54.8 لعنف
اجتماعي، و23.5% لعنف جسدي، 11.8% لعنف جنسي. وهذه الأرقام حسب آخر عملية مسح لمؤشرات العنف في فلسطين، أصدرها
الجهاز المركزي للإحصاء في سنة 2011، لكن هذا لا يعني أن العنف قد توقف بعدها، فما
زالت النساء يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف، ربما أخطرها ما غفلت عنه البيانات
الرسمية، ولم يُبَلَّغ عنه لأسباب مختلفة.
وحسب بيانات "بيت
الأمان" وهي مؤسسة رسمية تعنى بالحفاظ على الفتيات المعنفات، فقد تقدمت 90 سيدة
فقط في العام الماضي 2014، بطلب إقامة في البيت نتيجة مشكلات أسرية وخلافات زوجية ترافقت
مع إعتداءات جنسية تعرضن لها، فضلا عن عشرات طلبات الاستشارة. أما "مركز حياة
لحماية وتمكين النساء" فقد تعامل مع 164 حالة خلال نفس العام، مقابل 147 حالة
للعام الذي سبقه، ما يعني أن نسبة الإناث المعنفات آخذة في الازدياد.
وبشكل عام، أغلب
الحالات المسجلة هي حالات عنف جسدي وصلت حد التهديد بالقتل، ولكن هنالك أضعاف هذه
الأرقام من الاعتداءات اللفظية والنفسية، والتي
بسبب الاعتبارات الاجتماعية والخوف يتكتمن عليها ولا يبلغن عنها. حيث هناك30.2% من النساء اللواتي تعرضن للعنف
من قبل أزواجهن لجأن إلى بيت الوالدين أو أحد الأخوة والأخوات، مقابل 65.3% منهن
فضلن السكوت إزاء العنف الذي تعرضن له من أزواجهن؛ في حين لم تزد نسبة النساء
اللواتي تعرضن للعنف وتوجهن إلى مؤسسة أو مركز نسوي لطلب استشارة عن 0.7%..
وحسب ناشطات نسويات،
هناك أعداداً مهولة من الإناث ما زلن يعانين بصمت داخل الأسرة؛ إما خوفا من
الطلاق، أو الطرد، أو حتى القتل، أو حفاظا على سمعة العائلة، أو تلافيا للفضيحة خاصة
في حالات الاعتداء الجنسي الواقع عليهن سواء من أزواجهن أو من المحارم. بيد أن
بعضهن ساقتهن الجرأة إلى الحديث في المحظورات وإزاحة الستار عن واحدة من أكثر
القضايا حساسية؛ ألا وهي "سفاح القربى".
والعنف الذي
نتحدث عنه لا يقتصر على الضرب؛ بل هو أي تصرف يقترفه أحد أفراد الأسرة الذكور ضد الإناث؛
بهدف إلحاق الألم أو الأذى النفسي أو الجسدي بهن، أو الإساءة لهن بأي شكل من
الأشكال، ويشمل ذلك العنف النفسي، والجسدي، واللفظي، والجنسي، (والعنف الجنسي سواء
من قبل الرجل نحو زوجته، أو الذي يمارسه أحد أفراد الأسرة نحو إحدى النساء، بما في
ذلك الطفلات، إضافة إلى التحرش).
أما العنف
النفسي وهو الأخطر والأكثر انتشارا، فهو المعاملة السيئة بحق نساء الأسرة، مثل الاستهتار
أو الإزدراء، أو الشتم والإهانة، أو الصياح والصراخ والتوبيخ والتحقير، أو الطرد من
البيت، أو الحبس داخله، أو الترهيب والتهديد والإكراه ... ومن
أهم آثار العنف النفسي إثارة القلق والخوف في الشخص المُعتدى عليه، والمس به
نفسياً، أو الحط من قيمته، وإشعاره بأنه سلبي، أو إضعاف قدراته المعنوية والذاتية،
أو خلخلة ثقته بنفسه وتقديره لذاته.
ولا ينحصر
العنف ضد المرأة في البيت؛ فهناك حوالي 5% من النساء تعرضن للعنف النفسي في
الشارع، و1.3% تعرضن لتحرشات جنسية و0.6% تعرضن لعنف جسدي في نفس المكان، بالمقابل
فإن 4.0% من النساء تعرضن لعنف نفسي من قبل مقدمي الخدمات في أماكن تقديم الخدمات
العامة.
أما جرائم قتل
النساء على خلفية ما يدعى "الشرف" فتتفاوت أرقامها من إحصاء إلى آخر،
فمثلا بلغت الحالات الموثقة لدى "منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة
العنف ضد المرأة" لعام 2007 ما مجموعه 58 حالة قتل لفتيات ونساء في الضفة
الغربية وقطاع غزة؛ وحسب إحصاءات مؤسسات حقوق الإنسان، تم توثيق 13 حالة في العام
2012؛ وضعفها في العام 2013؛ في حين شهدت الأشهر الخمسة الأولى من عام 2014، 15 حالة. وحسب "الهيئة المستقلة لحقوق
الإنسان" في تقريرها الأخير حول حالات قتل النساء في السنوات الخمس الأخيرة،
والصادر في منتصف العام الجاري، فقد تم رصد وفاة 64 امرأة في قطاع غزة بين الأعوام
2010 ~ 2014 سُجلت كوفيات مجهولة السبب وبقيت غامضة. وفي داخل الخط الأخضر فإن عدد
النساء اللواتي قتلن خلال العقد الأخير بلغ 88 امرأة وطفلة، 42 منهن قتلن خلال
الأربع سنوات الأخيرة، 13 منهن العام الماضي 2014. ما يعني أن مسلسل قتل النساء في
فلسطين يتواصل بوتيرة متصاعدة، رغم صدور المرسوم الرئاسي المعدل للمادة 98 من
قانون العقوبات رقم 12 لسنة 1960. والذي تم
بموجبه اعتبار هذا النوع من القتل جرائم قتل لا تستوجب أي تخفيف للعقوبة.
وفي الأردن وحسب
جمعية "تضامن"، فقد وقعت 18 جريمة قتل خلال عشرة أشهر من السنة الحالية
2015. وفي العراق أعلن "مركز الحقوق المدنية الدولي"، أنه وثق مقتل 14
ألف امرأة خلال الـ12 عاما الماضية في العراق، نتيجة العنف القائم على نوع الجنس. أما
في تركيا فقد أعلنت جمعية "سنوقف الجرائم ضد النساء" أن 45 امرأة قتلن
خلال شهرين فقط معظمهن في أسطنبول. المقال لا يتسع لمزيد من الإحصاءات، ولكن في أغلب الحالات يكون الجاني
الأب أو الزوج أو الأخ .. والحجة نفسها: شرف العيلة، والنتيجة: عقوبة مخففة.
وطبعا، فلسطين
لا تختلف كثيرا عن أي دولة أخرى من هذه الناحية؛ ففي كل المجتمعات التي لا تحترم
المرأة، وتنظر لها نظرة دونية، ولا تتعامل معها كإنسان كامل، سنجد حالات عنف من كل
الأنواع، تُمارَس ضد النساء بكل قسوة، (وهذه الظاهرة موجودة حتى في المجتمعات
المتقدمة)، ولكن في فلسطين يُضاف أيضا العنف الموجه من قِبل الاحتلال ضد المرأة
والرجل على حد سواء، وتلك مواضيع مهمة وتحتاج لمقالات أو دراسات أكثر تفصيلا.
الموضوع خطير
وحساس، وإن عُبِّر عنه بأرقام وإحصاءات مجردة؛ إلا أنه في نفس الوقت عبارة عن قصص
حقيقية لنساء وفتيات تعرضن (وما زلن يتعرضن) لكل أشكال المهانة والإساءة، قصص تنبض
بالمعاناة والألم والدماء، وتفيض بالدموع والحسرات، وسواء كانت أرقاما أم حكايات؛
فإنها لا تعكس إلا جزءاً بسيطا من حجم المأساة الحقيقية، أي بالقدر الذي تسنَّ لنا
الإطلاع عليه، في حين هنالك قصص مروعة لعذابات تقاسيها نساء مستضعفات خلف الجدران،
لا نعلم بها، وصرخات لنساء مظلومات لا يسمع أنينهن أحد .. فضلا عن اللواتي قضين
ظلما، وبتهمة مفترية ..
وطالما ظلت
نظرة المجتمع للمرأة على هذا النحو السلبي، وطالما أن القوانين المعمول بها قاصرة،
ومنحازة للرجل، ستظل النساء في مجتمعاتنا الجبهة المستضعفة، التي يوجه لها الذكور لكماتهم
نحوها كلما أرادوا الهروب من واقعهم المرير، أو أرادوا تسجيل انتصارات سهلة، تعوض
جزءأ من هزائمهم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق