أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 13، 2019

المسيح المخلص، والمهدي المنتظر



ظهور المسيح في آخر الزمان، أو الميسيا، أو المرجع، أو الغائب، أو المهدي، وسائر هذه الأسماء تعود إلى ذلك النبيّ الذي ينتظره المؤمنون منذ زمن بعيد، ولكن، كلاً منهم ينتظره لهدف مختلف.. المؤمنون عامة ينتظرونه ليخلصهم من شقائهم وعذاباتهم، وليملأ الأرض عدلا ورحمة، بعد أن امتلأت ظلما وجورا..
اليهود، لأنهم لا يعترفون بالمسيح، ما زالوا ينتظرون مسيحا آخر، تحدثت عنه التوراة! بعض المسيحيين يعتقدون أن المسيح سيعود مجدداً (قبل الدينونة) فيؤمن به اليهود وينضمون للمسيحيين لخوض معركة نهائية ضد الكفار! بعض المسلمين يؤمنون بظهور المسيح قبل قيام الساعة، ليقتل المسيح الدجال.. وبعضهم ينتظر عودة الإمام المهدي..
فمن أين أتت هذه الفكرة؟ وما هي جذورها التاريخية والدينية؟

كلمة "المسيح" مأخوذة في الأصل من الكلمة العبرية "مشياخ"، وتعني الشخص الممسوح بالزيت المبارك. أما "المسيانية"، فتعني الفكر الخلاصي.. وغالبا ما توجه كلمة مسياني كتهمة، أو كإحدى التصنيفات التي تشير إلى الفرق بين الخطاب الإسرائيلي الليبرالي، الحداثي، البراغماتي.. وبين الخطاب الإسرائيلي غير العقلاني، الديني، المتطرف، الأصولي، الراديكالي..

في فترة وقوع فلسطين تحت الحكم الروماني، كان اليهود ينتظرون قدوم المخلص.. وقد ظهر حينها سبعة أشخاص، زعم كل واحد منهم أنه المسيح.. أحدهم كان السيد المسيح "يسوع الناصري"..

كان اليهود ينتظرون من يخلصهم من ظلم الرومان، فلما ظهر "يسوع" في هيئة قديس، لا في هيئة ملِك، وسعى لتخليصهم روحيًّا مِن شُرورهم، بدلا من سعيه لإعادة سلطانهم الدُّنيوي، أنكروه واضطهدوه، وحرضوا عليه الحاكم الروماني..

بعد المسيح، انفصلت المسيحية عن اليهودية، لكن اليهود، وحتى الآن ما زالوا يَنتظِرون مسيحهم، الذي في معتقدهم "سيأتي في هيئة ملك، مِن نَسلِ داود، يُخلِّصهم مِن الاستعباد والتشتُّت؛ وحين يأتي ستَطرح الأرض فطيرًا وملابس من الصوف، وقمحًا حَبُّه بحجم كلاوي الثيران الكبيرة، وفي ذلك الزمن ستَرجِع السلطة لليهود، وستخضع كل الأمم لخدمتهم، وفي ذلك الوقت سيكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه وثلاثمائة وعشرة تحت سلطته، لكن المسيح لن يأتي إلا بعد انقِضاء حكم الخارجين عن دين بني إسرائيل".

من بين اليهود طائفة تؤمن بأن المخلص سوف يظهَر بعد أن تَمتلئ الأرض جورًا وحروبًا وظلما، فيُخلِّص الناس مِن آثامهم، ويستأصل جميع الأديان، ما عدا اليهودية، ويحل كل الحكومات، ما عدا مملكة يهوذا، وسيقتل النصارى والمسلمين في حرب طاحنة بين الخير والشرّ، وهي ما تُعرف بمعركة نهاية التّاريخ، أو "هرمجدون"، ويُـخضِع الناس أجمعين لدولة إسرائيل، فيصبح اليهود بذلك سادة العالم.. وعندها يَستريح ربُّ الأرباب، ويعمُّ العالم السلام..

وكما يقول التلمود: "يَنتهي بذلك بكاء الرب، وندمه على تفريطه في حق شعبه المختار، فتُمطِر السماء فطيرًا وملابس مخيطة، وهذه هي الدينونة الكبرى، ولا دينونة بعدها"؛ فالقيامة عند اليهود هي قيام مملكة يهوذا، والبعث هو بعثها مِن رُقادها، والجنة هي التمتُّع برؤية رايتها مرفوعة، ورؤية أعدائها مهزومين، والنار لأعدائها من جميع شعوب الأرض، انتقاما منهم؛ لأنهم تسبَّبوا في شتات بني إسرائيل واضطهادهم.

طائفة أخرى تؤمن بأن اليهود ليسو خيرة البشر، ولا هم أفضل الشعوب، ولا صفوة الخَلقِ؛ بل هم ولفترات تاريخية طويلة لم يكونوا في نفس المكانة التي يَنعم بها الآخرون، وإنما كانوا مضطهدين، وهدفًا للبلايا والنكبات، عقابا لهم على ذنوبهم.. ومِن هنا اتَّجهوا للبحث عن مُخلِّص ومنقذ، ينتشلهم من هذا الهوان، ويضعهم في مكانة آدمية أرقى.. أطلقوا على هذا المُخلِّص "المسيح المنتظر"، ووصفوه بأنه رسول السماء.

الأرثوذوكسية اليهودية، والتي لم يزل أمينا على أفكارها الأولى سوى "ناطوري كارتا"، تؤمن بأن المسيح لن يعود إلا إذا كان اليهود مضطَّهدين، ومشتتين، وضعاف.. حينها يعود لتخليصهم من خوفهم ومن بؤسهم، ويملأ الأرض بهم عدلا، بعد أن امتلأت جورا.. لذلك، تعارض الحركة قيام إسرائيل بشدة، وتعتبر وجودها إعاقة لعودة المسيح..

مع البدايات الأولى للحركة الصهيونية، وقفت الأرثوذوكسية اليهودية في مواجهة الحركة الصهيونية وقاطعتها واتهمتها بالكفر والإلحاد وبتدمير اليهودية كدين. وقد هاجم المتدينون اليهود الصهيونية منذ البداية، وبشدة، لسببين: الأول، لأن الصهيونية من وجهة نظرهم ستكون إحلال للفكرة القومية بدلا من التدين، فالصهيونية هنا ستشجع اليهود على التخلي عن دينهم. ولن يعود التوراة عامل توحيد للشعب اليهودي. وقد رأى الحاخامات (اللاصهيونيين) أن خلاص اليهود يتمثل بالإخلاص للديانة اليهودية وانتظار المسيح.. أي أن خلاص اليهود يتمثل بعودة المسيا..

السبب الثاني اعتبار الحركة الصهيونية "مسيانية كاذبة"، تحاول تعجيل الخلاص اليهودي بوسائل دنيوية، فالخلاص من وجهة نظر أرثوذوكسية لا يتم إلا بقدوم المسيا، وهي عملية ربانية، وليست بشرية، والصهيونية هنا ستكون تدخل في شؤون الرب. وقد ظل هذا موقف التيارات اليهودية اللاصهيونية، إلى أن بدأت تتخلى عنه تدريجيا، أو تفهمه بطرق براغماتية مختلفة، وبقيت "ناتوري كارتا" وحدها متمسكة بهذا المبدأ.. (عزمي بشارة، دوامة الدين والدولة في إسرائيل).

وخلافا للأرثوذوكسية، سعت الصهيونية الدينية لأن تصدّر مشروعها الديني إلى‏ عالم السياسة، من خلال تفسير التاريخ والأحداث السياسة من منظور ديني. أي بفهم تاريخ الحركة الصهيونية وانجازاتها ليس باعتبارها عملاً إلحادياً وتدخلاً في الشؤون الإلهية، إنما باعتبارها فصلاً من فصول الخلاص الديني. من هذا المنظور، فإن القادة الصهاينة على الرغم من نواياهم الإلحادية وغير الدينية، إلا أنهم بنشاطهم إنما ينفذون مهمة دينية إلهية من دون أن يدروا. وبالتالي فهم ليسوا بالأشرار، والإرادة الإلهية تستعملهم كي تحقق مشروعها المقدس. (رائف زريق، قضايا إسرائيلية).

أما العلمانيون الصهيونيون، فيعتبرون الصهيونية حركة ثورية لأنها انقلبت على اليهودية وعلى رجال الدين. والخلاص من وجهة نظرهم أنهم صنعوا مصيرهم بأيديهم، وأخرجوا اليهود من الغيتو إلى الدولة، وبالتالي فإن الخلاص لم يأتِ من الابتهال لله، إنما من العمل السياسي الجماعي القومي.

في مقالة قادمة سنناقش فكرة المخلص في المسيحية (خاصة لدى البروتستانتية، والمسيحية الصهيونية)، وفكرة المهدي المنتظر في الإسلام..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق