أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 26، 2014

تنظيم القاعدة، هل هو صناعة أمريكية ؟!


في العراق، ومنذ الاحتلال الأمريكي، وحتى بعد رحيله، لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع فيه عن عملية تفجير انتحارية، يروح ضحيتها عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، وغالبا ما يتبنى تنظيم القاعدة المسؤولية عنها. وفي سوريا، لا يقل الأمر سوء، إذْ تنتشر فيها ظاهرة قطع الرؤوس بالسواطير على يد مسلحي داعش بحق كل من يعارضهم.
طبعا دون أن ننسى ممارسات الأنظمة الفاسدة في سوريا والعراق وغيرها من النظم الاستبدادية، وما تشهده سجونها من حالات تعذيب وحشية.
يشكك البعض في روايات التفجيرات وعمليات الذبح المنسوبة للقاعدة، ويعتبرها من تقنيات الفوتوشوب، فبركتها المخابرات الأمريكية بهدف الإساءة للثورة السورية وللمقاومة العراقية، وتشويه الإسلام، وإظهاره بصورة دموية إرهابية. وهذا الطرح إذا كان فيه جانب من الحقيقة، إلا أنه يغفل عن جانب آخر في غاية الأهمية.
فالتفجيرات عادة ما يتبعها بيانات تعلن فيها القاعدة المسؤولية عنها، ومشاهد الذبح بكل عناصرها يؤكد أن المنفذين هم من جماعة داعش؛ التنظيم المنبثق عن القاعدة؛ والذي بات مكشوفا أمام الجميع، بفكره وممارساته التي لا تمثل الإسلام، بل تسيء له، وبـأنه صنيعة جهات أجنبية؛ استخدمت عناصره لخدمة أغراضها السياسية، وهناك الكثير من علماء المسلمين امتلكوا الشجاعة الكافية لإدانته، وقالوا بكل صراحة ووضوح أنه تنظيم خارج عن الإسلام الصحيح، وأن أفعاله تلك هي أفعالا إجرامية لا يقبل بها الإسلام.
فإذا كان تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات التكفيرية المتطرفة التي تسمي نفسها تنظيمات جهادية صنيعة المخابرات الأمريكية، أوجدتها لأغراض محددة، وما زالت تتحكم في عملياتها وتسيرها وفق سياسة أمريكية لا تحيد عنها أبدا؛ فإن الأمر ليس بهذه البساطة، بل هو في غاية التعقيد، حيث أن الأفكار المتطرفة التي يتبناها التنظيم لا تقل خطورة عن ممارسته، لأنها هي التي أوجدتها. ومن أجل تفكيك الصورة، يجب تناولها من جانبين: المسار العملي التاريخي، الذي يتتبع نشأة التنظيم وارتباطاته وعملياته، والمسار النظري الذي يعرض أفكاره وأيديولوجيته.
المسار العملي والسياسي
في المسار العملي، يرى كثير من الباحثين أن أصل تنظيم القاعدة يرجع إلى أبو عبيدة البنشيري الذي أسس معسكرات التدريب في أفغانستان للأفغان العرب في فترة الاحتلال السوفييتي. بينما يرى باحثين آخرين أن القاعدة تشكلت في آب 1988، في اجتماع ضم عدد من قادة تنظيم الجهاد الإسلامي المصري مع أسامة بن لادن، وعبد الله عزام، "الأب الروحي" للتنظيم.
في هذا الجانب سنرى أن تنظيم القاعدة نشأ في أفغانستان وتحديدا في فترة حكم الطالبان، ومن المعلوم أن الطالبان نشأت وترعرعت في أحضان المخابرات الباكستانية بتنسيق كامل مع المخابرات الأمريكية (نظرا لطبيعة العلاقات التحالفية الإستراتيجية بين باكستان والولايات المتحدة)، وكان هذا في سياق الحرب الباردة، ضد النفوذ السوفييتي، في حينها تلقى العرب الأفغان (نواة القاعدة) مليارات الدولارات من السعودية بأمر من المخابرات الأمريكية، فضلا عن التسليح والدعم اللوجستي.
في بداية التسعينات انتهت الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفييتي، ونشأ نظام دولي أحادي القطبية تفردت فيه الولايات المتحدة، وحينها بدأ العالم بأكمله يتغير، إذ وجدت أمريكا نفسها قد فقدت المبرر الإستراتيجي لتوجهاتها العسكرية والأمنية، ونهجها العدواني، وبالتالي كان لزاما عليها البحث عن عدو جديد، وللأسف، وجدت ضالتها في الإسلام، ومن أجل ذلك كان لا بد لها من تشويه صورته، وربطه بالإرهاب، ليصبح الإرهاب الإسلامي عدو أمريكا الأول، ومبرر سياساتها الاستعمارية في ربوع الأرض. وفي هذه اللحظة الفاصلة عادت أمريكا لصنيعتها، لتجعل منها حصان طروادة الذي من خلاله ستدخل عمق الأراضي الإسلامية والعربية.
وهنا لا بد من التوضيح، فعندما نقول أن تنظيم القاعدة صنيعة أمريكية لا يعني هذا أن كل عناصره عملاء في المخابرات الأمريكية، ويتلقون أجرا مقابل خدماتهم، فكل عنصر من تنظيم القاعدة عندما يفجر نفسه في ميدان عام، أو عندما يذبح شخصا آخر إنما يظن نفسه يتقرب إلى الله سبحانه، بل ويعتقد أنه كلما تطرف أكثر كلما ضمن لنفسه مقعدا في الجنة، حيث أن أغلبيتهم ذوو ثقافة سطحية بالكاد قرأ الواحد منهم صفحتين طوال حياته، وبعضهم أمّي تماما، وهؤلاء يسهل قيادتهم وتوجيههم وغسل أدمغتهم. لكن المشكلة مع قياداتهم سواء من كان منهم مقتنعا بما يفعل، أو من كان مرتبطا بالمعنى الاحترافي بالمخابرات الأمريكية (مباشرة أو عبر وسيط ومموِّل). ومن ناحية ثانية فإن أي تنظيم (أو دولة أو حتى شخص) يرتبط بعلاقة تحالفية مع جهة أعلى منه لا يعني ذلك أنه فاقد لخياراته وتوجهاته، فحتى الابن الذي يربيه والده على مبادئ معينة عندما يكبر قد يتمرد على أبيه، بل وربما بصبح ألد أعدائه. وعلى هذه الأسس علينا أن نفهم طبيعة العلاقة بين القاعدة وأمريكا.
مع العلم، بأن قناعتي الشخصية أن تنظيم القاعدة ما هو إلا حالة متخيلة، أو ظاهرة صوتية، ضخمتها وسائل الإعلام، بل وأعادت إنتاجها لأغراض سياسية مدروسة، تفيد بشكل خاص في عمليات صناعة الرعب في المجتمع الأمريكي (والعالم) لتسهيل السيطرة عليه، وأيضاً في الحملات الانتخابية الأمريكية، حيث يجد فيها المرشحون مادة دسمة لجلب الناخبين، وهو في حقيقته مجرد تنظيم لا مركزي، هلامي، مفكك الأوصال، يفتقد لعناصر الترابط والقدرة على الاتصال والتحكم، وهو في كل بلد يمثل حالة منفصلة ومستقلة، ولا تربط هذه التشكيلات مع بعضها سوى عقيدة أيديولوجية واحدة، ومرجعية نظرية تتمثل في قيادة التنظيم وشخصياته المعروفة، ويكفي أن يعلن شخص ما يتولى قيادة التنظيم في أي بلد عن ولائه للظواهري أو لبن لادن حتى يصبح عمليا جزء من هذا التنظيم العالمي، ثم يتلقى من بعدها التمويل والتوجيه من قبل جهات أعلى (أجهزة المخابرات الدولية) ليركز عملياته في منطقة ما.
وبنظرة سريعة لتاريخ تنظيم القاعدة منذ نشأته، سنلاحظ كيف كان يتم استغلاله، وتوجيهه إلى أماكن معينة وبمواقيت مريبة؛ وأنه أينما حل حلَّ الخراب والدمار والفوضى، وبدأت النـزعات الانفصالية والحروب الأهلية بالشكل الذي ينتهي غالبا بمشاريع التقسيم، وبما يخدم السياسات الغربية، واللافت للنظر أن القاعدة لا تنشط إلا في المناطق المضطربة، حيث الصراعات العرقية والطائفية، وحيث تتكثف العشرات من أجهزة المخابرات الدولية، أو في مناطق الصراع على النفوذ الدولي: أفغانستان، وادي سوات في باكستان، البوسنة، الشيشان، سيناء، سورية، العراق، مالي، الصومال، اليمن، ليبيا.
ونلاحظ هنا سهولة انتقال عناصر التنظيم من بلد إلى آخر، وسهولة نقلهم للأسلحة والمعدات، في الوقت الذي تشهد فيه مطارات العالم ترتيبات أمنية مشددة على المسافرين، وهذه مسائل تحتاج إمكانيات مادية غير عادية، ومساعدات لوجستية، ومصادر تمويل، ومعسكرات تدريب، وقنوات اتصال ودعم، وعقول مدبرة، وغيرها من الترتيبات التي لا تقدر عليها إلا الدول. فمن أين يحصلون على كل هذه التسهيلات ! وكيف يبرزون فجأة دون مقدمات ؟ وكيف ينجح صحافيون في الوصول إلى قياداتهم، بينما تعجز عن ذلك المخابرات الدولية !!
ونلاحظ أيضا أن القاعدة لم تظهر في بلدان أخرى تنعم بالأمن النسبي (إيران وتركيا)، وإذا ظهرت سرعان ما يتم احتوائها، في الأردن مثلا ظهرت مجموعات جهادية محددة تمكنت المخابرات الأردنية من السيطرة عليها، بل وتوظيفها؛ إذ نفذت القاعدة تفجيرين إرهابيين، ثم توارت عن مسرح الأحداث. في السودان التي يحكمها نظام البشير وجد بن لادن ملاذا آمنا، بينما قام النظام بتسليم المناضل الأممي كارلوس للمخابرات الفرنسية، أما إيران فقد استضافت الزرقاوي سنة كاملة حين وصلها جريحا وأدخلته مستشفياتها بسرية تامة، ثم أعادت إطلاقه للعراق ليعيث فيها فسادا وتخريبا.
والغريب أن "مجاهدي" القاعدة جابوا ربوع الأرض، وافتلعوا المعارك والأزمات في كثير من البلدان، ومع ذلك لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد إسرائيل ! حتى ضرباتهم للأهداف الأمريكية هي في حقيقة الأمر ضربات في القشرة، تفيد أمريكا إعلاميا، ولا تشكل أي تهديد جدي لمصالحها الحيوية. 
في العراق، لعب تنظيم القاعدة الدور الأبرز في إثارة النعرات الطائفية، وتغذية أسباب استمرار حالة الفوضى التي تفيد بشكل خاص المحتل الأمريكي والنظام الفاسد، ثم ظهر تنظيم دولة الإسلام في العراق، الذي بدأ مشروع تقسيم العراق، حين أعلن عن حدود ولايته، واستبعد من خارطته المناطق ذات الأغلبية الشيعية أو الكردية.
ثم ظهر تنظيم داعش في سورية، للدخول على الثورة السورية وحرفها عن مسارها، ونزع سماتها السلمية، والخروج عن أهدافها، واختراقها وتشويه صورتها، حيث أشعل فيها فتيل الفتنة الطائفية، لتهيئة أجواء التقسيم.
أما سيناء، التي باتت المكان المفضل لإسرائيل لتنفيذ مخططاتها الأمنية في السيطرة على المنطقة وفرض مزيد من الهيمنة عليها، وكذلك مسرحا لأنشطة أجهزة استخباراتية لدول أخرى، وجد تنظيم القاعدة ضالته فيها، واتخذ منها مقرا لتنفيذ هجماته، بالقيام بسلسلة تفجيرات ضد الجيش والمنشأت الحكومية المصرية، لأسباب لها علاقة بحربه الكونية المعلنة على ما تسميه محور الشر، إلى جانب التواجد التقليدي لقوى قبلية، وجماعات التهريب المختلفة، وبعض العصابات الدولية، وما يسمح بنشوء هذه الحالة المتشابكة والمعقدة والوضع الأمني الهش في سيناء هو طبيعتها الجغرافية من جهة، وضعف التواجد العسكري والأمني للقوات المصرية من جهة ثانية، حتى أصبحت سيناء ثغرة خطيرة في جدار الأمن القومي المصري.
وفي الصومال التي يُضرب بها المثل في الفوضى والتخلف، وجد تنظيم القاعدة فيها مرتعا خصبا، حيث تسيطر التنظيمات المتشددة وأبرزها القاعدة على وسط الصومال وجنوبه، بينما يقع قسم كبير من البلاد خارج سيطرة المؤسسات الممثلة بالبرلمان والحكومة، بعد انفصال ما يسمى بجمهورية أرض الصومال، وهذه التنظيمات في حالة صراع دائم مع الحكومة على طريقة تطبيق الشريعة، أو بسبب عدم اقتناعها بمستوى إيمان الحكومة ! وفي النتيجة ورغم أن الطرفان يدعيان تطبيق الشريعة, إلا أن العمليات القتالية بينهما متواصلة وتجرُّ على البلاد مزيدا من الخراب والدمار.
في اليمن تخوض القاعدة حربها الكونية بأجندتها التي لا تنظر إلى اليمن إلا من زاوية موقعه الإستراتيجي على حدود النفط، حيث يمر أكثر من ستين في المائة من صادرات نفط المنطقة إلى العالم. فبعد أن وجدت القاعدة ملاذا لها على أرض الصومال انتقلت لليمن، لنسخ نموذج الصومال الميليشيوي والدويلاتي المتقاتل على الدوام، وجعل اليمن منطقة حروب وصراع دائم، تمهيدا لتقسيمه إلى دويلات: إيرانية حوثية في الشمال، و«قاعدية» في الوسط، وانفصالية مختلطة في الجنوب، كما تطمح لنسخ نموذج القرصنة الصومالي، ليس لأهداف الحصول على فدية مالية وحسب، وإنما قرصنة رسمية ذات هدف سياسي واستراتيجي تسعى من خلاله لإلزام دول العالم، فضلاً عن دول المنطقة تحديداً، بالتعامل معها مباشرة.
في باكستان تتواصل الحرب بين الحكومة والطالبان (الحلفاء التقليديين للقاعدة) في منطقة "وادي سوات"، إذْ لم يؤدي تطبيق الشريعة من قبل الحكومة ولا من قبل الطالبان نفسها إلى وقف نزيف الموت في الإقليم المضطرب، ولم يؤوي جموع المهجَّرين الفارين من المعارك، ولم يطعم آلاف البطون الجائعة التي تفترش الصحراء وتلتحف بردها القارص في واحدة من أقل مناطق العالم أمنا وأكثرها شقاء. وتتكرر نفس الصورة المأساوية في أفغانستان.
وقبل سنوات، أثارت أزمة شمال "مالي" انتباه العالم، خاصة بعد انتقال تنظيم القاعدة إلى هذه المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المالية وبين الانفصاليين الطوارق. حيث احتدم الصراع أكثر بعد سقوط نظام القذافي، وتدخل القوات الفرنسية. ويؤكد الكثير من المراقبين أن أسباب الصراع في مالي هو السيطرة على اليورانيوم، سيّما وأن المنافسة تشتد على استثمارات عملاقة في القارة الإفريقية بين الدول الصناعية، وقد دخلت أطراف عديدة على خط الصراع المحتدم في مالي، وتقاطعت مطالب الانفصال مع دعوات تطبيق الشريعة، وأهم الأطراف الفاعلة حركة أنصار الدين، وحركة أبناء الصحراء للعدالة الإسلامية وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، الذي فرض نفسه وصيا روحيا عليهم، باعتباره صاحب قصب السبق في إدخال الدعوة السلفية الجهادية إلى المنطقة؛ ويبدو أن التطرف الديني في هذه المنطقة المضطربة هو أسهل الطرق وأقصرها لتحقيق الزعامة وتوسعة مناطق النفوذ، تحت مسميات الدعوات الجهادية ومحاربة قوى الاستكبار العالمي.
وفي ليبيا الجديدة تتكرر نفس الصورة، حيث استفادت القاعدة من حالة الفوضى والانفلات الأمني بعد سقوط النظام، وتصاعد الصراع بين الميليشيات والحكومة المركزية خاصة على المناطق النفطية، وشيوع ظاهرة التطرف والهوس الديني التي نمت أساسا في أجواء الاستبداد في فترة حكم القذافي، ثم انفلتت من عقالها؛ وفي النتيجة صارت ليبيا غابة بنادق، ومأوى لقيادات القاعدة، وهي إلى جانب ذلك على حافة حرب أهلية قد تؤدي إلى تقسيم البلاد.
ومما سبق، تبين لنا دور القاعدة، وغيرها من التنظيمات المتطرفة في خدمة المشروع الأمريكي، وانكشفت الشراكة القائمه بينهم وبين إسرائيل في المساهمة الفعليه في تفتيت الدولة الوطنية والكيانات الإجتماعية، أي تقسيم المقسم، وتدمير بناها التحتية وضرب الجيش، وإضعاف مقدراته، والتحريض المذهبي والطائفي، وخطف الثورات الشعبية العربية، والذهاب بها بعيدا عن مصالح الجماهير وتطلعاتهم؛ وضرب النسيج الإجتماعي، وإهدار مليارات الدولارات التى أنفقت على التسليح والتدريب، فضلا عن إزهاق آلاف الأرواح تحت شعار خادع: تطبيق الشريعة.
المسار الأيديولوجي
يرى أغلب الباحثين أن "السلفية الجهادية" التي تشكلت أثناء مرحلة الصراع الأفغاني بين صفوف العرب الأفغان بشكل خاص، تمثل الأساس الفكري لتنظيم القاعدة، وهى محاوله للتوفيق بين السلفية وفتاوى بن تيمية، وأفكار محمد بن عبد الوهاب النجدي، وفكر سيد قطب وأبو الأعلى المودودي. هذه المحاولة انتحت نسقا فكريا متمايزا عن مكوناته السابقة، يجمع بين الطابع العقائدي السلفي والطابع السياسي القطبي.
وفي أواخر العام 1989 أعلن أسامة بن لادن في مدينة "بيشاور" عن بدء الجهاد الإسلامي العالمي ضد الصليبية واليهودية، مستندا إلى فكر عبد الله عزام في نظريته للجهاد؛ والتي تقوم على اعتبار أن أساس قوة الإسلام العالمي يجب أن تتركز في أرض إسلامية واحدة، وأنه بالجهاد يمكن الانتصار على الكافرين المعتدين, وإقامة دولة الإسلام في أفغانستان أولا، وبعد ذلك الانتقال لأرض إسلامية أخرى، حتى الوصول إلى تحرير جميع الأراضي الإسلامية, وإقامة دولة الخلافة، التي تمتد من إندونيسيا في الشرق حتى المغرب، وأسبانيا في الغرب. 
باحثين كثر رأوا أن تنظيم القاعدة الحالي تجاوز تلك المنظومة الأيديولوجية، وأوغلوا أكثر نحو مزيد من التطرف، لدرجة أنهم انقلبوا على بعض الأفكار، (تماما كما تخلى تيار عريض من جماعة الإخوان المسلمين عن أفكار ومبادئ حسن البنا لصالح أفكار سيد قطب المتشددة ذات الطابع التكفيري)، فمثلا، اعتبر عبد الله عزام أن الجهاد ضد "العدو القريب" (تحرير أفغانستان) أولى من "العدو البعيد" (الاتحاد السوفييتي)، لكن بن لادن وتنظيم القاعدة سيتبنى في مرحله لاحقه معادله عكسية هي أن جهاد العدو البعيد (والذي سيصبح أمريكا) أولى من جهاد العدو القريب (الحكام المسلمين). حيث أصدر أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في العام 1988 بيانا تحت اسم الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين، أعلنوا فيها (إن حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم في كل بلد متى تيسر له ذلك)، وطبقا لهذه الفتوى فإن تنظيم القاعدة يجيز قتل المدنيين من الأعداء وحلفائهم. 
وبذلك صار في مفهوم القاعدة أن قتال غير المسلمين فرض إلهي، يجب القيام به دون توقف، بحيث يشمل كل من هو غير مسلم، وبهذا المعنى تم تقسيم العالم إلى "فسطاسين" أو "دارين"، حسب التعبيرات الدارجة في أدبيات القاعدة: دار الإسلام ودار الكفر، وبينهما حرب لا تنتهي أبدا، وبالتالي يجب غزو العالم لنشر الدعوة. حتى معاهدات الصلح مع "الكفار" يجب أن تكون معاهدات مؤقتة تقتضي وجود مبررات لهذا الصلح، وفي حال زوال هذه المبررات تعود حالة الحرب المستمرة. وهذا يعني إباحة قتل أي شخص لمجرد أنه كافر، إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين (عبيدا وجواري).
وفي مرحلة لاحقة تبنى تنظيم القاعدة إباحة قتال الحكام المسلمين، وضرورة الصدام المسلح مع الحكومات والخروج عليها، وتفجير مقراتها وقتل رموزها، حتى لو أدى ذلك إلى تمزيق البلاد وإزهاق الأرواح.
ومن أهم المبادئ التي تقوم عليها أيديولوجية القاعدة مبدأ الولاء والبراء، أي مولاة كل من يؤيدهم، أو من ينضم إلى صفوفهم واعتباره حليفا، ومعاداة كل من لا يتفق معهم واعتباره عدوا يتوجب قتاله، وهو شبيه بالمبدأ الفاشي العنصري الذي يقول كل من ليس معنا فهو ضدنا. لكن أخطر مبادئهم ما يعرف بالتترس: أي جواز قتل المسلم إذا تترس (احتمى) به الكافر، كأساس شرعي لتبرير عمليات التفجيرات الانتحارية التي يترتب عليها قتل مسلمين أبرياء.
يرى كثير من الإسلاميين أن مبادئ القاعدة المستمدة من الفكر الوهابي المنغلق المتزمت تتناقض مع روح وجوهر الإسلام، حتى أنها تتعارض في بعض الأحيان مع فتاوى الأب الروحي للسفلية الجهادية ابن تيمية، مثل فتوى الخروج على الحاكم التي تتعارض مع فتوى ابن تيميه في أهل ماردين الشهيرة بـ"فتوى التتار": (عدم جواز الخروج على الحاكم المسلم، بل أن الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة).
وفي قضية قتال الآخرين الدائم (الكفار) سنرى أن أفكار القاعدة تتعارض مع أطروحات عدد كبير من علماء المسلمين الذي رأوا أنه لا يجوز للمسلمين غزو الكفار إذا كانوا آمنين على أنفسهم، إنما يجب الجهاد في حالة الخوف من شرهم وعدوانهم على المسلمين، وأيضا تتعارض مع أطروحات حزب التحرير الذي يشترط وجود دولة الخلافة لإعلان الجهاد. وأيضا أطروحات لإسلاميين معتدلين يدعون فيها للتوافق والصلح مع دول العالم، وبناء علاقات معها مبنية على السلام والحوار، والامتناع عن الحرب، وحل المشاكل بالوسائل السلمية، وتبليغ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة. وتتناقض حتى مع مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر، وهي أكثر الجماعات الاسلاميه انتقادا لتنظيم القاعدة، حيث يرى قادتها أن تنظيم القاعدة أضر بالإسلام في كل مكان، ففي القضية الفلسطينية أصبح نزفها أكثر من ذي قبل وتراجعت في ضمير العالم إلى المقاعد الأخيرة من حافلة الأحداث، كما أنه تسبب في احتلال أفغانستان، ومحو هويتها وضياع كفاح شعبها، كما ان تنظيم القاعدة ساعد بتفجيراته في 11 أيلول في احتلال العراق وتفكيك هويته وجرأة أميركا على العالم الإسلامي كله.
وتكمن خطورة أيديولوجية القاعدة بأنها اختزلت الإسلام العظيم بكل معانيه الرائعة ومقاصده السامية ومراميه النبيلة .. اختزلته في نظام عقوبات ينتهك كرامة الإنسان ويتعارض مع أبسط حقوقه، وجعلت منه مجرد شكليات تتعلق بالمظهر فقط، دون أن تقدم إجابة واحدة حقيقية على الأسئلة التي تحاصر الإنسان المقهور في هذا الزمن العصيب. وبدلا من ذلك، ركزت على الأمور السطحية والهامشية وتغافلت عن القضايا الكبرى والمصيرية التي تواجه الأمة، وسقطت في شراك الوهم وصغائر الأمور الذي قادها نحو مزيد من الضياع والتشتت، وجعلها تلجأ للعنف والحروب بدلا من التنمية والتقدم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق