أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 10، 2014

ونِعمَ المربّي


ما أن دخل الأستاذ
"وليد" غرفة الصف التاسع، حتى وقف أمام التلاميذ مقطّب الجبين، ومن عينيه يقطر الشرر، ثم نادى بصوت هادئ ولكنه حاسم: ولاك عمر، تعال لهون .. تقدم "عمر" بخطى بطيئة مترددة، فصاح به: إمشي بلا مياعة، طلع إيديك من جيوبك، وقّف عدل، واحكيلي ليش غبت إمبارح ؟! وين كنت صايع ؟!

-        والله يا أستاذ كنت مريض بالفراش ..
-        مريض، ها ! وين إجازة الطبيب ؟
-        والله يا أستاذ ما معي إجازة، أبوي قال شغلتك بسيطة، وما بتحتاج دكتور ..
-        شايف ؟ يعني حتى أبوك كاشف كذبك .. وأنت لا مريض ولا شي، وأنا ما بتمر عليّ هاي الأفلام والحركات.
-        والله يا أستاذ إني مريض، حس حرارتي بتعرف.

اقترب منه حتى صار أمامه مباشرة، وبحركة مفاجئة صفعه على وجهه بكل قوة، وهو يصيح بجنون: كذاب، بتتخوث عليّ يا حيوان !!

ترنح الولد قليلا، وكاد أن يغمى عليه، لكنه استعاد توازنه بسرعة، وعاد للخلف وهو يجهش بالبكاء، حتى جلس على مقعده، وغطى وجهه بيديه، دون أن ينبس بكلمة.

وقف الأستاذ أمام الصف، وبكل هدوء شبك يديه خلف ظهره، وقال بنبرة حادة: أنتم ما بتعرفوا إنه الكذب حرام ؟ أهلكم ما علموكم الأخلاق ؟ كان الصف غارقا تماما بالصمت، بينما الأستاذ يتمشى بين الأدراج، وهو يتشمّم بأنفه كمن يتعقب أثراً ما، وفجأة وقف أمام الدرج الأخير، ثم تناول من يده منديلا ورقيا وأمسك بأذن "طلال" وجـرَّه خلفه، قائلاً: تعال يا جربوع، مش شامم ريحتك زي المزبلة ! شكلك آخر مرة تحمّمت عالعيد الكبير !! بتسحب حالك عالبيت وبتغير ملابسك وبترجع بسرعة البرق.

-        بس بيتنا بآخر البلد يا أستاذ، وبدي ساعتين حتى أوصل !!
-        مش مشكلتي هاي، وبالمرة بتلبس جاكيت دافي.
-         الله يخليك يا أستاذ، الدنيا برد، وما صدقت وأنا أوصل !!

دفعه نحو الباب، ثم ركله على مؤخرته، وهو يصيح: يا ويلك إذا ما بترجع. وما أن خرج "طلال" وهو في منتهى الحنق، حتى عاد الأستاذ ليشبك يديه خلف ظهره، وهو يقول بنبرة ناصحة: شوفو يا أولادي، أنا ما حبّيت أحرجه أكثر من هيك، بس، إن الله نظيف يحب النظافة، وما بصير تيجو عالمدرسة وسخين.

بعد الحصة الثالثة، خرج الأولاد للفسحة، بينما ظل الأستاذ من خلف الشباك يراقبهم بعيني صقر، وبعد دقائق توجه نحو الحمامات، وهناك سمع صوت ضحكات وآهات مكبوتة، ثم دخل ليُصدم بالمشهد، لكن الصدمة على "محسن" و"خالد" كانت أشد، إذ أُسقِط من يدهم، وتملكهم الرعب، وبحركات مرتبكة حاولوا الوقوف بشكل طبيعي، لكن الركلات والصفعات والشتائم كانت تنهال عليهم من كل جهة، وهما مكوّمان فوق بعضهما، وبعد أن انتهى صاح فيهما بغضب: بكره كل واحد يحضر مع ولي أمره.

صبيحة اليوم التالي، كان الأستاذ يقف أمام الطابور، يحمل بيده عصا رفيعة، ويمررها ببطء وتلذذ على يده الثانية، وهو صامت تماما، ويصوب نظراته يمنة ويسرة، ثم تناول الميكروفون، وأخذ يتنحنح وينظر بترقب إلى الطابور .. طال انتظاره، خمس دقائق، عشرة، نصف ساعة .. دخل الطلبة إلى صفوفهم، فيما ظل الأستاذ وحيدا، واقفا مكانه كالمسمار، من شدة غيظه كانت تخرج منه كلمات مسموعة: وين راحوا هالمجرمين ؟؟ بفكروا إني رح أنساهم !! ما بعرفوا إنه التربية أهم من التعليم !!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق