أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 29، 2013

سورية .. نذر الحرب والدمار الشامل

لا يختلف المشهد السوري الآن عن مشهد العراق قبل عشرة سنوات، فقبيل عدوانها على العراق شنّت أمريكا حملة إعلامية ضده، زعمت فيها امتلاك النظام لأسلحة الدمار الشامل، وكان مفتشو الأمم المتحدة يجوبون البلاد من شمالها إلى جنوبها بحثا عن أي دليل يؤكد مزاعمهم؛ وبالرغم عن إخفاقهم في تقديم أي دليل إلا أن أمريكا شنت حربا قذرة، ما زال العراقيون يدفعون ثمنها من أرواحهم ودمائهم حتى هذه اللحظة.

قبل أيام، تعرضت غوطة دمشق لهجوم كيماوي غادر، نجم عنه مجزرة بشعة ما زالت صورها تقطع نياط القلب، حيث قُتل فيها مئات الأطفال. وعلى الفور توجهت أصابع الاتهام نحو النظام السوري، بعض المراقبين استبعدوا تورط النظام في الهجوم، معتمدين في ذلك على نقطتين: الأولى أن هجوم من هذا النوع لا يمكن إلا أن يكون عملا مجنونا، بل انتحار، ومن الغباء أن يقدم عليه الأسد في الوقت الذي كان فيه المراقبين الدوليين متواجدين في سورية، والثانية: أن الهجوم استهدف مناطق مدنية، وجُل الضحايا من النساء والأطفال، وبالتالي لا قيمة عسكرية للهجوم. مرجحين أن يكون بعض الثوار قد نجحوا في السيطرة على أحد مخازن السلاح الكيماوي وأرادوا جر العالم إلى حملة موضعية تؤدي إلى إسقاط النظام؛ أو أن إحدى الجماعات الإرهابية أرادت أن تستغل الحرب الداخلية في سورية لخلط الأوراق، وتعميق الشرخ بين الجماعات المتصارعة. على أية حال فإن تبرئة النظام من هذه المذبحة لا تعفيه من المسؤولية عن مذابح أخرى كثيرة، ولن يفيد بشيء اتهام المعارضة، لأن المجتمع الدولي حسم أمره؛ وما تفتيش اللجان الدولية إلا لتوفير الذريعة لتدخل الناتو وتوجيه ضربة عسكرية ضد النظام، حيث أن تقريرها الفني معد مسبقا.

علما بأن الولايات المتحدة ترددت كثيرا  إزاء التدخل العسكري في سوريا على مدار العامين ونصف منذ بدء الأزمة، إلا أنها هذه المرة على ما يبدو جادة في تهديداتها بالتدخل، خاصة وأن موقفها الجديد تدعمه بعض الدول الأوروبية الفاعلة في الناتو، وتدعمه أيضا بقوة تركيا، ودولا عربية عديدة مثل قطر والسعودية والأردن، الذي ترابط فيه قوات أمريكية مدعومة بالطائرات الحربية وبطاريات الباتريوت.

ومع أن قادة البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأمريكية يتذكرون التعقيدات التي أثارتها التقارير الكاذبة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، والمغامرة التي أضرت كثيرا بسمعة الجيش الأميركي، ومع أن الإدارة الأمريكية تعلم أنها قد لا تنجح باستصدار قرار من مجلس الأمن بسبب الموقف الروسي والصيني؛ إلا أن هذا لن يردعها عن توجيه ضربة من مسافة آمنة تحقق لها مبتغاها من التدخل.

ومن المهم أن ندرك أن اهتمامات واشنطن بمذبحة الكيماوي لا علاقة لها بالشعب السوري ومعاناته؛ وإنما هي مهتمة هي بمسألة السلاح الكيماوي نفسه، وتخشى أن يستخدم بصورة فجائية ضد مدن إسرائيلية، ومن ناحية ثانية، ربما أن أمريكا لا تريد التورط بدخول المستنقع السوري، وتكرار فشلها في العراق، لذلك ستلجأ للضربات الجوية وصواريخ كروز بعيدة المدى، بحيث تسلطها على أهداف محددة، لتدمير القوة الصاروخية لسورية، وإضعاف قدراتها العسكرية، وإعادة التوازن في الصراع الداخلي بالقدر الذي يطيل أمد الصراع وينهك الأطراف المتصارعة، حتى تصل إلى مرحلة تدمير الدولة والمقدرات السورية.

رغم تشابه الصورة، إلا أن الهجوم على سوريا لن يكون بنفس السهولة التي تمت في العراق، ولا كما حدث في ليبيا؛ فإذا كانت كل من العراق وليبيا أثناء ضربهما بلا أي حليف دولي، فإن الوضع في سوريا مختلف؛ ذلك لأن ثمة لاعبين دوليين كبار، وأطرافا إقليمية مهمة ترفض أي تدخل عسكري دولي في سورية، انطلاقا من أجندتها ومصالحها الخاصة، ولهذا فإن الوضع الذي سينشأ بعد الهجوم سيكون غاية في الخطورة والتعقيد، وربما تخرج الأمور عن سيطرة كافة الأطراف.

منذ بدء الأزمة، وقفت روسيا بحزم إلى جانب النظام، رغم أن موقفها أثار حفيظة قطاعات واسعة من الجماهير العربية، التي رأت فيه موقف لا إنساني، إلا أن موقفها ينطلق من تصميمها على حماية مصالحها الإستراتيجية في واحدة من أهم مناطق العالم، وفي دولة تعتبر حليفة لها؛ إذ تشكِّل التجارة الروسية-السورية ما نسبته 20% من إجمالي التجارة العربية-الروسية؛ وتصل الاستثمارات الروسية في سوريا إلى حوالي 20 مليار دولار. ومن ناحية ثانية تشكّل القاعدة البحرية في سوريا (طرطوس) القاعدة الوحيدة لروسيا على شواطئ البحر المتوسط، كما تُعد سوريا إحدى الدول المهمة لسوق السلاح الروسي. فإذا كانت روسيا قد عارضت (على استحياء) تدخل "الناتو" في ليبيا؛ فإنها ترفض بشدة تكرار التجربة في سوريا، لأن ذلك سيتيح موطئ قدم أمريكي في قلب سوريا بعد الإطاحة بالنظام كما حدث في العراق. لكن ذلك لا ينفي إمكانية تغيير موقف روسيا، خاصة إذا أحست بقرب انهيار النظام، وتأكدت أنه لا يُراهَن على بقائه. والموقف الروسي يشبه في منطلقاته وأهدافه كل من الموقف الصيني والإيراني.

في هذه الأثناء ستواصل روسيا جهودها للتفاهم مع الولايات المتحدة لإقناعها الإحجام عن ضرب سوريا، إلا أن موقفها قد يتغير في حال نشوب الحرب؛ إذ أنها لا ترغب بمجابهة الدول الغربية وتحمل تبعات ذلك من أجل سوريا، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي "لافروف" الذي قال إن روسيا لن تخوض حرباً مع أحد في حالة التدخل العسكري، وأقصى ما تستطيع موسكو فعله هو تعويض النظام السوري عما سيخسره من ترسانته العسكرية، أو أنها ستكتفي ببيانات الشجب والإدانة كما حدث سابقا.

لكن هذا لا يعني أن الأمور ستمر بسهولة؛ فمن غير المعروف كيف ستتصرف إيران في حال بدء الهجوم؛ من الممكن أن تكتفي بالتفرج وبتصريحات الشجب، ومن الممكن أيضاً أن تتدخل وتضرب القواعد الأمريكية في الخليج، أو تهاجم إسرائيل بالصواريخ، إما مباشرة أو عن طريق حزب الله، وهذا إن حصل سيشكل الشرارة التي ستشعل منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وستكون تداعيات مثل هذا السيناريو كارثية على جميع دول المنطقة، حتى لو استفادت روسيا وإيران من الارتفاع الكبير الذي سيحصل على أسعار النفط.

قد لا تؤدي الضربة العسكرية للإطاحة مباشرة بنظام الأسد، لكن سواء حدث ذلك بصورة فجائية، أم بعد صراع طويل ومرير، فإنه في الحالتين ستنشأ حالة من الفوضى والفراغ، وسيشتد الصراع على نحو منفلت، وتزيد حدة العنف والتطرف، وستضعف قدرة الدولة ويتراجع دورها أكثر، وستستغل الجماعات المتشددة الفرصة السانحة لتصفية حساباتها مع خصومها بارتكاب مجازر، سيما وأن الإعلام يحمل النظام دائما مسؤولية كل أعمال القتل والقصف والتفجير.  ومن المرجح أن تسيطر كل مجموعة من القوى المتصارعة على منطقة معينة، مما يسهل تمرير المخطط العتيد بتقسيم سورية، وبالتالي تسهيل تقسيم العراق.

ومن المؤكد أن تداعيات الحرب ستمتد إلى دول الإقليم؛ الأردن سيضطر لاستيعاب ملايين اللاجئين، بما يفوق قدرته، وسيدفع ثمنا باهظا على الحدود المنفلتة، حيث سيجتاز مئات الإرهابيين الحدود مع سلاحهم وعتادهم العسكري واستعدادهم للتفجيرات الانتحارية. تركيا أيضا ستجد نفسها مجبرة على استيعاب أعداد متزايدة من اللاجئين، وسيكون من بينهم مئات الآلاف من الأكراد، الأمر الذي سيوقعها بمزيد من المشاكل الأمنية والسياسية. أما العراق فستصبح ساحة مفتوحة من الفوضى والإرهاب ممتدة بحدود مفتوحة، تبدأ من أفغانستان وحتى سورية ولبنان.

لبنان سيدفع الثمن الأكبر، إذ سيجد حزب الله نفسه مكشوفا أمام القوى السنية المناوئة له، مما يعني انفلات عقال الحرب 
الطائفية في لبنان ، بل وفي كل المنطقة.

 إطالة أمد الصراع ستعني إراقة أنهار من الدماء، وستؤدي إلى خراب ودمار شاملين، ستدفع شعوب المنطقة ثمنه غاليا، ولن يؤدي ذلك إلى تفتيت الدولة السورية وحسب، بل سيؤدي إلى رسم خرائط جديدة للمنطقة، ستكون مبنية على أساس طائفي وعرقي، فتدمير سورية سيضعف مصر، وسيمهد نصف الطريق أمام إسرائيل لضرب إيران، وسيقضي على قوة الردع العربية، مما يعني تسيّد إسرائيل على المنطقة، وفرض الهيمنة الأمريكية لأمد غير معلوم.

بعض المراقبين يرجحون نظرية الحرب الخاطفة، التي ستكون عبارة عن ضربة عقابية للنظام، لإضعافه وتحجيمه، ولتمرير مخطط جنيف 2، بالشروط الأمريكية. على أية حال جميع السيناريوهات محتملة، ومن ضمنها احتمال ألا تكون هناك حرب، خاصة إذا توصلت موسكو وواشنطن إلى صيغة توافقية لتجنب هذه الحرب المجنونة التي لا يعرف أحد كيف ستنتهي إن هي بدأت. لكن الأهم من ذلك أن تدرك كافة الأطراف أن الخراب الناجم عن الحرب لن يستفيد منه أحد، لا المعارضة ولا النظام، المستفيد الأول إسرائيل، وتجار السلاح وأمراء الحرب، والطامحين بالحكم على كانتونات معزولة، تشبه دويلات الطوائف.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق