في أماكن كثيرة من العالم، وفي أزمنة
سابقة من تاريخ الإنسانية المعروف وقعت كوارث فظيعة، وحدثت أزمات خطيرة، ونشبت
حروب مدمرة, كانت في كل مرة تودي بحياة الكثيرين، وتخلف ورائها دمارا وتخريبا
شديدين، لكن من بعدها سرعان ما كانت الحياة تستعيد إيقاعها المنتظم وتسترد عافيتها.
وحتى لو عنت تلك الحروب والكوارث "نهاية
العالم" بالنسبة لمن كانوا ضحاياها المباشرين، حيث أنها إما قتلتهم فعليا، أو
أنها قتلت أقرباءهم وخربت محيطهم الاجتماعي ودمرت أحلامهم وممتلكاتهم ... إلا أن
العالم فعليا لم ينهار، والحياة بمفهومها الأوسع لم تتوقف، بل ربما انتقلت خطوة
للأمام.
ولكن، ماذا لو تفاقمت تلك الأزمات بشكل
أخطر ؟! وماذا لو نشبت حروب جديدة أكثر تدميرا ؟! وماذا لو كانت كل كوارث العالم
وصراعاته (القديمة والحالية) مجرد مزحة مقارنة مع ما هو مخبأ لبني البشر في مقبل
الأيام ؟!! والسؤال قبل ذلك، ما هي المخاطر التي تهدد بفناء العالم، أو تضعه على
حافة الانهيار ؟! وما الذي سيوقفها ؟؟
في مجال الكوارث الطبيعية، ثمة أخطار
حقيقية تضع مستقبل الأرض وسكانها على المحك، وهي باختصار شديد: الاحتباس الحراري،
وتفاقم ثقب الأوزون، والجفاف وندرة المياه، وتقلص المساحات الزراعية، بالإضافة
للآفات الزراعية التي ستؤدي إلى المجاعات، فضلا عن الجائحات والأوبئة المعروفة (أو
فيروس مجهول حاليا) والتي قد ينجم عنها موت الملايين، وأيضا وقوع سلسلة كوارث
متلاحقة مثل الزلازل والأعاصير والبراكين والفيضانات متأثرة وناجمة عن تغييرات
مناخية جذرية، أو بسبب حركة الأرض، أو اصطدامها بنيزك ...
وهذه الكوارث منها ما هو ناجم عن فعل
الإنسان وتعدياته على نظام الطبيعة وتلويثه للبيئة .. ومنها ما لا دخل للإنسان
فيها، ولا قِبَل له بها. وخطورة تلك الكوارث لا تكمن فقط في وقوعها، بل وأيضا في
سلوك الإنسان أثناء وبعد وقوعها، أي بسبب الخوف الجماعي الذي يحوّل الإنسان إلى
كائن غرائزي متوحش ومتحرر من كل القيم الإنسانية.
أما في مجال ما هو غير طبيعي، أي المجالات
الأخرى التي يتحمل الإنسان كامل المسؤولية عنها، فهناك من المخاطر التي تتربص بنا
جميعا، ما يكفي بالفعل لدفع الإنسانية برمتها نحو هاوية سحيقة، لن يكون بمقدور أحد
الخروج منها أبدا .. وأهمها وأخطرها على الإطلاق الحروب ..
لكن الحروب لا تنشب فجأة، لا بد أن يسبقها
مقدمات تمهد لها، وتلك المقدمات هي المخاطر الحقيقية التي ستقود إلى نهاية العالم
المفجعة. فما هي تلك المقدمات ؟!
ربما يكون الانفجار السكاني هو الدفيئة التي ستنمو فيها أسباب وعوامل
الصراعات، فإذا تجاوزت البشرية عتبة المليار الأول عند دخولها القرن العشرين،
فإنها تجاوزت عتبة المليار السابع في مستهل العقد الثاني من القرن الحادي
والعشرين، وربما تنهي القرن بتخطيها عتبة المليار الخامس عشر .. وهذه المليارات من
البشر ستضيق بهم الأرض شيئا فشيئا، وليس هناك ما يبشر بأنهم سيتعايشون معا بأمن
وسلام، سيّما وأنهم اعتادوا على الحروب والتدمير، وصار بين أيديهم قنابل نووية.
ولكن، قبل أن نرنو بنظرنا بعيدا نحو القرن القادم، لو فكرنا ولو قليلا فيما
سيحصل في العقود القليلة القادمة، ومهما كنا متفائلين سنجد أن البطالة مثلاً
لوحدها كافية لإشعال حرب عالمية ستفوق بقوتها الحرب العالمية الثانية بأضعاف. بعد
عقدين فقط سيكون العالم العربي لوحده مطالب بتوفير خمسين مليون فرصة عمل، وهذا
يعني أننا ربما سنكون في مواجهة خمسين مليون متعطل عن العمل، وهؤلاء هم الذخيرة
الجماهيرية التي ستختار منها التنظيمات المتطرفة منتخباتها من الانتحاريين، الذين
سيخوضون فيما بينهم منافسات شديدة في التخريب والقتل، ستكون الأسواق والأماكن
العامة ميادينها المفضلة، وما نراه في سورية والعراق وأفغانستان اليوم سيكون مجرد
لعبة مقارنة ببطولات المستقبل الانتحارية التفجيرية !!
البطالة أيضا، وسوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية ستقود ملايين الناس ممن
فقدوا فرص الحياة في بلدانهم للهجرة نحو الشمال، تحديدا إلى أوروبا وكندا
والولايات المتحدة، وستكون تلك الدول أمام امتحان عسير للحد من الهجرة (سترسب فيه
على الأكثر) وستضطر لاتخاذ إجراءات وخيارات صعبة وغير إنسانية، وتتناقض كليا مع كل
ما يتغنون به من قيم وشعارات ..
وإذا تجاوزنا مشكلة البطالة، سنكون أمام معضلة الأمن الغذائي، وأزمة شح
المياه وندرتها، وكذلك نفاذ خزانات الوقود الأحفوري، ما يعني أن أزمات المياه والغذاء
والطاقة ستكون سببا لإشعال أخطر صراعات
المستقبل. وإذا كانت التكنولوجيا هي إنجاز البشرية الأثير والأهم، فإنها ستكون
أداة القتل والدمار الشامل، لأن أسلحة المستقبل ستكون أشد فتكا، وحينها سيكون
العالم بلا رحمة، ولا مكان فيه للضعفاء، حتى لو كانوا هم الأغلبية الساحقة.
قد يظن البعض أن هذا الطرح ينطوي على قدر من المبالغة والتهويل والتشاؤم
.. لكن لو عدنا بالزمن لعقدٍ واحد فقط، وتأملنا المستقبل القريب جدا، لن يصدق أحد
حينها أن دول عريقة مثل العراق وسوريا ستشهد أسواقا علنية لبيع النساء والأطفال،
وأننا سنعود لزمن الغنائم والسبايا ودفع الجزية، وأن مشهد حز الرقاب وقطع الرؤوس
سيغدوا مشهدا عاديا مألوفا !!! وهذا سيقودنا إلى تصور المشهد العام المرعب بعد زمن
قريب، فلربما نشهد ميلاد عشرات الدواعش في كافة أنحاء العالم، حتى في قلب أوروبا
!! فالتطرف والإرهاب والتعصب المذهبي والطائفي ليست سمات خاصة بالمشرق أو بالعالم
الإسلامي كما تروج الدعاية الغربية، بل هي سمات بشرية تظهر كلما تخلى الإنسان عن
إنسانيته وصار حيوانا تسيره غرائزه وشهواته ومخاوفه، بدون قيم ومحددات أخلاقية.
فعلى سبيل المثال في تموز 2011 أقدم متطرف نرويجي على تفجير قنبلة في
مبنى حكومي، وإطلاق النار على مئات الشبان في معسكر لشبيبة حزب العمال الحاكم في إحدى
الجزر القريبة من "أوسلو" أدت إلى مقتل أكثر من 90 إنسان، واتضح أن منفذ
المذبحة من اليمين المسيحي المتطرف، وقد أقدم على جريمته بسبب التعصب الديني
وتنامي مشاعر العنصرية.
وقبلها في العام 1978، قام نحو 900 شخص في أمريكا بالانتحار الجماعي في
مزرعة "جونز تاون" التي كانت مركزا لطائفة دينية غريبة الأطوار عرفت
باسم "كنيسة الشّعب"، وقد انتحروا جميعا بعد أن قتلوا أطفالهم، مخلفين
وراءهم بساطا من الجثث. والسبب طبعا معتقدات دينية متطرفة تمسكوا بها بشكل هستيري.
وفي اليابان، في العام 1995 ألقى أتباع طائفة دينية متطرفة قنبلة غاز في
مترو القطارات في وسط طوكيو، نجم عنها
مقتل 62 شخص وأصابة 1500 آخرين بالتسمم، والسبب أيضا معتقدات دينية متطرفة.
وهذه مجرد أمثلة، من العصر الحديث، تعطينا فكرة بسيطة عما يمكن حصوله
فيما لو استفاق مارد التطرف القومي والطائفي في العالم، ونهضت الثارات التاريخية
من سباتها، وعادت الحروب الدينية، وبدأت صراعات المتطرفين فيما بينهم، من كافة
الديانات، وماذا يمكن أن يحدث إذا اشتدت المنافسة بين الجماعات الإرهابية على
مستوى العالم !! أي باختصار، ماذا سيحصل عندما تنهار القيم الإنسانية، وتقف
البربريات في مواجهة بعضها !؟
قد يقول قائل، أن العالم الذي نعيشه الآن قائم على الصراعات والحروب
والإرهاب، وما المستقبل إلا امتدادا للحاضر .. لكن العالم حتى اللحظة ما زال فيه
بعض الضوابط والمحددات والقوانين والمعادلات التي تضع حداً "معقولا"
للحرب، وتحاصر الصراعات عند حدود معينة، وتجعل الحياة ممكنة بشكل ما .. وما زال
الناس متمسكون ببعض القيم الأخلاقية والأعراف الإنسانية .. ولكن، ماذا سيحصل إذا
انهارت هذه المحددات والضوابط، وإذا اضمحلت القيم والأخلاق، وصار العالم بأسره
مسرحا لحروب وثارات قبلية وطائفية وميدانا للقنابل البشرية الموقوتة ؟؟
من السهل على أصحاب النظريات
والأيديولوجيات الإدعاء بأن الحل الشامل هو باتباعهم والسير على هداهم .. لكن حتى
هذا الإدعاء بحد ذاته ربما يكون سببا آخر لنشوب الصراع بين أيديولوجيتين (أو أكثر) كل واحدة منها تدعي أنها صاحبة
النظرية الصحيحة التي ستنقذ العالم ..
صحيح إنه الله بستر وبلطف بعباده .. لكن
المطلوب حلول علمية وعملية .. "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق