صبيحة هذا اليوم كان
استثنائيا، درجة الحراة لا تتجاوز العشرين، الرياح شبه ساكنة، والشمس دافئة بعض
الشيء، ارتديت حذاء خفيفا، مع سماعتي "هيدفون" على أذنيّ، وخرجت أتمشى
في السهول الفسيحة .. إلى الشمال الغربي من "بيتونيا"، وعلى يمين الشارع
المؤدي إلى "عين عريك"، بالضبط عند اليافطة التي تعلن انتهاء المنطقة (أ)،
سلكتُ طريقا فرعيا لميل أو ميلين، إلى أن بدأت طريق ترابية وعرة لا تصلح إلا لسيارات
الدفع الرباعي، ولمسافة بضعة أميال إضافية حتى وصلتُ إلى مشارف "عين قينيا".
بفعل الأمطار الأخيرة؛ كانت
الأرض طرية، مكسوّة بحلةٍ خضراء من الأعشاب، تتناثر في جنباتها أشجار البلوط
والزعرور، وقد نمت في ظلالها أزهار الحنون والأقحوان والبابونج وعشرات الأزهار
البرية بألوانها المتدرجة، وفي الجو تفوح روائح الزعتر البري والميرمية، مع نسمة لطيفة
تهب من ناحية الغرب، كان المنظر رغم بساطته خلابا لدرجة لا تصدق، مشيتُ فاتحاً ذراعيَّ
للريح لأكثر من ساعتين، في الذهاب استمعتُ لأغنية عبد الحليم كاملة "نبتدي
منين الحكاية"، وفي الإياب غنّت ميادة "فاتت سنة"، ثم غنّت ماجدة
الرومي وعفاف راضي باقة من أجمل أغانيهما، امتلأتُ تماما بالموسيقى .. لم يكن في
الآفاق سواها، تتخللها بين فينة وأخرى زقزقة عصافير شاردة، ورفرفة أجنحة الحبارى
والحجل ..
وبينما أتمشى على مهل،
وأتلفّتُ يمنة ويسرة، حيث آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، خشيتُ أن يأتي زمن لا
نجد فيه طبيعة مثل هذه تمنحنا كل هذا الفرح؛ خشيتُ أن يبتلعها غول الإستيطان، كما
قضم عشرات المواقع الأخرى، وخشيت أن يهتدي إليها سائقو القلابات فيلقوا فيها أكوام
الطمم، وخشيت أن يكتشفها أصحاب الكسارات فينتهكوا عذريتها، وخشيتُ أن يستبدل
مستثمرٌ أشجارَها بغابات من الأسمنت، وخشيت أن يقضي صيادٌ على ما تبقى فيها من
ثعالب وغزلان وشنانير .. لا أدري إذا كانت أراض مملوكة أم أميرية ؟ لكنها مهملة.
مساحات فسيحة، جميلة،
واعدة، تحتاج أولاً أن نحبها مثل كل الأرض الفلسطينية، وأن نحميها من مخاطر
المصادرة أو الإستيطان، وأن نزرعها بالزيتون واللوز .. بالإمكان تحويلها إلى جنّة
غنّاء، أو متنزه طبيعي، كل ما تحتاجه شارع صغير، وقليل من الاهتمام ..
يا جماعة، والله فلسطين
حلوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق