أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 11، 2014

وماذا بعد !؟ الحرب على غزة


يتعرض قطاعنا الحبيب في هذه الأيام الصعبة لعدوان همجي بربري على يد كيان غاصب يمارس إرهاب الدولة بشكل منهجي، حيث تطال القذائف الإجرامية بيوت الناس، وتهدمها فوق رؤوسهم، وحيث يعيش أهلنا هناك في حالة من الرعب والخوف، في ظل توقف وسائل الحياة الأساسية .. ولكن بمعنويات عالية ..

وإزاء هذه الهجمة الشرسة والإبادة الجماعية فإن كل إنسان حر وشريف (فلسطيني كان أم غير ذلك) سيشعر بالغضب الممزوج بالحزن والشعور بالأسى والعجز، محاولا تقديم أي شيء، وفي أغلب الأحيان لا يجد ما يقدمه سوى مشاعر التضامن والدعاء إلى الله بأن يفرج الكرب .. وهنا لا أشكك بوطنية أو بإنسانية أحد؛ حتى أولئك الذين لم يبرحوا منازلهم، واكتفوا بالنضال عبر شاشات حواسيبهم .. ولكن ..

بعد أيام عصيبة دامية (وأدعو الله أن لا تطول) ستضع الحرب أوزارها، وسيوقع الطرفان على اتفاقية تهدئة مؤقتة، أو هدنة طويلة الأمد (كما حصل في الحروب السابقة) .. بانتظار جولة دامية جديدة، واستراحة من الهدوء المصطنع الراكدة فوق صفيح ساخن من عوامل التفجير ..

بعد سكوت المدافع وهدأة الصوايخ، سيخرج علينا بعض قادة الفصائل ليعلنوا ظفرهم بالنصر المبين .. وسنعود نحن لأسئلتنا المكررة .. وستعود الأمهات إلى غرف نوم الأطفال لتجدها خاوية .. وسيعود الآباء لأحلام أبنائهم, ليستخرجوها من تحت الردم ..  وسيعود الأهالي لذكرياتهم التي دفنت تحت الركام .. وسيعود الطلبة إلى غرف صفهم ليجدوا آثار قذيفة محل المقاعد .. سيعود الناس جميعهم مكلومون, يتجرعون أحزانهم بصمت وكبرياء .. وسنبدأ عمليات الإحصاء .. للقتلى والجرحى والبيوت المهدمة ..

في الحرب، تكون الأنظار شاخصة، وتبلغ القلوب الحناجر .. وتشتعل عواطفنا أكثر من اللزوم .. في الحرب يستبيح القوي الفاجر كل شيء: قتل الأطفال، الإجرام، الكذب .. ويلجأ الضعيف إلى بلاغة الكلام .. مكرها .. وتغدو بعض الأسئلة محرمة .. رغم أن كل طرف يستغل سخونة الحدث ويسعى لكيِّ وعي الآخرين، وإعادة صياغته على نحو جديد، سواء من جبهته أم من جبهة الأعداء .. والمؤسف أن لغة العاطفة تطغو على لغة العقل .. فتضيع الحقائق بين أوهام الحالمين ورغبات الطامحين ..
بعد الحرب، سيسعى كل طرف لإحراز مكاسب، وتسجيل مواقف .. القوي الباغي سيتثبتها على أرض الواقع، والطرف الأضعف سيثبتها على أرض البيان، مستعينا بسحر اللغة .. والمتفرجون سيصفقون للطرفين؛ كلٌ حسب جغرافيته، وحسب ما صدقه من وسائل الإعلام ..

بعد الحرب، جماهير العالم العربي والإسلامي وعلى افتراض أنها قدمت أقصى ما لديها من تضامن وتعاطف ودعم .. وعلى افتراض أنها ملأت الشوارع بمظاهرات الغضب والتنديد .. سيعود كل واحد منها وبسرعة قياسية إلى أسئلته الخاصة، لينغمس من جديد في عالمه الضيق، بعد أن أزعجناه لبعض الوقت بأخبار القصف والشهداء، وأخذنا من وقته الثمين ما يشغله معنا في تعداد الضحايا، ووجّعنا رأسه بالتحليلات السياسية لفرسان الفضائيات .. وبعد برهة قصيرة سيصبح كل شيء غضب من أجله، مجرد أرقام وأحصاءات، وذكرى سرعان ما تطويها ملفات النسيان ..

بعد الحرب مباشرة، سيعود الفلسطينيون وحدهم إلى متاعبهم وأحزانهم ومعاناتهم، (التي لا يريد العالم رؤيتها) .. لأن العالم لا يتذكرهم إلى حين تسفك دماءهم وتفيض ملء الشوارع .. فأنصارهم لا يتظاهرون إلا حين تصم آذانهم دوي القذائف وهدير الإف 16، لا يتحركون إلا إذا رأوا الأشلاء بأم عينهم .. لا يتبرعون إلا بسيارات الإسعاف ونقل الموتى .. لا يهدونهم سوى قصائد المديح وأناشيد الرثاء .. والنصائح ..

ينسون أن هذه الأشلاء كانت لأطفال ينتظرهم مستقبل ما، وأن البيوت التي تهدمت كان يسكنها فقراء .. وأن الأرض التي تُقصف الآن هي أصلا تحت الاحتلال ..

قبل الحرب على غزة، وبالتأكيد بعدها، ثمة قضايا كثيرة تستوجب دعمكم ومناصرتكم .. فلماذا تنتظرون الحرب حتى تبدؤون بالتحرك، وبخجل ؟! لماذا تنتظرون أن يصل عدد الشهداء مستويات تؤهلهم لدخول موسوعة "غينيس" !؟ قبل الحرب وبعدها هناك أراضٍ مهددة بأن يبتلعها غول الاستيطان، هناك جدار عنصري يقضم الأرض ويفرق العباد .. هناك مياه مصادرة، وسياسات تهويد متواصلة، ومخططات لعينة .. هناك شرائح مهمشة تسكن الأغوار في بيوت من الصفيح، ومخيمات ضاقت بسكانها، ومقدسيون يدفعون "الأرنونا" مرغمين، وبلا مقابل .. ويافاويون يقطنون بيوتا آيلة للسقوط، ولا يسمح لهم بترميمها، وعكاويون ينتظرهم مستقبل مجهول وضائع.

وهناك أسرى ضاعت منهم أحلى سنينهم، وهنالك مطاردون مطلوبون للتصفية على قوائم الموساد، ومبعدون فقدوا الأمل، هناك أرواح تتوق للصلاة في المسجد الأقصى أو في كنيسة القيامة ولكن أعمارهم أقل مما تسمح به سلطات الاحتلال، هناك حواجز تعزل المدن والقرى، وهناك عمّال يخرجون من بيوتهم بعيد منتصف الليل، ليقفوا ساعات طويلة على حواجز الذل، ليعودوا آخر المساء منهكين يحملون معهم عشاء أطفالهم، وهناك جرحى فقدوا أطرافهم، وأطفال لم يعيشوا طفولتهم، وشبان يتبرص بهم شبح البطالة .. هناك في فلسطين أجيال كبرت ولم تعرف سوى الحرب والدمار والحصار ..

هناك غزة - غزة التي تذبح الآن – تعيش تحت الحصار منذ سنوات طويلة، تموت ببطء وبشكل ممل .. المياه ملوثة، والكهرباء متقطعة، والناس تعيش سلسلة من الأزمات المركبة ,,

وهناك في الشتات، من تُعذَّب أرواحهم بحلم العودة، ومن يقضون الليالي في صالات الترانزيت في مطارات الغربة التي لا تعترف بوثائق سفرهم .. هناك مخيم اليرموك يموت جوعا وكمدا .. ومخيمات الشتات التي حوصرت ودمرت وذبحت أكثر من مرة، على يد أكثر من عدو .. باختصار شديد، هناك ما يسمى القضية الفلسطينية ..

بعد الحرب، وأثنائها..  مطلوب منا أن نجيب على الأسئلة التي يراها البعض محرمة: هل كل شخص منا (من أصغر فرد حتى أكبر مسؤول) تحمل مسؤوليته كما ينبغي !؟ أم أكتفى بالتنظير وإلقاء اللوم على الآخرين ؟! هل إدارة الصراع بالطريقة الحالية (سواء من فصائل المقاومة، أم من القيادة السياسية) هي حلقة نضالية تؤدي إلى إحراز الهدف الوطني ؟ أم هي محاولات لكسب المواقف برؤية فصائلية ضيقة ؟! هل الهبّة الجماهيرية ومظاهرات التضامن هي كالعادة عمل موسمي مؤقت مدفوع بالعاطفة ؟ أم بداية لعمل جماهيري واعي سيتراكم ويعطي نتائجه في المستقبل ؟

هل قضية فلسطين تبدأ وتنتهي فقط حينما يشتد القصف وتسيل الدماء الزكية !؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق