أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 31، 2014

هكذا تُصنع الدكتاتوريات


كثير من الزعماء والقادة كانوا مفعمين بروح الثورة، ومشبّعين بعاطفة وطنية جارفة، ثم تحولوا إلى طغاة ومستبدين؛ ربما كانوا في البداية صادقين في نواياهم، ولكن فرديتهم، وتركز السلطات في أيديهم، وتوهّمهم بأنهم يمثلون الخير المطلق، جعلت منهم تجسيدا واقعيا للشر.

فبعد سنوات قليلة من الحكم، تتنامى نرجسيتهم بسرعة مذهلة؛ فلا يعودون يرون إلا صورهم على شاشات التلفاز، ولا يصدقون إلا تقارير المنافقين وهي تمدح انتصاراتهم وإنجازاتهم، ولا يسمعون إلا دوي تصفيق النخب الطفيلية التي تحيط بهم؛ حيث يحيط كل زعيم منهم نفسه بحاشية من أشباه المثقفين، ينجحون في تحويله من رجل نقي في وطنيته إلى نيرون جديد، وعادة ما تكون طبائع الاستبداد حاضرة في شخصه، ثم يعكسها على بنية نظامه؛ فما أن يستلم الحكم حتى يطهّر الحزب والحكومة من المعارضة، ومن كل من يتوجس منهم، أو من لا يثق بهم، ثم يمتد بطشه للشعب.

وهؤلاء، لا يمثل القمع في نظرهم إلا تضحية لا بد منها مقابل الانجازات الكبرى، والإرهاب هو استعراض لقوة الدولة، أو أداة لمواصلة المسير حتى النهاية. أصحاب هذه الشعارات، لا يهتمون بمتابعة تفاصيل الحياة اليومية للشعب، ولا يرون بؤس الناس وفقرهم ومعاناتهم، ولا يزورون سجون الدولة، ليروا كيف يعامَل السجناء، وكيف تطبَّق نظرياتهم الثورية على الأرض، فهذا ليس شأنهم؛ مهمتهم هي الدفاع عن انجازات الثورة ضد أعدائها، وضد العناصر المخربة بالمجتمع. وتحت ستار هذه الشعارات الرنانة يرتكبون أبشع الجرائم، ويتحولون إلى طغاة ومستبدين.

"صدام حسين"، على سبيل المثال، كان بعثيا صادقا، وعراقيا بامتياز؛ كانت لديه رؤية بعيدة المدى لعراق منيع مزدهر، بيد أنه بدلا من توجيه مقدرات بلاده في مجالات التنمية، أهدرها على التسليح وبناء الأجهزة الأمنية، وورط بلاده بسلسلة من الحروب أريقت فيها أنهار من الدماء، سُفحت دفاعا عن حلم مجنون، أراد تحقيقه بأسلوبه الخاص الذي يقبل التضحية بملايين الناس.

"حافظ الأسد"، كمثال أشد وضوحا، قام بانقلاب باسم الثورة التصحيحية، وتحت هذا الشعار حوَّل حياة السوريين إلى كابوس، جثم فوق صدورهم ثلاثون عاما، ثم ورَّث السلطة لابنه "بشار"، الذي واصل مسيرة القمع بنفس النهج الدكتاتوري. ونفس الصورة تتكرر في نظام "علي عبد الله صالح" في اليمن، ونظام "القذافي"، بل وفي كافة الأنظمة العربية.

ولو ألقينا نظرة سريعة على تاريخ الطواغيت في العالم، لوجدنا كل ما هو عجيب وغريب، ومثير للاشمئزاز، وسجل حافل بالقمع والإرهاب، والمثير للدهشة أنهم كانوا يمارسون جرائمهم تحت شعارات براقة ..

"أدولف هتلر"، أبرز مثال على الحكم الدكتاتوري، آمن "الفوهرر" بتفوق الأمة الألمانية، وتميزها عن باقي الشعوب، قاتل بشجاعة في الحرب العالمية الأولى، وأصيب بخيبة أمل جراء هزيمة شعبة، وبسبب ما تعرض له وطنه، أسس حزب العمال الوطني الاشتراكي (النازي)، وحاول إعادة انبعاث أمته، تدرج في الجيش حتى وصل سدة الحكم (بالانتخابات) .. لكن تعصبه وعنصريته، حولته إلى مجرم حرب، فقُتل بسبب أحلامه المجنونة ما يربو عن الخمسين مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية. طبعا لا يتحمل وحده كل المسؤولية عن كل تلك الأرواح التي زهقت؛ فمثله كل القادة والزعماء الذين كانوا يضعون شعوبهم حطبا لحروبهم ومطامحهم، وأطماعهم الشخصية، ولكن مع اختلاف الرايات والشعارات.

"جوزيف ستالين"، من جانب آخر، مثل نموذجا مختلفا للاستبداد؛ بدأ ستالين حياته مناضلا شيوعيا، لكن سنوات حكمه كانت الأشد وطأة على حياة الشعوب السوفييتية، بالرغم من الانجازات الكبرى التي تحققت في عهده، إلا أن الجانب الآخر المعتم يحكي عن تفاصيل مرعبة: اقتلاع الأقليات العرقية من موطنها، وتهجيرها، معسكرات الاعتقال الرهيبة، حملات التصفية والتطهير، والإبادة الجماعية لكل خصومه، حملات الإعدام، المحاكمات الصورية، الحروب والمجاعات ...

المدافعون عن ستالين يقولون أن عدد ضحاياه لم يتجاوز عشرات الآلاف؛ بيد أن السؤال هو: لماذا يُقتل إنسان بريء واحد في بلد يدعي العدالة والاشتراكية ؟ ولماذا أكلت الثورة أبناءها ؟ وكيف تحول الحلم الجميل بانعتاق البشرية إلى عبودية مطلقة، وكيف انقلبت الجنة الموعودة إلى جحيم ؟

في عهده انتزع مئات الألوف من البشر بالقوة من منازلهم، كل من كان يشك في إخلاصه كان يساق للمعتقل، يعذب بشدة، لانتزاع أي اعتراف منه، ثم يقدم لمحاكم صورية، بدون محامي دفاع، وغالبا بدون حضور المتهم نفسه، وبدون استئناف، ومن يُدان ينفذ فيه حكم الإعدام فوراً.

بعض الإحصائيات تشير إلى أن حوالي أربعة ملايين إنسان اتهموا وأدينوا بجرائم ضد الدولة خلال الحقبة بين 1930 ~ 1953، من بينهم 800,000 قتلوا رمياً بالرصاص، نسبة كبيرة منهم كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي، حتى أن الإعدامات وصلت للهيئات القيادية العليا، خمسة من أعضاء المكتب السياسي أعدموا، والمئات من أعضاء اللجنة المركزية للحزب.

في أوكرانيا حصدت المجاعة حياة ثلاثة مليون إنسان، بعضهم حمّل مسؤوليتها لكبار الإقطاعيين الذين رفضوا اشتراكية ستالين، وفضلوا حرق زرعهم وقتل مواشيهم على تسليمها، وبعضهم حمل المسؤولية لستالين، الذي خصص إنتاج أوكرانيا الزراعي بالكامل للجيش ولبقية المقاطعات، وترك شعبها يموت جوعا.

وفي مثال آخر، لا يقل دموية: الرئيس الأوغندي الأسبق "عيدي أمين"، الذي اشتهر بهوسه وعاداته الغريبة حتى باتت المادة المفضلة للصحافيين. كل من عمل معه أو اقترب منه كان يعرف أنه شخص خطر، لا يمكن توقع أفعاله، ولعل طفولته المعذبة وحياة الذل التي عاشها في شبابه، انعكست على شخصيته؛ فصار ينـزع إلى الانتقام والعنف، وفي أواخر عهده أصيب بجنون العظمة، إذ منح نفسه لقب "الأب الأكبر" و "أعظم رئيس في العالم"، أما لقبه الرسمي فكان: "صاحب السيادة فاتح الإمبراطورية البريطانية، الحاج الماريشال الدكتور عيدي أمين دادا، الرئيس مدى الحياة لجمهورية أوغندا، القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس مجلس الشرطة والسجون".

بعد أن كان مساعد طباخ في الكتيبة البريطانية، خدم في الجيش البريطاني وشارك في قمع ثورة "الماو الماو" في مستهل الخمسينيات، ثم أصبح ضابطا إبان الاستقلال عام 1961، وسرعان ما علا شأنه، ليتولى منصب قائد الجيش بعد خمس سنوات. وفي بداية السبعينات قام بانقلاب أطاح بنظام "ميلتون أوبوتي". كانت سنوات حكمه الثماني الأسوأ في تاريخ أوغندا، إذ شهدت عمليات قتل جماعية بوحشية قل نظيرها، أدت إلى مقتل 10% من شعب أوغندا، وإبادة قبائل بأكملها كانت معارضة له، مما جعل نظامه واحدا من أعنف الأنظمة في تاريخ القارة السوداء.

ومن غرائب أطواره أنه كان لديه خمسين ابنا، وقد عثر على جثة إحدى زوجاته مقطعة إربا في سيارة، وتحدث خدم عملوا سابقا لديه عن رؤوس بشرية موضوعة في ثلاجات قصره. ومن طرائفه أنه عرض على الرئيس التنـزاني "جوليوس نيريري" الذي كان ألد أعدائه في المنطقة، تسوية خلافاتهما في حلبة الملاكمة، حيث أنه كان قد حاز بطولة أوغندا للملاكمة للوزن الثقيل.

وأيضاً، الرئيس الروماني الأسبق "نيكولاي تشاوتشيسكو" ( 1965 ~ 1989) بدأ حياته صانع أحذية، ثم التحق بالحزب الشيوعي حتى صار أمينه العام، حكم البلاد بقبضة من حديد، وإتسم حكمه بالشدة والبطش والفساد، على الرغم من بعض الإنجازات التي حققها هنا وهناك؛ إلا أن الأسواق كانت على الدوام تشهد نقصا حاد في العديد من السلع التموينية، والناس تعيش حياة بالغة التقشف، في نظام أمني قمعي لم يعرف مثله مثيل؛ فقد تمكن من خلال بوليسه السري مرهوب الجانب، ومن خلال شبكة واسعة من المخبرين أن يفرض حالة من الذعر الدائم. في نهاية حياته أصيب "تشاوشيسكو" بجنون العظمة، فكان يطلق على نفسه ألقابا تحاكي نرجسيته: القائد العظيم، والملهم، ودانوب الفكر، والمنار المضيء .. وكان لا يقبل أي انتقاد، ولا يبدى أية رحمة لمعارضيه، حتى قامت عليه ثورة شعبية أيدها الجيش في العام 1989، وبعد إلقاء القبض عليه حُكم بالإعدام مع وزوجته بتهمة القتل والاختلاس، وقد نُفذ الحكم على شاشات التلفزيون.

لا يعني أن هؤلاء وحدهم من كانوا طغاة؛ فالتاريخ مليء بالأمثلة، فلا يعني أن أي حاكم لم يرد ذكره هنا أنه بريء من تهمة الاستبداد، حتى أولئك الذين نظنهم ثوريون وقادة عظام، وبنوا أمجادا لشعوبهم، لو دققنا النظر قليلا لوجدنا أن كل صرح شيدوه، وكل مجد حققوه، إنما قام على أكتاف المقهورين، الذين اكتوت جلودهم بسياط الذل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق