أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 21، 2013

تأملات في خريف العمر


أبدع صديقي "عماد الأصفر" في وصفه هموم جيلنا؛ نحن البالغون من العمر عتـيّا، وعماد يكبرني بعام واحد، لذا أشاركه رؤيته، وأثني عليها، وأحببت أن أقتبس من مداخلته الرائعة بعضاً مما قال: "نحن أبناء جيل لم ندخل الحضانات النموذجية، ولا رياض الأطفال العصرية، وكانت مدارسنا الإبتدائية تفصل الذكور عن الإناث، ولم نبدأ بتعلم الإنجليزية (التي تُدرس في الحضانة هذه الأيام) إلا مع دخولنا الصف الخامس". ويصف "الأصفر" بلغته الأنيقة قفزات جيلنا عن المراحل بسرعات كانت تفوق قدرتنا على الاستيعاب: "لم تتوقف أمهاتنا ولا آبائنا ولا أولي الأمر منّا عن مطالبتنا بأن نتجاوز طفولتنا لنصير فتيانا أشداء، وبعد فتوّتنا لنصير شبابا، ثم رجالا وسيدات، دون أن نحس بالزمن الذي ينساب من بين أصابعنا، وظل سؤالهم الاستنكاري يطاردنا: متى ستكبرون ؟ وماذا تريدون أن تصبحوا عندما تكبرون ؟ ومتى ستتوقفون عن ألعاب الصغار ؟ متى ستتولون المسؤولية ؟ متى ستتزوجون وتبنون بيوتاً وتنجبون أطفالا ؟ متى ستتقاعدون ؟ متى ستحجّون ؟". وأضيف: متى ستموتون ؟!
وفي وصفه تقلبات الزمان وتغيرات البيئة السياسية، يستنكر عماد ما أصابنا من حيرة وآلام نفسية كانت توجعنا كلما انتهت مرحلة وبدأت أخرى: "نحن أبناء جيل أُشغل ذكوره وإناثه بجلسات فكر سياسي، ودراسة كتب تنظيمية، وطُلب إلينا فهمها وممارستها والتبشير بها، وعندما آمنّا بها، ونقلناها للآخرين فوجئنا بانهيار ما فيها عملياً، وفوجئنا أكثر من ردة فعل أصحابها ومنظّريها". فبعد أن انتمينا للإخوان اكتشفنا أن فلسطين في آخر أولوياتها، ثم صدمنا بتفريخاتها من التكفيريين والإرهابيين، وبعد أن اقتنعنا باليسار والاشتراكية إنهارت المنظومة الاشتراكية كلها، وبعد أن نظّرنا للكفاح المسلح ولفتح الثورة فوجئنا بأوسلو. وهذا ما اعتبره صديقي عماد: هباء منثورا، وجهود سُفكت على مدى عشرات السنين من الالتزام، وبات من حقنا أن نستردها بالطريقة التي نراها مناسبة.
وعن تكويننا النفسي كَتب: "نحن أبناء جيل أَقحم الكبارُ في وجدان أبنائه وبناته أفكاراً مشوهة عند تصنيف ما هو عيب ومخجل ومخزي وغير مؤدب، وكان هذا التصنيف الأظلم في التاريخ والأشد جورا وتعسفاً، حتى أنه طال كل مناحي الحياة، وشمل المأكل والمشرب والملبس وطريقة الجلوس وإلقاء التحية والمشي والحديث مع الكبار حتى الرغبة في السؤال، لقد قضينا ردحا من الزمان ونحن نحاكم هذا التصنيف وندرس مرجعياته حتى نميز خبيثه عن طيبه، ونجاهد أنفسنا كي لا ننقله لأبنائنا بنفس الصورة، إن هذا الردح من الزمن الضائع، والجهد الإضافي المبذول في التخلص من الشوائب والزرع الضار، زمنٌ واجب التعويض، ونحن سنعمل على إضافته إلى سنيّ الاستهتار التي قررنا عيشها طولا وعرضاً". ويضيف: إننا أبناء جيل دفعنا أعمارنا وحياتنا على مذبح الجد والوقار قبل الأوان، واكتشفنا لاحقا أن الجد الذي ضحينا بطفولتنا وشبابنا من أجله لم يكن جدا ولا جادا ولا يستحق، وأن الوقار الذي أُجبرنا على اتباعه كان مجرد شكليات فارغة". وينهي مقالته بتساؤل مرير: هل سنواصل حيواتنا مرهونين لأرواح أسلافنا، أم سنواصلها بشكل جديد، لكي نسترد ما فات من أعمارنا، ونحظى بلحظات من المرح، ونمنحها لأحبتنا ولأولادنا ؟!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق