أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 29، 2013

عن الصراع الدائر في مصر


من وجهة نظري، فإن الصراع الدائر في مصر، في جوهره صراع بين مشروعين: الإسلام السياسي من جهة والمشروع الوطني القومي من جهة أخرى، الأول تمثله جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، والثاني تمثله الأحزاب الليبرالية واليسارية والوطنية والناصرية وقوى المجتمع المدني. وهو صراع سياسي بامتياز، يدور بين قوى وأحزاب "سياسية" تسعى للوصول للسلطة، أو لفرض مفاهيمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية على المجتمع، وما "الدين" في هذا الصراع المحتدم إلا غطاء تستخدمه قوى الإسلام السياسي لكسب التأييد الجماهيري، أو لتبرير أهدافها الدنيوية، كما تستخدم القوى الأخرى "الديمقراطية" بنفس الآلية ونفس الأسلوب. 

وفي سياق هذا الصراع تظهر ممارسات ومسلكيات من كلا الطرفين تتناقض مع ما يدعوان إليه؛ فكما تتناقض قوى الإسلام السياسي بممارستها وخطابها مع جوهر الدين ورسالة الإسلام السمحة الحضارية، أيضا تتناقض القوى الليبرالية في ممارساتها مع روح وجوهر الديمقراطية. فإذا كان الإسلام رسالة المحبة والرحمة والعدالة للناس أجمعين، فإن ما نراه من سلوك عنيف وخطاب تحريضي إقصائي يمارسه الإخوان يتنافى مع روح ورسالة الإسلام، كذلك فإن اللجوء للقوة وقتل المتظاهرين وقمعهم كما يفعل الجيش المصري يتنافى مع معاني الديمقراطية ومقاصدها.

وبصرف النظر عن أسباب الأزمة، وتحديد أي من الطرفين على حق، لنركز قليلا على الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان، والذي بنى دفاعه على أساس قضية "صندوق الانتخابات"، وشرعية الرئيس "المنتخب"، ورفضه "الانقلاب" ودفاعه عن "الديمقراطية"، ورفضه "حكم العسكر، والدفاع عن "الشرعية" ... ليتضح لنا - ودون كثير من العناء - أن كل هذه المصطلحات دخيلة على خطاب الإسلام السياسي التقليدي، ولم تكن يوما ضمن مفرداته، ولم يتبناها أي برنامج للإخوان قبل ثورة 25 يناير وما تلاها. بل أن قوى إسلامية أخرى (حزب التحرير مثلا) تعتبرها مصطلحات دخيلة على الإسلام نفسه ولا تمت للدين الإسلامي بصلة. وهذا يؤكد أن جماعة الإخوان حزب سياسي براغماتي، لديها من المرونة السياسية ما يسمح لها بتبني أي نهج سياسي يوصلها للسلطة، ولديها من العناد والتشبث بالسلطة ما يسمح لها بتبرير الدخول في حرب أهلية (ستسميها جهاداً في سبيل الله) وللدفاع عن مكتسباتها السياسية بأي ثمن، وبأي طريقة. وهي في هذا لا تختلف عن أي حزب سياسي علماني.
وطالما أن الإخوان يعتبرون أن صندوق الانتخابات هو الذي منح الرئيس مرسي الشرعية؛ فإن صندوق الانتخابات ما هو إلا معطى بشري، أفرزته الرأسمالية كآلية لتداول السلطة، وهو ليس من صلب الإسلام، وبالتالي من غير المقبول الزج بالإسلام في معركة معيارها وهدفها سياسي دنيوي بحت.

ومن أجل حشد الرأي الشعبي لصالحها، وتأليب العالم ضد خصومها تصور جماعة الإخوان صراعها مع الدولة المصرية الحالية (الجيش والرئاسة ومؤيديهم) على أنه دفاع الجماعة عن الإسلام، ومواجهة منها لمؤامرة دولية هدفها إقصاء الإسلام عن الحكم .. وهي بذلك تعني أنها تحتكر تمثيل الإسلام، وتدعي أنها وصية عليه، وبالتالي فإن خصومها هم أعداء للإسلام، وكفرة ..

عند هذه النقطة تصل الأزمة إلى مرحلة غاية في التعقيد، تمثلها معادلة صفرية تقتضي من الطرفين الدخول في صراع عقائدي لا ينتهي إلا بإقصاء أحد الطرفين للآخر، والقضاء عليه، وهذا يعني تجريد الصراع من أبعاده السياسية وتحويله إلى صراع ديني تتورط فيه قوى الكفر وحلفائها وأدواتها في المنطقة ضد جماعة الإسلام .. فإلى أي مدى هذا الطرح سليم ؟!

فإذا كان طرحا صحيحا، فكيف تفسر جماعة الإخوان مشاركتها نظام الحكم السابق، ودخولها البرلمان أكثر من مرة، وكيف تفسر دعواتها السابقة للشراكة وتقاسم السلطة في إطار مؤسسات الدولة مع نفس القوى التي تتهمها اليوم بالكفر ؟ وهذا ينطبق بطبيعة الحال على دول أخرى غير مصر، شكَّل الإخوان فيها جزء من التحالف الحاكم.

وإذا كان هذا الطرح غير صحيح؛ فإن ذلك يتطلب منا إرجاع الصراع إلى أبعاده ومضامينه الحقيقة، وفهمه فهما موضوعيا تاريخيا، بدون عبارات البلاغة وخطابات الأيديولوجية ودعوات التحريض. وهذا يعيدنا للمربع الأول؛ المربع الذي من خلاله نفهم الصراع الدائر في مصر (وفي غيرها) على حقيقته، ويكشف عن وهن وضعف الشعارات التي ترفعها جماعات الإسلام السياسي وتناقضها مع مبادئها ومواقفها السابقة، ويؤكد أنه صراع سياسي محض بين بشر عاديين يتقاتلون على السلطة، ويعطينا الحق بانتقاد أحزاب الإسلام السياسي بنفس القدر والشكل الذي ننتقد فيه الأحزاب الأخرى غير الإسلامية.

تعتقد جماعة الإخوان (أو أنها تروج) بأن خروجها من الحكم يعني القضاء على المشروع الإسلامي!؟ علما بأن لا خروجها من الحكم أضر بالإسلام، ولا استلامها إياه سنة كاملة أفاده بشيء. فالإسلام دين الله الخالد الذي لا يتأثر بحزب هنا، أو جماعة هناك. مع ضرورة التذكير أيضا بأن خصوم الإخوان ليسوا كفرة، بل هم مسلمون، وربما أكثر تدينا من غيرهم، ولا يحق لأحد تكفيرهم. وهنا، من المفيد التذكير بأن لا وفاة الرسول، ولا حروب الردة، ولا خلافات الصحابة واقتتالهم فينا بينهم، ولا انتهاء الخلافة الراشدة أدى إلى انتهاء الإسلام، أو انتقص من قيمته، أو حتى أثَّر عليه.

وتتهم جماعة الإخوان خصومها بأنهم انقلابيين .. وهذا يقودنا إلى السؤال: هل الانقلاب على الحاكم في الإسلام حرام شرعا؟ طبعا هنا لا نبرر الانقلاب ولا نوافق عليه بالضرورة، ولكن ألا يعتبر تاريخ الدولة الإسلامية منذ أن انقلب معاوية على علي وحتى نهاية الدولة العثمانية سلسلة من الانقلابات، وصلت إلى الحد الذي ينقلب فيه الخليفة على شقيقه ؟

وكيف تفسر تأييدها لانقلاب البشير على الرئيس المنتخب "الصادق المهدي"، وتأييدها انقلاب حماس في غزة ؟!

قد يكون للإخوان مطالب محقة، في الدفاع عن مكتسباتهم، وعن حق الملايين الذين انتخبوهم، والذين صبروا شهرا ونصف معتصمين في الساحات. كما للجيش مطالب محقة في الدفاع عن الأمن القومي المصري، وحماية السلم الأهلي، وحماية حق الملايين من الناس الذين خرجوا يطالبون بانتخابات مبكرة، ولكن ليس من حق أي طرف اللجوء للعنف، فلا شيء يبرر القتل، ولا شيء يبرر العنف .. لا السلطة ولا الدفاع عنها .. سيما وأن طرفي النزاع مصريين مخلصين لوطنهم، بإمكانهم، بل من واجبهم أن يشتركوا في بناء دولتهم .. وكل قتيل كان جنديا أم مواطنا هو أولا إنسان، وثانيا هو مواطن .. موته خسارة فادحة لأهله ولبلده، وإذا افتتحت دائرة العنف فلن تغلق أبدا .. ولن يخرج منها منتصرا إلا أعداء مصر ..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق