أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 13، 2014

إبراهيم جابر – العائد الحافي


"خلعتُ نعلي كما يفعل كل مؤمن حين يطأ أرضا مقدسة"، بهذه الكلمات بدأ إبراهيم جابر عودته المؤقتة والسريعة إلى أرضه المشتهاة "فلسطين"، وفي قاعة الجليل احتفلنا به نحن أصدقائه ومحبيه، في ليلة ماطرة تصادفت مع ذكرى تحرير "دلال المغربي" ورفاقها لجزء من ساحل يافا، وقبل يومين من ذكرى ميلاد شاعرنا القومي "محمود درويش"، وبصوت تخالطه العاطفة والارتباك قرأ باقة من نصوصه الأدبية، ليأخذنا معها إلى منفاه مرة ثانية.

ليلة زاخرة بالدلالات والرموز، زادها سحرا وغموضا بحديثه عن معنى الوطن، ومعنى فقده والحنين إليه، ثم ملامسة ترابه بقدمين حافيتين .. وسف التراب من "عقبة جبر" مسقط رأسه، كما لو أنها طبق كنافة نضج على نار هادئة، ليبلغ المشهد ذروته في عناقه ضريح الأب والقائد العام وأبو الوطنية الفلسطينية "ياسر عرفات" .. حين شهق بحرقة الملهوف، وهو يقبل كوفيته ويتعلق بها، مثل  طفلٍ وجدَ أمه بعد أن ضاعت منه في سوق مزدحم ..
لم نكن بحاجة لأن نسمع شعره؛ فنحن نعرفه جيدا، ولم يكن هو بحاجة لجزالة الألفاظ وبلاغة اللغة ليخرج مكنوناته النفيسة .. كان يكفينا أن نلتقي وجها لوجه ..

إبراهيم جابر، عاد من منفاه الإجباري بعد أن عاش مؤقتا خمسة عقود يحلم بهذه الساعة .. سألَنا بفضول بصفتنا مقيمين دائمين على أرض الوطن: بماذا تحلمون كل ليلة، فيما أنتم تعيشون حلما راودني خمسين سنة ؟! أجبناه بصمت: وبماذا ستحلم أنتَ بعد الآن ؟! قال إن رام الله ونابلس وجنين والخليل وحيفا وغزة كانت بالنسبة لي عبارة عن غيمة بنفسجية لا تبرح سماءها غرب النهر، هي أغاني فيروز والعاشقين، هي حالة متخيلة تنتابني كل مساء. سألناه وفي قلوبنا خشية من أن تفقد أغانيه ألحانها: كيف ستكتب حبك بعد أن تأكدت أن المدن في فلسطين عبارة عن شوارع ومحلات تجارية وحاويات زبالة وأناس عاديون ؟! قال أنتم تقدمون في كل يوم شهيد، بنفس العبقرية التي تصنعون فيها الخبز .. لهذا سأواصل التحليق في حلمي المستحيل ..

إبراهيم جابر يشبهني قليلا، ولدنا في نفس السنة، تشاركنا نفس الذاكرة عن مدارس الوكالة وعمان وزمن الفدائيين، حملنا نفس الحنين إلى الوطن .. أنا سبقته بالعودة وهو سبقني في المنفى .. هناك بعيدا .. تحول من لاجئ إلى قامة شعرية، وصاحب عامود أسبوعي في الغد، ينتظره الكثيرون بشغف، ليروا كيف يلتقط بذكاء مشاهد عادية، تتحول في سطوره إلى حكاية، إلى نص إبداعي ينبض بالإنسانية.

في أشعاره ترى فلسطين كلها بكامل بهائها، ثوبا مطرزا بنجمة كنعان، وفي مقالاته ينـزل من علياء اللغة وفضائها المتخم بسحر البيان  – كما لا يفعل مثقفين كثر – ليهبط على أرض وعرة، فيحلل بواقعية، مفتخرا بفتحاويته، ليحكي عن تفاصيل الهم اليومي للمخيم والمظاهرة والحاجز والسجن .. والناس المهمشين، برؤية تقدمية عن المرأة والمجتمع والدين والعلاقات الإنسانية .. يكتب عن القدس دون أن ينسى عمان .. يكتب عن ذكريات الطفولة دون أن ينسى المستقبل، يتساءل برشاقة لماذا تغير طعم التفاح، وحينما يدخل رام الله ينسى نفسه، فيتمدد بفرح طفولي وسط شارع ركب ..
وبناء على طلبك، لن أقول لك أهلاً وسهلاً .. لكني سأقول لك  شكرا ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق