في اليمن تجتمع ثلاث قوى محلية متناقضة على هدف مركزي
واحد، يتمثل في محاولة تفكيك وحدة اليمن، أو على أقل تقدير زجّه في خضم صراع دائم
واقتتال داخلي، حتى لو انتهى به المطاف أن يكون كالصومال على الضفة الأخرى من خليج
عدن.
قد لا يكون بين هذه القوى أي تنسيق سياسي أو عسكري،
ولكنها تضافرت معاً في مرحلة واحدة ضد الحكومة المركزية، لتمتزج على نحو مريب
تناقضات "الحوثيين" الطائفية في الشمال، مع موروثات شبه يسارية يمثلها
"الحراك الجنوبي" بخلفيته الماركسية في الجنوب، مع أيديولوجيات متطرفة
يحملها تنظيم «القاعدة» في الوسط، ما يؤكد على أن ما يجري في هذه المنطقة ليس قضية
داخلية تخص اليمن وحده.
الحوثيون المدعومون من قبل إيران، والقاعدة
بأيديولوجيتها المتشددة، لهما أجندات مختلفة، لكنهما جعلا من اليمن مجرد موقع
إستراتيجي يخوضان عليه حربيهما الإقليمية والكونية، وأهمية هذا الموقع في كونه على
حدود النفط في المملكة السعودية، وعلى مقربة من باب المندب، وبالتالي يسيطر على
طرق التجارة العالمية، بل ويمتد تأثيره إلى الخليج العربي ومضيق هرمز؛ حيث يمر
أكثر من ستين في المائة من صادرات نفط المنطقة إلى العالم.
ولا شك أن الحرب الدائرة بين الحكومة والحوثيين على
التخوم السعودية تشكل هاجساً مرعباً لدى الرياض، لأنها تأتي في سياق الصراع المعلن
مع إيران على الدور الإقليمي، ومحاولات إيران للتدخل في المنطقة وإيجاد موطئ قدم
لها في جنوب الجزيرة العربية، وما يثير قلق السعودية أيضا أن نسبه من سكان نجران
الحدودية ممن يسيطرون على التجارة والعقار لا يخفون هشاشة ولائهم للحكومة السعودية.
والتخوف الآخر من هذه الحرب هو دخولها منـزلق الطائفية،
خاصة وأن المجلس الشيعي الأعلى في العراق أعلن عن نية الحكومة العراقية لفتح مكتب
للحوثيين في مدينة النجف، مما يعني مساعدة لوجستية عراقية فاعلة للمعارضة الحوثية
المسلحة، وهي أيضا فرصة لتصفية بعض الثارات المؤجلة الكامنة في ذاكرة البعض
للانتقام من دعم اليمن نظام صدام حسين.
إيران لم تعد تخفي صلاتها بالحوثيين، ولم يعد سراً أن
القاعدة بعد أن وجدت ملاذا لها على أرض الصومال انتقلت لليمن، إذاً، وما يجري
فعليا هو محاولة لتكرار نموذج الصومال الميليشيوي والمتقاتل على الدوام، ونقله
لليمن، هو ما تعمل عليه الأطراف الخارجية والداخلية، ولكل طرف منهم أهدافه الخاصة؛
أي جعل اليمن دولة فاشلة، تمهيدا لتقسيمه إلى دويلات «إيرانية» في الشمال
و «قاعدية» في الوسط وانفصالية مختلطة في الجنوب.
في زمن الحرب الباردة، كانت منطقة القرن الإفريقي ساحة
صراع بين القوتين العظميين، يتم بين الحين والآخر تداول أنظمة الحكم فيها، كما جرى
في الانقلابات المتكررة في اليمنين وأثيوبيا والصومال، اليوم، تغيرت المعادلات
وتبدل اللاعبون، وتغيرت أصول اللعبة، وأصبح الأسلوب الجديد من خلال التحالف الخفي
(أو المعلن أحيانا) مع الميليشيات المتقاتلة في ما بينها، وهنا أهم هذه الميليشيات
تنظيم القاعدة، والحوثيين.
وسيطرة أي طرف على مضيف باب المندب ستعني قرصنة التجارة
العالمية، وإذا كانت القرصنة قد اقترنت مؤخرا بالصومال، فإن الصومال الجديد سيكون
هذه المرة هو اليمن، والقرصنة، في هذه الحالة لن تكون على شاكلة القرصنة الصومالية
التي تتم معالجتها بفدية مالية تدفع للقراصنة، وإنما قرصنة رسمية ذات هدف سياسي
واستراتيجي يتصل مباشرة بالنفوذ والدور وموازين القوى الجديدة، وإلزام دول العالم،
فضلاً عن دول المنطقة تحديداً، بالتعامل مباشرة مع الفاعل الرئيس الذي كان وراء
هذه العملية كلها. وعند الحديث عن الدور الإيراني في المنطقة، من السذاجه فصل ما
يحدث في اليمن مع ما حدث من قبلها في بغداد، وكذلك في لبنان وقطاع غزة.
والغريب أن البعض يحاول أن يلبس هذا الصراع لباس
القداسة، وأن يدعي أنها معركة الحق والباطل؛ فقد أوقع هذا الاقتتال الدائر بين
الحوثيين والقاعدة والحكومة آلاف القتلى، وكشفت عن هشاشة الشعارات الدينية التي
يرفعها أطراف الصراع؛ فالكل يردد صيحة الله أكبر مع كل قذيفة يطلقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق