أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 16، 2013

خـواطـر ثلجــية

بعد منتصف ليلة أمس بقليل، وبينما كنتُ متدثرا بالفراش الدافيء، سمعتُ صوتَ جرافةٍ تحت نافذتي، تروح وتجيء في حركة دؤوبة، ألقيتُ نظرة من وراء الزجاج البارد، فعرفت أنها من ضمن آليات البلدية التي تفتح الطرق، وددتُ لو أتمكن من الخروج وأقدم لهذا السائق المثابر "كاسة شاي" ساخنة، لكني – وللأسف – آثرت الدفء، مكتفيا بشكره في قلبي. في الصباح، تشكلتْ طبقة رقيقة من الجليد بفعل برودة الجو التي انخفضت إلى ما دون الصفر، فصارت الأرض والشوارع زلقة، سمعتُ أحدهم يلعنُ البلديةَ والحكومة والسلطة وحتى الأمم المتحدة، لأنها أخفقت في توفير ممر آمن له، فتزحلق.
عدد كبير من المواطنين يستعدون لرفع قضايا ضد شركة الكهرباء، لأنها ألحقت بهم خسائر مادية ومعنوية. وهناك سيلٌ من الاتهامات والانتقادات والشتائم انصبت على البلديات ووزارة الأشغال وكافة الهيئات المسؤولة، لأن العاصفة الثلجية - في نظر البعض - كشفت عن هشاشة البنية التحتية، وعن مكامن الضعف والفساد، وعن عدم الجاهزية لمواجهة الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ.
البعض الآخر، دعا للتعامل بإيجابية وبروح من التعاون مع الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، وتأجيل اللوم والمحاسبة لما بعد انقضاء الغمة، وزوال الخطر. حسنا، هذا جيد، وبانتظار أن نعرف لاحقاً إذا كان فعلا هناك تقصير واستهتار وسوء تقدير للموقف من قبل المسؤولين، أم أن العاصفة الثلجية وكميات الأمطار وسرعة الرياح كانت هذه المرة أقوى من أي استعداد، وأن أي بنية تحتية لن تصمد طويلا أمام غضب الطبيعة. وربما نكتشف أن الجهات المختصة قامت بواجبها على أحسن وجه ممكن !
البعض انتقد إغلاق المدارس، لأن المدارس والمؤسسات لا تعطل أبداً في أوروبا، وهي بلاد الثلج والجليد ! حسنا، ولكن إذا تمكن الطلبة من الوصول، فكيف يدرسون وثيابهم مبتلة، وأرجلهم متجمدة، في غرف صفية ليس فيها تدفئة ؟ ومن يضمن سلامتهم ؟
بموازاة نقد الآخرين، علينا أن نقوم بعمليات نقد ذاتي، تطال كل السلوكيات الخاطئة من قبل المواطنين، التي أدت إلى  مفاقمة الأخطار ومضاعفة الخسائر .. فهل يُعقل مثلا أن يشتري أحدهم عشر أضعاف حاجته من الخبز، كما لو أن الإغلاق سيدوم شهرا كاملا !! أو أن يخرج بسيارته (غير المؤهلة) لشراء كستنة ! أو يلقي بالثلج من أمام بيته على الطريق ! أو على الرصيف دون أن يعبأ بالأشجار ! أو يتسبب بإغلاق الطريق لأنه خرج لالتقاط صورة ! أو أن يخرج بدون سبب، لمجرد أن سيارته بدفع رباعي ! أو أن يستغل الفرصة فيفتح المجاري ! أو أن يكوّم أكياس القمامة فوق الحاوية، مع علمهِ بأن سيارة جمع النفايات لن تأتي لأيام عديدة ! 
ولا يجب أن ننسى أنه بينما ننعم نحن بالدفء داخل بيوتنا، هناك جنود مجهولون، من الدفاع المدني والشرطة والبلديات وشركة الكهرباء وغيرهم، يعملون بصمت، على مدار الساعة وفي ظروف شديدة القسوة، علينا أن نشكرهم.
صحيح أن من واجبات الحكومة فتح الشوارع، وتنظيفها؛ لكن العمل التطوعي والمبادرات الفردية والجماعية مش عيب، ومش لازم نمن على الآخرين بما نقوم به .. اليوم صباحا خرجتُ في نيتي الوصول للعمل، كانت المواصلات العامة شبه مقطوعة، سيارة خاصة أقلتنا (رجلين وامرأتين) تعرفنا على بعض، وتحدثنا عن الأوضاع السيئة في غزة.
ورغم الخسائر الفادحة التي خلفتها "أليكسا" فقد تفتحت قريحة الكثيرين، وظهرت إبداعات الشعر والتصوير، ومع انقطاع الكهرباء، عاد التواصل الاجتماعي كما كان في سالف الزمان .. على ضوء الشموع، حميما، عائليا، نافضاً عن كاهليه تبعات التكنولوجيا الحديثة ومخترعاتها .. ولو لفترة قصيرة ..
الفيسبوك مثلا امتلأ عن آخره بصور الثلج، ولم يبق إنسانا على وجه الأرض إلا وعرف أن بلادنا غرقت في الثلج، ولحسن الحظ هناك ما يشبه الإجماع على تذكُّر عذابات اللاجئين السوريين ومعاناتهم، وهذا أضعف الإيمان، وإذا لم يكن هذا كافيا، علينا على الأقل أن نرفض الحرب واستمرارها، وأن نلعن الفتنة ومشعليها.
انتهت "أليكسا" وبانتظار "ناتاشا" .. (وبالمناسبة "الناسا" ليست محطة للرصد الجوي، إنها وكالة الفضاء الأمريكية)، علينا أن نتعلم، وأن نعتاد على مواجهة الصعاب .. وكل منخفض وأنتم بخير ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق