أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 01، 2014

قراءة على جدار فيسبوكي


كتب الصديق "مروان بركات" مقالا شيقا عن صفحة الشهيد "معتز وشحة" الذي اغتالته يد الإجرام الصهيونية منذ أيام، قبل أن ينهي عامه الخامس والعشرين، وصفَ فيه بساطة الشهيد وروحه المشتبثة بالحياة، أقتبس منه التالي: "المناضلون الحقيقيون لا يشبهون الصورة النمطية التي يحلو لبعض الكتاب وسمهم بها: وجه متجهم، نظرات زجاجية، قلب متحجر، عزوف عن الجميلات، ترفّع عن متع الحياة؛ المقاتل الحقيقي في هذا الوطن ليس نبتا شيطانيا، إنه إنبثاق إسطوري ملحمي من رحم كل ما هو عادي وبسيط، إنه تجسيد لحالة الإنسان بأوضاعها الطبيعية: تُبكيه قصيدة، يهز قلبه الرهيف مشهد أنثى تتمايل بأزهى فتنتها، تثير شجنه وردة حمراء، تفتح شهيته زهور اللوز في الربيع، يبتهج بدعوة أصدقائه على وجبة سنيكرز، ويهتف بابتهاج: والله لنكيف".

أغواني المقال للتأمل في صفحات عينة عشوائية لشبابنا على الفيسبوك، ومعرفة الاتجاهات التي يسير بها جيل اليوم، بعد أن جعلتني صفحة الشهيد على قناعة بأن ما يكتبه أي شخص، أو ما ينشره من صور لا تعكس بالضرورة جوهر شخصيته، فقد تكون لمجرد التسلية، أو استجابة لانفعال لحظي، أو تعاطف مع حالة معينة.

واحتراما للحرية الشخصية، ولطبيعة الاختلاف بين البشر؛ فإنه من حق كل إنسان أن يعبّر عن نفسه كما يحلو له، وأن يكتب على صفحته ما يشاء، بيْد أن هذا لا يمنع الحق في إبداء الملاحظات، وانتقاد ما نراه شاذا ومستهجنا، مع التأكيد على أن ما هو شاذ أو صحيح مسألة نسبية، وأن حدود الحرية الشخصية تنتهي عندما تمس الآخرين، خاصة وأن ما يكتبه أي شخص سيأخذ من وقت غيره وحيزه الخاص، وربما يثير أعصابه، والأهم من ذلك ربما يسهم في تعميم الثقافة السلبية، أو تضليل الرأي العام، أو الإساءة للآخرين.

صحيح أنه ليس ضروريا أن يتمكن كل إنسان من أصول الكتابة، وأن يجيد مهارات التعبير، لكن على الأقل من غير المقبول أن يكتب أحدهم سطرا واحدا بثلاثة أخطاء مطبعية وإملائية !! وعليه أن يحترم عقول القراء وأن يقدم ما هو مفيد وإيجابي.

على سبيل المثال، تنتشر عادة تصوير مائدة طعام، وعبارة "اتفضلوا" !! كيف؟ نلحس الشاشة مثلا !! "أنا الآن في مطار هيثرو" !! يعني أحمل عنّك الحقائب !! "تعشينا إمبارح ملوخية" !! يا سيدي صحتين. "أنا زهقانة" !!  طيب، كيف بقدر أساعدك ؟! "أنا زحمان والحمّام مشغول"، بدك تطول بالك شوية .. وغيرها من العبارات التي لا تعنينا بشيء.

وفي جانب آخر، ينتشر فيض من المعلومات الخاطئة والمضللة: البيبسي ينظف المراحيض أفضل من الهاربيك ! الإندومي يسبب التخلف العقلي ! مقاعد السينما قد تنقل عدوى الإيدز ! الفجل يمنع الإصابة بالسكري ! بول البعير يعالج السرطان ! التمر لا يفيد إلا بتناول عدد فردي منه !! شاحن النوكيا ينفجر بقوة تعادل عبوة ديناميت !

وهناك أيضا الصور الساذجة التي تسخر من وعينا، والتي للأسف تلاقي تجاوبا غير عاديا: أفعى طيبة تنقذ سمكة من الغرق ! ثعبان ضخم يلتهم شابا سكرانا !! ظهور قبيلة من الجن في الجويدة ! بقرة تحلب نسكافيه في الدنمارك ! اختراع سيارة بدون عجلات في اليابان ! وطبعا مثل هذه الأخبار تجد آلاف التعليقات بعبارة سبحان الله !! ما يعني أن هؤلاء سيصدقون أي خبر دون أي تفكير، حتى لو كان الخبر: تصادم قطارين في بحيرة ميتشجن، انفجار منجم للفحم الحجري قرب رام الله، مقتل عشرين شابا وجرح ثمانين آخرين في انقلاب سيارة أجرة على خط سرفيس الأشرفية، وادي النيص يهزم برشلونة 5 – صفر.

ولا ننسى القصص المثيرة التي تفيض بالمعاني العميقة: القبر يرفض استقبال جثمان رجل ميت ويلقيه خارجا بعد دفنه لأنه لم يكن يصلي ! تعفن جثمان سيدة بعد دقائق من وفاتها لأنها كانت تستغيب جارتها ! نجاة طفل وحيد من حادث تحطم طائرة لأن أباه كان يتصدق على الفقراء ! احتراق منزل اشتراه مالكه بقرض ربوي من بنك الإسكان !

أما الاستنتاجات العبقرية والربط المحكم بين الأسباب والنتائج، فحدث ولا حرج: الحرب العالمية الثانية قامت بعد حصول المرأة على حق الانتخاب ! انحباس المطر هذا الموسم بسبب عزوف الناس عن المساجد ! زيادة انحسار نهر النيل بعد انقلاب السيسي ! ارتفاع عدد ضحايا حوادث السير بعد قرار الحكومة برفع أسعار الكهرباء !

وهناك الإشاعات التي تزيد سرعة انتشارها عن سرعة الضوء: وكالة الناسا تتوقع أمطارا غير مسبوقة في الشرق الأوسط (السنة مَحِلْ والحمد لله)، العالم سينتهي سنة 2012 (مر سنتين ولم ينتهي شيء)، الحكومة سترفع سعر كيلو الخبز إلى دينارين هذا الصيف (يا لطيف)، إسرائيل ستجتاح لبنان وغزة في شهر حزيران (معلومات استخبارية مجانية) .. وهكذا.

وكذلك الأساليب الساذجة في الدعوة للدين: لا تخرج قبل أن تسلخ لايك وتقول سبحان الله، استحلفك بالله وبحياة أمك تنشرها، ولك الأجر، إذا لم تنشرها فإن الشيطان قد منعك، مثل هذه العبارات عادة ما ترافق صورة فوتوشوب لصخرة تسجد لله في البحر، أو لناقة تصلي إلى جانب صاحبها، أو لذبابة ترفع يديها ابتهالا لله أن يديم الأوساخ، أو لبطيخة ظهر عليها لفظ الجلالة .. وكأن نشر الدين لا يتم إلا بهذه الصور !! البعض يتفاعل معها بعفوية بريئة وخشية من انتقام الله ! والبعض طمعا في الأجر والثواب، علما بأنه لم يتبين إذا ما كانت الملائكة تحصي عدد اللايكات أم التعليقات! وأيهما أجره أعظم اللايك أم الشير ؟ وماذا سيفعل الشيطان بعد أن تبين له أن الفيسبوك من ألد أعدائه ؟؟

والأخطر عبارات التحريض الطائفي وإثارة الفتن المذهبية: "الشيعة المجوس"، "السُنّة الإرهابيين"، "النصارى الصليبيين" ..  وطبعا هناك دوما الأحكام الجاهزة والتوصيفات الكبيرة: العلمانيين أعداء الإسلام، أوروبا الكافرة، الأسرة المتفككة في الغرب، المجتمع الأمريكي عديم الأخلاق ..

أما التحليلات السياسية فهذا موضوع آخر؛ حيث بمقدور صورة لرئيس أخذت بطريقة فجائية، أو تصريح مجتزأ لقائد معين، أو تعليق لمعارض من شأنها أن تغير الرأي العام بأكمله، وبكل خفة وسرعة ..

صحيح أن الفيسبوك وغيره، وُجِد للتواصل الاجتماعي وللترفيه والتسلية وتبادل المعلومات، لكنه من الممكن أن يصبح مفيدا، وأن نغير من خلاله حالنا، وأن نرفع مستوى تفكيرنا، ونرتقي بخطابنا، وعلينا أن نتق الله في كل كلمة نكتبها، أو في أي صورة ننشرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق