أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 26، 2014

داعش، والفعل الفاحش


في العراق، ومنذ أكثر من عشر سنوات لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع فيه عن عملية تفجير انتحارية، يروح ضحيتها عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، حيث يقدم انتحاري على تفخيخ نفسه بالأحزمة الناسفة، ليفجرها في وسط سوق شعبي، أو بالقرب من أحد المقرات الحكومية، أو حتى في داخل جامع أو حسينية أو بيت عزاء !! وبعدها مباشرة يتبنى تنظيم القاعدة العملية عبر بيان يوزعه على الأهالي، أو ينشره على موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت، أو عبر وكالات الأنباء.
وفي سوريا، التي ابتليت بحرب أهلية منذ سنوات، لا يقل الأمر سوء، إذْ تنتشر على موقع اليوتيوب أفلاما تسجيلية قصيرة لمجموعة من مقاتلي داعش وهم يحزّون رقاب الناس، ويقطعون رؤوسهم بالسواطير مع صيحات التكبير والتهليل، فيما عينا القتيل تبدو شاخصة مرتعبة، تظل مشاعر الخوف بادية عليها حتى بعد انفصال الرأس عن الجسد، في تلك المشاهد المروعة تأخذ القتلة نشوة جارفة، وحالة من الهيجان الهستيري، فيبدؤون بالتكبير والصراخ، وإطلاق زخات من الرصاص، وهم ينظرون إلى ضحيتهم بتشفي، تغمرهم فرحة النصر .. مناظر فظيعة تأباها النفس الإنسانية، وتثير فيها مشاعر الهلع والتقزز والاستنكار.
طبعا مع إدانتنا الكاملة لممارسات الأنظمة الفاسدة في سوريا والعراق وغيرها من النظم الاستبدادية، وما تشهده سجونها من حالات تعذيب وحشية، وانتهاك فظيع لحقوق الإنسان. ومن الواضح أن عنف الديكتاتوريات القمعية هو الذي جر العنف المضاد، وهيّء الظروف لخلق التنظيمات المتطرفة، ولكن هذا لا يمنع من طرح الأسئلة: من هم هؤلاء ؟! ولماذا يقتلون ضحاياهم بهذا القدر من الحقد ؟! ولماذا الإصرار على هذه الطريقة البدائية ؟!
في أغلب الأحيان، تتم عمليات الإعدام بنفس الطريقة: شخص ما يحمل ساطورا أو سكينا، ورجل آخر يتلو على مسامع الضحايا بياناً ما، يتضمن آيات من القرآن الكريم، وفتوى تبيح القتل، وآخر يحمل هاتفا نقالا يصور المشهد، وفي خلفية الصورة تظهر أعلام القاعدة السوداء وعليها عبارة "لا إله إلا الله". يعني أن المشهد بشكله الظاهر واضح تماما ولا يقبل اللبس.
وأمام هذا المشهد الرهيب، نتساءل: هل المنفذون هم حقا مسلمون ؟ وهل صيحات التكبير والتهليل مجرد تمثيلية ينفذها أناس ليسوا مسلمين ؟  ولن نسأل هنا عن هوية الضحايا، لأنه ما من مبرر لقتلهم بهذه الطريقة الوحشية مهما كان جرمهم، مع قناعتنا بأنهم في الغالب أناس أبرياء.
البعض يشكك بتلك الأفلام، ويعتبرها من تقنيات الفوتوشوب، فبركتها المخابرات الأمريكية بهدف الإساءة للثورة السورية، وتشويه الإسلام، وإظهاره بصورة دموية إرهابية. وهذا الطرح يصور جانب من الحقيقة، لكنه يغفل عن آخر في غاية الأهمية.
فالمشهد بكل عناصره يؤكد أن المنفذين هم من جماعة داعش؛ التنظيم المنبثق عن تنظيم القاعدة؛ والذي بات مكشوفا أمام الجميع، بفكره وممارساته التي لا تمثل الإسلام، بل تسيء له، وبـأنه صنيعة جهات أجنبية؛ استخدمت عناصره لخدمة أغراضها السياسية، وهناك الكثير من علماء المسلمين امتلكوا الشجاعة الكافية لإدانته، وقالوا بكل صراحة ووضوح أنه تنظيم خارج عن الإسلام الصحيح، وأن أفعاله تلك هي أفعالا إجرامية لا يقبل بها الإسلام.
وأي مؤمن سوي، مسلماً  كان أم من أي ديانة أخرى سيستنكر هذه المذابح الشنيعة التي لا يقبل بها أي دين، ولن يرى منفذيها سوى مجرد مجرمين يدّعون انتسابهم للإسلام، سواء كانوا من القاعدة أم من شبيحة النظام، أم عملاء لمخابرات أجنبية؛ ذلك لأن العنف بحد ذاته مرفوض، ولا يمارسه بهذا الشكل المريع إلا المرضى النفسيين، الذين يريدون من خلاله التنفيس عن حالات الكبت والقهر التي يعيشونها، وولدت فيهم مشاعر الحنق والكراهية، والرغبة في الانتقام، وتحقيق أي نصر مهما كان تافها، خاصة مع حالة الهزيمة الكاملة التي يعيشونها بدواخلهم، وتزداد هذه الظاهرة أكثر في الأوساط الاجتماعية المهمشة والمسحوقة، وبين الفئات الأقل حظا، التي لم تتلق أي مستوى من التعليم، ونشأت في ظروف سلبية، قادتهم إلى عالم الإجرام، أو دفعتهم للانضمام للجماعات المتشددة التي تحاكي نفسياتهم الضعيفة، وتلبي نزواتهم الشريرة البدائية، وهي تنظيمات في الأغلب الأحيان تحظى بدعم مخابرات أجنبية (بشكل خاص المخابرات الأمريكية)، لتستغلها في تمرير أجنداتها الخاصة.
وإذا كان تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات التكفيرية المتطرفة التي تسمي نفسها تنظيمات جهادية صنيعة المخابرات الأمريكية، أوجدتها لأغراض محددة، وما زالت تتحكم في عملياتها وتسيرها وفق سياسة أمريكية لا تحيد عنها أبدا؛ فإن الأمر ليس بهذه البساطة، بل هو في غاية التعقيد، حيث أن الأفكار المتطرفة التي يتبناها التنظيم لا تقل خطورة عن ممارسته، لأنها هي التي أوجدتها؛ وعلينا قبل إدانة العنف الذي تمارسه تلك التنظيمات أن ندين أيديولوجيايتها القائمة على التعصب والكراهية، سيما وأنها تنسبها للإسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق