أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 21، 2018

وضع إسرائيل اليوم



قبل نحو عشر سنوات، كانت إسرائيل تمر في واحدة من أسوأ مراحلها التاريخية، حيث كانت تتعرض لسلسلة انتقادات دولية متزايدة، تحولت بعضها إلى حملات قانونية وإعلامية وشعبية؛ أثرت بشكل واضح على الرأي العام العالمي، حتى صارت مهددة بالعزلة والعقوبات، وقد أجمع كبار المعلقين الإسرائيليين حينها على تدهور مكانة إسرائيل الدولية بشكل غير مسبوق، ونقلت صحيفة "هآرتس" (مايو 2010) تصريحات لِ"ايهود باراك"، اعترف خلالها بأن "إسرائيل اليوم أمام خطر تراجع مكانتها الدولية"، وجاءت تصريحاته بعد أن أدرجت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مناقشة القدرات النووية الإسرائيلية في مسودة جدول أعمال مجلس إدارتها، وذلك في سابقة من نوعها في عمر الوكالة.

وقد برزت حينها العديد من المؤشرات التي أكدت أن إسرائيل لم تعد تتمتع بتلك السمعة التي حظيت بها لسنوات طويلة، من حيث كونها الدولة المستضعفة المحاطة بالأعداء، فقد صدر تقرير "غولدستون" الذي أدان إسرائيل، وتناقل الإعلام أخبارا عن ملاحقة لضباط ومسؤولين إسرائيليين في أنحاء أوروبا، كما حدث لِ"تسيني لفني" في ديسمبر 2009 من خلال محاولة إيقافها في لندن على خلفية دعوى قضائية مرفوعة ضدها بسبب مشاركتها في الحرب على غزة، وأيضاً نشطت آنذاك حملة المقاطعة الأكاديمية ضد الجامعات الإسرائيلية، التي أثرت على علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، وحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في العديد من دول العالم، فضلا عن العديد من الانتقادات التي وجهتها حكومات ومنظمات غير حكومية أوروبية بسبب سياساتها الاستيطانية، فقد أشار بيان المفوضية الأوروبية (أغسطس 2009) بأن "المستوطنات اليهودية في المناطق المحتلة تشل الاقتصاد الفلسطيني على حساب دافعي الضرائب الأوروبيين". وكرر البيان رأي أوروبا بأن "المستوطنات ليست قانونية، وأنها تسهم في خنق الاقتصاد الفلسطيني".

ولم تقتصر مظاهر الاستياء والانتقاد على الرأي العام الغربي؛ إذ امتدت إلى انتقادات موجهة لإسرائيل من قبل الأوساط اليهودية نفسها، حيث ظهر لوبي يهودي جديد في أمريكا (جي. ستريت)، يرفض الانحياز الكلي لإسرائيل، الذي يعبر عنها عادة اللوبي اليهودي التقليدي (إيباك)، وظهر قرين أوروبي له، يحمل ذات التوجهات هو (جي. كول)، وهذه اللوبيات اليهودية الجديدة تطالب بإنقاذ إسرائيل من نفسها ومن سياساتها المتشددة".

وفي استطلاع للرأي نظمته المفوضية الأوروبية، (نوفمبر 2003) في دول الاتحاد الأوروبي حول قائمة الدول المصنفة خطرا يتهدد السلام العالمي؛ تبيّن أن 59%  ممن المستَطلعين يعتبرون إسرائيل خطرا على السلام العالمي، بشكل أكبر مما تشكله إيران وكوريا الشمالية وأفغانستان. ومما ساهم في ظهور هذا التحول النوعي في الرأي العام الغربي إزاء إسرائيل، انتهاكاتها بحق الفلسطينيين، وقد عمّق هذا التحول سياسة حكومة "نتنياهو" اليمينية المتشددة إزاء المفاوضات والاستيطان.

هذا العام، وفي كلمة استعراضية تفاخر "نتنياهو" بمكانة إسرائيل الجديدة، واصفا إياها بأنها تقود العالم؛ حيث استعرض قوة جيشه "الأسطورية"، وبيّن دور إسرائيل في محاربة "الإرهاب"، ومواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، ثم استعرض قدرات إسرائيل في مجالات المعرفة، والتكنولوجيا، والابتكار، وريادة الأعمال، والتخطيط، والزراعة، وتدوير النفايات، والاستثمار في أكبر وأهم الشركات التكنولوجية في العالم (غوغل، أبل، أمازون، فيسبوك…)، وامتلاكها لمراكز أبحاث متطورة. وأن إسرائيل تسعى إلى تسخير مقدراتها في سبيل إنقاذ الملايين في إفريقيا من العطش، والملايين في الهند من الجوع، بل إنها تُغيّر العالم وتقوده بالعلم والتكنولوجيا..

تكلم "نتياهو" بكل ثقة واستعلاء، وأبرز موهبته في التمثيل.. وبغض النظر عن نسبة الحقيقة فيما قاله، السؤال المطروح: ما الذي تغير؟ ولماذا إسرائيل اليوم تعيش لحظة نشوة غير مسبوقة؟

عوامل كثيرة أسهمت في هذا التحول، منها أداء إسرائيل، خاصة الدبلوماسي والإعلامي، انتخاب ترامب، صعود اليمين الشعبوي في العالم، الخريف العربي، وتداعياته، الانقسام الفلسطيني..
خلال السنوات العشر الماضية، انهار الحائط العربي تماما، فالدول التي كانت تشكل تحديا لإسرائيل (العراق، سورية، مصر) غرقت في حروبها الأهلية، وأزماتها الداخلية، وقد حدث هذا بتمويل خليجي سخي، ومع كل المتغيرات في الساحتين الإقليمية والدولية، ومع انسداد الأفق السياسي، وتوقف المفاوضات، واستمرار الانقسام الفلسطيني، أخذت إسرائيل تستعيد مكانتها، بل هي في وضع لم تكن تحلم به، فها هي دول الخليج تهرول بخطى سريعة نحو التطبيع، فيما الموقف العربي يبدو عاجزا تماما.
هذا الوضع جعل إسرائيل تتجه نحو إستراتيجية التعايش مع اللاحل. وفي دراسة قدمها الصديق عاطف أبو سيف لتقرير "مدار" الإستراتيجي (2017)، أوضح فيها "إن إسرائيل ليست مضطرة للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ينهي الصراع، وأنه بوسعها التعايش مع حلول جزئية تخفف من حدة التوتر، وهذا يشمل العلاقة مع السلطة الوطنية، والعلاقة مع حماس، فمن جهة السلطة من الواضح أن إسرائيل لا تريد التوصل لاتفاق مع منظمة التحرير بخصوص الدولة الفلسطينية وإنهاء الصراع، بما يضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية، وعليه يمكن لها أن تواصل إدارة العلاقة مع السلطة عبر إقامة اتفاقيات خدماتية (كهرباء، مياه، طاقة)، وحتى أمنية.. بجملة أخرى، ليست مجبرة على الإصرار على مفاوضات سياسية، وعوضا عن ذلك قد تلجأ إلى تحسين الحالة الاقتصادية لمناطق السلطة.. وحتى لو أدى استمرار هذا الوضع إلى بروز اشتباكات وعمليات فدائية من حين لآخر، فمن الممكن لإسرائيل الاعتياد على هذا الوضع (بأقل عدد ممكن من الجنازات).. أما بالنسبة لوضع غزة (وبالتالي حماس)، فإن وجود حماس لم يعد يضر إسرائيل، طالما أنها استطاعت التوصل لتفاهمات غير مكتوبة معها، أو تمكنت من ضبط العلاقة مع حماس وفق ما يفيد المصلحة الإسرائيلية، وبالقدر الذي تحدده إسرائيل، بل إن هذا الوضع (الانقسام) هو المفضل لإسرائيل، التي ستجعل كل إستراتيجياتها باتجاه الإبقاء عليه".
ستستغل إسرائيل الوضع الإقليمي والدولي بما يحقق لها الحل الدائم الذي تسعى إليه: إبقاء غزة منفصلة عن الضفة، وإبقاء وضع السلطة كما هو عليه، لا هي قوية لدرجة تحقيق الحلم الفلسطيني، والتحول إلى دولة، ولا هي ضعيفة لدرجة الانهيار، مع العمل على استمرار سياسات التهويد والضم في الضفة الغربية، وحل القضية الفلسطينية بالاتفاق مع الدول العربية (تطبيع كامل) دون الأخذ بالاعتبار حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية.
ومع ذلك، يمكن أن تحدث تغيرات غير متوقعة تقلب الوضع رأسا على عقب، فهذه المنطقة مليئة بالمفاجآت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق