يتجنب الكثير من المثقفين والكتّاب طرح
بعض الأسئلة الإشكالية، أو توجيه أي
انتقاد لفصائل المقاومة، حتى لا يُغضب أحد؛ خاصة وأن الظرف والمرحلة لا
تحتملان إثارة الأسئلة التي لا يرغب أحد بطرحها، أو كل الوضوح في الإجابة عليها؛
ففي زمن الحرب تسود الموجة العاطفية، وتأخذ في طريقها كل كلام العقل والمنطق. ومع
ذلك لابد من النقد؛ فالنقد أساس التصويب والمراجعة، وهو جوهر العمل الثوري، ومن
دون النقد سنظل ممعنين في أخطائنا وخطايانا.
يعطي جيش الاحتلال مهلة دقائق معدودة لبعض البيوت قبل قصفها،
لاستخدامها حجة أمام المحكمة الدولية، فيما لو واجهتها. أما حماس فقد أنذرت تل
أبيب ساعات قبل قصفها، والهدف من وراء الإعلان المسبق هو خلق صورة بديلة، والحصول
على نصيبها من عناوين الصحف، وتصعيد الحرب النفسية. لكن إسرائيل ردت عليها بمذبحة.
حفرت فصائل المقاومة شبكة أنفاق ضخمة تحت مدن القطاع، وعلى
حدوده (لأغراض المقاومة)، وبذلت من أجل ذلك جهودا جبارة، ولكنها لم تحفر ملجئاً
واحدا يقي المدنيين من هول القصف .. إنه إغفال لقيمة الحياة ..
في اليوم الأول من العدوان، تسلل أربعة مجاهدين أبطال من كتائب
القسام، وخرجوا من عمق البحر بأسلحتهم الرشاشة، في محاولة لاقتحام قاعدة "زيكيم"
العسكرية بالقرب من عسقلان، إلا أنهم استشهدوا على الفور، وقبل وصولهم للمعسكر ..
والسؤال المؤلم هنا: كيف تم التخطيط لهذه العملية !؟ فالمسافة بين البحر والمعسكر
مسافة كبيرة ومفتوحة ومكشوفة تماماً، وبالتأكيد لدى الجنود الإسرائيليين نواظير
وأبراج مراقبة، ما يعني أن العملية من الناحية الفنية هي عملية انتحارية بدون خطة
هجوم ولا خطة انسحاب !! فهل الهدف منها دعائي محض، حتى لو كان الثمن أرواح أربعة
شبان بعمر الورود ؟ أم أن نتيجة العملية تستحق هذه التضحية ؟!
وفي اليوم الثاني من العدوان، وجّه جيشُ الاحتلال رسالة تحذير
لأحد البيوت أنه سيتم قصفه، فما كان من بعض قيادات حماس إلا أن طلبت من السكان
المدنيين اعتلاء سطح البيت، وتشكيل درع بشري لحمايته من القصف .. وللأسف الشديد تم
قصفه واستشهد الجميع .. والسؤال المؤلم هنا: هل كان من طلبَ من الناس اعتلاء سطح
المنزل يراهن على "إنسانية" الطيار الإسرائيلي، وأنه بمجرد رؤيته
للمدنيين سيرتدع ؟! أم أنه كان يدرك أن هذا الجيش لئيم ومجرم ولا يتورع عن قصف
المدنيين ؟ مجرد سؤال .. قد يعطينا فكرة عن قيمة الإنسان في ثقافتنا ..
البعض منا غير قادر على التمييز بين الخصم السياسي
والعدو الاستراتيجي، وبين التناقض الثانوي والتناقض المركزي، ولا يدرك أنه في حالة
المواجهة مع العدو الرئيس يجب تنحية التناقضات والخلافات الداخلية، وخصوصا أن جيش
الاحتلال لا يفرق بين فصيل وآخر، ولا يستثني أحدا في عدوانه الإجرامي على شعبنا في
الضفة أو في القطاع.
معاناة المدنيين، ودماء الشهداء في فلسطين، وخاصة الأطفال منهم، الذين لم ينتموا لأي فصيل أو حزب كفيلة بتوحيدنا جميعا، ومن العار توظيفها في المناكفات الحزبية، وتصيّد الأخطاء، ونشر الفيديوهات المفبركة، والتصريحات المجتزأة، والكلام غير المسؤول، والتسابق على تسجيل النقاط، والنيل من الخصوم، وتصفية الحسابات القديمة ... فلنرتق بخطابنا، فعدونا واحد، وواضح. فمن كان لديه كلمة خير تدعو للوحدة والصمود فليقلها، أو ليصمت.
معاناة المدنيين، ودماء الشهداء في فلسطين، وخاصة الأطفال منهم، الذين لم ينتموا لأي فصيل أو حزب كفيلة بتوحيدنا جميعا، ومن العار توظيفها في المناكفات الحزبية، وتصيّد الأخطاء، ونشر الفيديوهات المفبركة، والتصريحات المجتزأة، والكلام غير المسؤول، والتسابق على تسجيل النقاط، والنيل من الخصوم، وتصفية الحسابات القديمة ... فلنرتق بخطابنا، فعدونا واحد، وواضح. فمن كان لديه كلمة خير تدعو للوحدة والصمود فليقلها، أو ليصمت.
الجبهة الإعلامية هي الجبهة المساندة للجبهة العسكرية، ولا تقل
أهمية عنها، لكن الخطاب الإعلامي الفلسطيني وللأسف، خطاب انفعالي ومتناقض؛ فمن جهة
يسعى البعض لإظهار صورة الفلسطيني البطل المقتدر المتفوق، الذي لديه طائرات بلا
طيار، ويمطر المدن الإسرائيلية بمئات الصواريخ بعيدة المدى، ويجبر سكان إسرائيل
على المبيت في الملاجئ، في حالة من الرعب والارتباك .. ومن جهة ثانية يسعى البعض
لإبراز صورة الفلسطيني الضحية، المقهور، المغلوب على أمره، الذي يتلقى الضربات ..
لماذا لا يكون لدينا خطاب متوازن عقلاني، يركز على جرائم الاحتلال، وقصفه
للمدنيين، وقتله للأطفال، بطريقة مهنية حضارية يفهمها الآخرون، لفضح صورة إسرائيل
في العالم ؟!
فضائية "الأقصى" تتغنّى بصوايخ القسام فقط، وفضائية
"فلسطين اليوم" تتغنى بسرايا الجهاد فقط .. وفي حقيقة الأمر، كل الكتائب
المسلحة بلا استثناء توحدت على أرض المعركة، واشتركت في صد العدوان، وإطلاق
الصواريخ (كتائب القسام، كتائب شهداء الأقصى، سرايا الجهاد، كتائب أبو علي مصطفى
... ) فلماذا لا يتجاوز إعلامنا الحربي عقلية الفصيل، والتفكير الفئوي، ليغدو
منبرا للوحدة والتوحد ورص الصفوف ؟
فضائية "فلسطين" تأخرت في اليوم الأول من العدوان عن
مواكبة الأحداث، وهي وإن حسّنت من أدائها بعد ذلك، إلا أنها لا تزال تتعمد تجاهل
بعض الأحداث، أو تغفل عنها بدون قصد، لكنها شأن بقية الفضائيات الفلسطينية تقدم
خطابا مؤدجلا، وموجها، وانتقائيا، ولم ترتق للمهنية الإعلامية المطلوبة .. ومع ذلك
تحية لكل الإعلاميين الفلسطينيين الذين يغامرون بحياتهم لنقل الحقيقة.
يقوم البعض بنشر صور لشهداء تقطعت أطرافهم، أو تشوهت أجسادهم ..
وسنفترض أن هذا العمل بحسن نية، بهدف فضح جرائم الاحتلال، ولكن نشر تلك الصور قد
يجرح مشاعر ذوي الشهيد، وينكأ جراحهم، والأخطر من ذلك، أنها مع الوقت، وبسبب
كثرتها، واعتياد الناس على مشاهدتها، ستصبح مناظر عادية، وستؤدي إلى تبلد المشاعر
وعدم الاكتراث بها، أي أنها ستخفف من وطأة جرائم القتل على أذهاننا ووجداننا،
تمهيدا للقبول بها. علما بأن أهم الصور التي التقطت في مناطق الصراع في العالم،
والتي أحدثت تغييرا كبيرا في الرأي العام العالمي، والتي هزت ضمائر الناس .. لم تكن
صور أشلاء ودماء .. بل كانت صورا تجسد معاناة الإنسان، وتعكس بشاعة الحرب ..
الاعتداء على وزير الصحة الفلسطيني عند معبر رفح، لم يكن عفويا،
بل كان مبرمجا، حيث قام بعض الأشخاص ممن لم تعجبه اتفاقية المصالحة، بطباعة بوستر
للوزير، وكتابة الشعارات المناوئة، وتحريض مجموعة من الصبية لقذفه بالحجارة والبيض
وإهانته بشكل متعمد، علما بأن الوزير كان قد أمضى كل وقته في عدوان 2012 في مستشفى
الشفاء، ولم يدخر جهدا لمساعدة أهله، وقد عاد مباشرة من أمريكا بعد أن حضر مؤتمرا
طبيا عالميا، استطاع من خلاله تجنيد 40 مليون دولار مساعدات طبية لمشافي غزة، وهو
قبل ذلك هو مرشح حماس في حكومة التوافق ..
فهل إهانته بهذه الطريقة المدانة تأتي في سياق محاولات أشخاص معينين من
حماس للعودة إلى زمن الانقسام، وقطع الطريق على أي قيادي في رام الله يفكر بالوصول
إلى غزة !؟ سيما وأن بعض الناطقين الإعلاميين لحماس ما زالوا على نفس النهج السابق،
يقدمون خطابا تحريضيا لا يجوز ممارسته في وقت المعركة، التي تتطلب التوحد وتضافر
الجهود.
أما على الصعيد العربي والإسلامي فسنبدأ بمصر؛ حيث كان الدور
المصري في هذه الحرب ضعيفاً، ولا يليق بمكانة مصر التاريخية، ولومنا وعتبنا هنا
ليس على القيادة المصرية؛ بقدر ما هو على الإعلام المصري، الذي لعب دورا تحريضيا
ضد حماس بدايةً، ثم ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، والمفاجأة الصادمة هي ردة فعل
الجمهور المصري التي اتسمت بالبرود والسلبية، وحتى أنصار الإخوان المسلمين، الذين
سيّروا مئات المظاهرات المناهضة للسيسي، لم يخرجوا بمسيرة واحدة لنصرة غزة .. وإذا
ما استمرت الصورة على هذا النحو فإنها خسارة كبرى للقضية الفلسطينية.
تستغل بعض الأوساط الإعلامية سخونة الحدث في قطاع غزة، لتوظيفه
في الصراع الدائر بين الإخوان والدولة المصرية، فتركز سهامها على
"السيسي" وما تسميه "حكومة الانقلاب"، في محاولة منها الثأر ممن
حرضوا ضد حماس، وضد الإخوان .. ومن غير اللائق استغلال الدم الفلسطيني في
المناكفات السياسية والحزبية. كما هو معيب ومخجل ما تقوم به بعض الأبواق المصرية
ضد حماس، وضد الشعب الفلسطيني ..
ما يسمى باتحاد علماء المسلمين (قطر)،
أصدر عشرات الفتاوى للجهاد في سورية وغيرها، وضرورة تمويل وتسليح المنظمات
"الجهادية" هناك، بل وطلب حلف الناتو للمساعدة .. لكنه لم يصدر دعوة واحدة
تحث "المجاهدين" للتوجه إلى فلسطين، أو لإرسال السلاح والدعم لها.
حزب الله، احتل بيروت وعطل الحياة
الدستورية في لبنان بحجة "محور المقاومة"، ولم يتوانى لحظة عن نصرة
النظام السوري بحجة "محور المقاومة"، حتى أنه أبدى استعدادا لمقاتلة
"داعش" في العراق .. لكنه صمت تماما إزاء المحرقة التي ينفذها الجيش
الإسرائيلي في غزة .. وعلى ما يبدو أن محور المقاومة على المقاس الإيراني فقط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق