أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 13، 2014

قراءة في العدوان الغاشم على غزة


خطاب الرئيس أبو مازن لم يكن شعبيا بالمطلق، وحتى بالنسبة لمن يعتبرون أنفسهم معتدلين وعقلايين كان خطابا صادما ومحبطا وبائسا .. لم يكن مطلوباً منه تكرار لغة الخطابات الرنانة والشعارات الكبيرة وبيع الأوهام للشعب .. كان مطلوبا منه قبضة يد تلوح بشيء من الغضب، ودعوة شعبه للصبر والثبات، ورفع معنوياتهم بعض الشيء .. واتخاذ خطوات جدية ضمن الإمكانات المتاحة، في المحافل الدولية، وبالذات محكمة الجنايات الدولية. هذا الخطاب الهزيل أفقده الكثير من شعبيته، ولو توقف الأمر على شخصه لهان الأمر؛ لكن فتح والسلطة الوطنية هي التي دفعت الثمن ..

دور فتح في هذه المعركة كان ضعيفا ومخجلا، ولا يتناسب مع إرثها الكفاحي .. فحتى لو شاركت كتائب الأقصى في إطلاق الصواريخ، أسوة ببقية الكتائب المجاهدة؛ إلا أن ما هو مطلوب ومتوقع من فتح أكبر من ذلك بكثير .. لكن الخيل لا تُعلف يوم الغارة .. فتح تراجعت قبل ذلك بكثير .. تراجعت نتيجة "حكمة" السيد الرئيس .. وسياساته "المعتدلة" ..

من حق حماس وكافة فصائل المقاومة، بل ومن واجبها الرد على العدوان الإسرائيلي، وليس في جعبتها سوى الصواريخ محلية الصنع، بالإضافة لصمود الشعب والتحامه من حولها، وهذه الصواريخ وإن كانت غير دقيقة، ولم تقتل أحدا (حتى الآن)، وفاعليتها التدميرية محدودة جدا، ولا تقارن مع صواريخ إسرائيل .. إلا أنها تطورت عن المرات السابقة، وسوف تتطور أكثر مستقبلا .. ولا يجوز أن نستخف بها .. ولكن لا نبالغ بتهويل تأثيرها؛ فأقصى ما تفعله أنها تشفي غليلنا من ناحية، وتثير الرعب في قلوب الإسرائيليين من ناحية ثانية، والأهم من ذلك أنها ترد لنا كرامتنا، وترفع معنوياتنا .. فهي البديل العسكري الوحيد المتاح لنا .. البديل عن الخنوع والسكوت .. تحية كبيرة للصواريخ الفلسطينية ومطلقيها ..

وفي هذا السياق، يتابع الفلسطينيون بفرح أنباء سقوط الصواريخ على المدن الإسرائيلية، ليس تشفيا غرائزيا، ولا توقا لرؤية الأشلاء والدماء، بل بسبب تراكم المرارة والشعور بالظلم، والإحساس المهانة التي تجرعوها على مدى سنوات الاحتلال، إنه تعبير عن تراكم الأحزان على من فقدوهم، وعلى ما خسروه .. إنه فرح إنساني مشروع لمن استعاد جزء من كرامته، ولقن درسا قاسيا لمن دأب على هدرها مدفوعا بعقلية الغطرسة والتجبر .. إنه فرح مشروع لكسرٍ جديد أصاب صورة الجيش الذي لا يُقهر .. فرح برؤية من ساموهم العذاب والخوف وهم يتجرعون نفس الكأس ..  

ولكن، ومن جهة أخرى، يعتبر الكثيرون منا أن مجرد دوي صافرات الإنذار في المدن الإسرائيلية هو نصر تاريخي بحد ذاته، وأن مبيت السكان الإسرائيليين في الملاجئ، وصور رعبهم وتراكضهم هو تأكيد على هزيمة إسرائيل، وفي الحقيقة، وإن كانت هذه اللقطات تعطي مادة زخمة للخطباء؛ إلا أنها لا تصنع نصرا، ولا تثبت شيئا سوى جاهزية "الجبهة الداخلية" لإسرائيل، واستعدادها لحالات الطوارئ .. وفي غمرة حبورهم ينسى هؤلاء أن سكان غزة يبيتون في العراء، وأن بيوتهم بلا ملاجئ، وصفارات الإنذار الوحيدة التي لديهم هي أصوات الصواريخ التي تنهمر فوق رؤوسهم، وأنهم يبتيون لياليهم المظلمة بالخوف والرعب، حتى لو كانت معنوياتهم عالية، فهم بشر .. والخوف سمة إنسانية طبيعية لا تعيبهم، ولا تقلل من شجاعتهم.

وفي هذه الحرب، كما في الحروب السابقة يكثر استخدام مصطلح "توازن الرعب"، وهو بمنظار العقل، وبعيدا عن الانفعالات العاطفية، مصطلح غير دقيق، ومضلل، فالإسرائلييون لديهم كامل الاستعدادات المادية للتعامل مع ظروف الخوف التي تسببها الصواريخ، (خلافا للفلسطينيين)، والمجتمع الإسرائيلي هو مجتمع عسكري؛ حيث أن كل السكان من سن 18 ولغاية 50 سنة هم عسكريون نظاميون، ويتلقون تدريبات عسكرية بانتظام، بل أن إسرائيل في الأساس دولة عسكرية، تعتاش على الحروب، ودورها الوظيفي قائم على الحرب .. لكن ما هو موجود في أذهاننا أن اليهود هم مجرد سياح، وسكان عابرون، جاؤوا إلى "دولة إسرائيل" التي ستوفر لهم الأمن والرفاهية ورغد العيش، وإذا لم تكن كذلك، فإنهم سيغادرونها، وسيعودون إلى أوطانهم الأصلية .. وهذا إن كان ينطبق على فئة معينة منهم، إلا أنه لا ينطبق على الغالبية العظمى، وعلينا أن ندرك هذه الحقائق، لأن بناء الإستراتيجيات القائمة على التصورات الخاطئة سيقود إلى الفشل لا محالة ..

بعد توقيع المصالحة الفلسطينية، شنت إسرائيل حربا سياسية ودبلوماسية على السلطة، إلا أنها أخفقت في انتزاع موقف دولي معارض لحكومة التوافق، فلجأت للتصعيد الميداني، في البداية استغلت اختفاء المستوطنين الثلاثة، وشنت حملة عسكرية وحملة اعتقالات في مختلف مدن الضفة، ترافقت مع تصعيد عدوان المستوطنين، إلا أنها جوبهت برد جماهيري غاضب، ثم لجأت إلى عدوانها على غزة، ولنفس الهدف: إرغام السلطة على فك تحالفها مع حماس، والعودة للانقسام، والتهرب من استحقاقات العملية السلمية، وهذا يعني أن العدوان الإسرائيلي على غزة هدفه سياسي، وليس أمني، والحجة كالعادة هي تدمير ترسانة المقاومة، علما أن غزة كانت في السنتين الماضيتين جبهة هادئة، وهذا يعني أيضا أنه إذا أردنا إلحاق الهزيمة بإسرائيل علينا إفشال أهدافها السياسية .. أي التمسك بالوحدة الوطنية، ومواصلة الاشتباك مع العدو بكافة الوسائل الكفاحية المتاحة، ولكن بخطاب سياسي موحد، وبالتناغم بين صواريخ المقاومة والفعل الجماهيري والكفاح السياسي.

تدرك إسرائيل تماما أنه لا يمكن لها أن تُنهي حماس، أو أي فصيل فلسطيني آخر، أو أن تخرجها من دائرة التأثير .. فهي تعلم أنها كلما ضربت أي فصيل فلسطيني سيلتف الشعب من حوله، وسيحميه، وسيجعله قائدا عليه .. لكنها تريد إضعاف حماس، وإضعاف فتح، وإضعاف السلطة، وإضعاف الشعب الفلسطيني برمته .. تريد قطع الطريق عليه ومنعه من بناء دولته، لذلك، بعد أن تنتهي هذه الجولة من الحرب ستخلق وقائع جديدة. إذا ما هُزمت حماس (لا قدر الله) أو صُفيت فصائل المقاومة، فإنها ستكون هزيمة لكل الشعب الفلسطيني، ستؤدي إلى تراجع القضية الفلسطينية، وربما يكون ذلك تمهيدا لتصفيتها .. إذا انتصرت إسرائيل على غزة، فسوف تتفرغ للضفة، لأن معركتها الأساسية هناك .. ونعلم جميعا أن فصائل المقاومة لا تستطيع هزيمة الجيش الإسرائيلي .. لكنها تستطيع إلحاق هزيمة ولو معنوية بالعقلية الإسرائيلية، لترغمها على رؤية الحقائق .. وتجبرها على أن تتخلى عن أوهام التفوق العنصرية، لتسلّم بأن هناك شعب فلسطيني مكافح وعنيد، وأنه لن يتوقف عن النضال قبل بلوغه هدفه الوطني الكبير ..

صواريخ المقاومة، تصنع اليوم نصرا معنويا صغيرا، لكن النصر الكبير هو نتاج الانتصارات الصغيرة .. ولكن على حماس والجهاد الإسلامي وكل الفصائل أن تخرج من عباءة الفصيل الضيقة، ومحاولات تسجيل النقاط لحسابات فئوية .. ليلتحم الجميع في بوتفة الفعل الوطني المقاوم والموحد، وعلى جماهير الضفة أن لا تهدأ ...
يا نبض الضفة لا تهدأ .. أعلنها ثورة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق