أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 30، 2014

قطـر


في كتاب للصديق الإعلامي د محمد ابو الرب، بعنوان الجزيرة وقطر، تناول طبيعة الدور السياسي الذي تلعبه قطر من خلال الجزيرة، وكنت قد قدمت عرضا للكتاب في مقالة مطولة، سأقتبس بعضا منها ومقتطفات من الكتاب، ولكن قبل ذلك، لا بد من فهم المحددات العامة للسياسة القطرية وطبيعة دورها الوظيفي.

تنطلق قطر في سياساتها الخارجية من محددات معينة، أبرزها أنها تعاني من عقدة نقص حادة بسبب صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، ثم تركيبة نظامها الحاكم ودوره الوظيفي، الأمر الذي يحتم عليه حاجته للحماية الخارجية، إضافة إلى العلاقة الجدلية بين الدولة والإعلام (الجزيرة)، وأخيرا امتلاكها للغاز الطبيعي.

ومشكلة أمير قطر السابق (والحالي) الذي جاء عبر انقلاب الابن على أبيه أن لديه طموحات إقليمية تشكلت وفق ثقافته الانقلابية، هدفها إحداث الفوضى، وخلط الأوراق واختراق المحرمات على كل المستويات، وقد اعتاد أو تصور أن كل شيء يشترى بالمال، حتى المجد الكروي واستضافة المونديال.  


ولدى مراقبة المشهد القطري الصاعد يحتار المرء كيف لدولة صغيرة بحجم قطر، أن يكون تأثيرها فاعلا إلى هذه الدرجة، ليس في غزة وحسب؛ بل وفي كافة أحداث المنطقة ؟ كيف نجحت في الجمع بين المتناقضات ؟! في استضافتها الزعماء العرب ومعارضيهم على حد سواء ! في حربها الإعلامية على أمريكا واحتضانها أهم وأكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط ! في دعمها الخطابي للمقاومة وعلاقتها بإسرائيل من خلال فتحها لمكتب تمثيل تجاري إسرائيلي هو في حقيقة الأمر مكتب للموساد ! وفي علاقتها الغريبة مع إيران ! إلى غير ذلك من المتناقضات.

إن مفتاح فهم السياسة القطرية بعد انقلاب حمد بن جاسم على والده مرتبط بفهم النظام الجديد لمفهوم التحديث، حيث كان من أهم المشاريع التحديثية التي ابتدأها الأمير تمتين علاقاته بأمريكا وإسرائيل بهدف تأمين الحماية لنظامه، في الوقت ذاته إطلاق قناة الجزيرة لتصفية حساباته مع دول الجوار على وجه الخصوص وبقية الدول العربية بوجه عام.

ثم متابعة تبادل الأدوار بين الدولة وقناة الجزيرة، التي أصبحت بمثابة الناطق الرسمي باسمها، وأداة تنفيذ سياساتها، حيث حولت الجزيرة قطر إلى دولة مهمة، ومنحتها الفرصة لتمارس دورا سياسيا أكبر بكثير من حجمها، وجعلتها تتصرف مع الآخرين بفوقية وكأنها مركز العالم، وكأنها الوصي على قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة والحريصة على القضية الفلسطينية أكثر من أصحابها.

وفي حقيقة الأمر، فإن التداخل بين ما هو سياسي وما هو إعلامي ليس بالأمر الطارئ أو الجديد، ومن الواضح أن هذا هو أسلوب قطر في العهد الجديد، حيث لم تعد قطر بحاجة إلى طيران وعسكر، لأن الجزيرة هي القوات المسلحة القطرية، إذ حققت قطر عبر قناتها أهدافا إستراتيجية لم تكن لتقدر على تحقيقها بالسياسة، بل أنها أدخلت للمنطقة ما يمكن تسميته بسطوة الجيوميديا، على غرار ديكتاتورية الجيوبولوتيك، لتصبح قطر ومن خلال الجزيرة قوة إقليمية ولاعب أساسي تحسب كبرى الدول لها حساب.

وفي سياق متصل، تستخدم قطر لعبة العلاقات العامة، فقد أبرمت صفقة عسكرية مع الولايات المتحدة بقيمة 11 مليار دولار، وقامت برعاية كثير من البرامج التلفزيونية الأمريكية، ورعاية أهم النوادي الرياضية الأوروبية، وغيرها من الأنشطة والأحداث .. كل هذا من أجل تخفيف الضغوط عليها، ومنحها مساحات أكبر للمناورة، حتى أنها وجدت ضالتها اليوم بحرب غزة، والتي تسعى من خلالها إلى رفع قيمة حلفائها سياسيا، واستغلال الوضع الحالي للهجوم على خصومها.

ويجدر القول بأن قوة قطر لا تكمن في الإعلام فقط؛ بل في إنتاج الغاز أيضا، حيث تعتبر من حيث الوزن في تجارة الغاز وإنتاجه ثالث دولة في العالم، إلى جانب روسيا الاتحادية والولايات المتحدة؛ وبالتالي فهي صاحبة وزن تجاري وإنتاجي لهذه المادة مع دول عظمى، وتنافس واحدة منها وهي دولة روسيا الاتحادية على أسواق دول أوروبا الغربية، التي حرمتها الطبيعة من هذه المادة الأساسية في عصر الصناعات الاحتكارية العملاقة.

ولتثبيت مكانتها في الأسواق العالمية، وزيادة تحكمها في هذا المصدر المهم للطاقة، كانت عينا قطر مفتوحتان على أهم منابع الغاز الطبيعي في المنطقة، وهي ليبيا؛ فبعد اندلاع الثورات العربية، رأت قطر أن فرصتها في ليبيا قد حانت؛ باعتبارها منافس قوي لها، وبالفعل ما أن بدأت حركات الاحتجاج الشعبية على نظام القذافي، حتى سارعت قطر لدعم تدخل حلف الناتو لصالح الثوار؛ فدخلت كشريك مع الحلف، وقامت بتمويل وتغطية نفقات الحرب بمبالغ طائلة.

وبالإضافة إلى ليبيا، هنالك كميات تجارية من الغاز الطبيعي في قاع البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا قبالة شاطئ غزة، وحقول أخرى قبالة حيفا، وقبالة الشواطئ اللبنانية، واستكمالا للمخطط كان على قطر أن تنظر لمصالحها هناك، وهذا يفسر اهتمام قطر بغزة، وافتتاحها قنصلية لها هناك، واهتمامها في إعادة إعمارها، كمدخل لاستملاكها لمقدرات الشعب الفلسطيني في القطاع أسواقا واستثمارات ومرافق حُكم وثروات طبيعية مدفونة في باطن البحر (الغاز). ولنتذكر أن حمد بن جاسم عندما زار لبنان عشية حرب تموز كان قادما من تل أبيب، وفي هذا السياق دخلت قطر كشريك (غير معلَن) مع الحكومة الإسرائيلية في استخراج الغاز المسال من حقل حيفا، وبالتالي فإنها ومن خلال هذه الشراكة ستؤدي إلى احتكار قطري/ إسرائيلي لبقية حقول الغاز على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وخاصة شواطئ فلسطين ولبنان التي كان يصعب العمل فيها دون موافقة دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وللوصول إلى الأسواق الأوروبية ومنافسة الشبكة الروسية كان على قطر البحث عن بدائل لناقلات النفط العملاقة، والتي تصل تكلفة الواحدة منها إلى ما يقارب المائة مليون دولار، الأمر الذي جعلها تبدأ بالتفكير جديا بوسائل نقل أقل كلفة، أي للتحول إلى استخدام أنابيب الغاز المسال، ما يعني أن هذا يتطلب المرور عبر السعودية والأردن، ثم الأراضي السورية، ومن هناك إما أن ينتهي الغاز القطري في الموانئ السورية لتعبر المتوسط ومنه إلى بقية العالم، وإما أن يلتقي مع الشبكة التركية الممتدة إلى أسواق أوروبا؛ وهذا يعني أنه لا بد من إسقاط النظام السوري، وتغيير طبيعة الدولة والمجتمع السوري إلى الطبيعة التجارية التي تقبل بهذا المخطط. وهذا يفسر أن الحرب البشعة التي تجري رحاها على أرض سوريا تدفع تكاليفها قطر والدول التي غنمت الثروات الليبية، بما فيها تركيا، التي تسعى لتأجير شبكة خطوط نقل الغاز الموجودة على أراضيها لصالح دولة قطر.

السياسة تحكمها المصالح، ولا علاقة لها بالأخلاق. لذلك ليس غريبا أن نشهد قيام المحاور الإقليمية على حساب القضية الفلسطينية، وعلى حساب دماء الأطفال، من يرى غير ذلك فليراجع نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق