أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 21، 2013

بحر وحرب


البحر هو البحر .. سرقت منه الأعاصير مرارا وتكرارا ولم ينقص، ولما دكّته الزلازل أرسل أمواجه نحو الشواطئ البعيدة، وعندما ثارت في قاعه البراكين؛ أهداها جزيرة .. حتى الشمس؛ بعد يومها الشاق لا تجد سريرا غير البحر لتأوي إليه ..

وحدها المدينة من نالت منه؛ في البداية كان الصِبية يأتونه صباحا ضاحكين، يرمون على صفحته حجارتهم فيبتسم لهم .. وفي العصارى يأتيه العشاق خلسة من أهاليهم فيحفظ سرهم .. وفي أول المساء يأتيه الصيادون الفقراء يسألونه عشاءً لأولادهم، فلا يردهم خائبين .. وفي آخر الليل تأتيه المدينة بأكملها .. تطلب منه أن يخبئ أوجاعها .. وأن يحفظ وعدها، فيفعل ..

مسكينة تلك المدن التي لا تسكن على بحرٍ يحضن أحزانها، ولا يمرُّ في شرايينها نهر .. لتلقي فيه أسرارها؛ فيوصلها بدوره للبحر .. ستصرخ كثيرا .. حتى ترد الجبال صدى أنينها .. أو تبتلعها الصحراء ..

لكن مدينة البحر أصابها مسٌّ من الجنون .. بعد أيام قليلة من نشوب الحرب، كان على كل مائدة عشاء مقعدين شاغرين .. وفي كل شارع جائع، ولص سيسرقه .. وقاتل ينتظر قتيله الذي لا يعرفه .. وفي كل بيت صبيّة ستنتظر خطيبها بلا طائل .. أو أم تخبئ في أحشائها طفلا مشوها .. أو شاب فقد القدرة على الحلم .. 

وفي موعدها الأخير مع البحر كان صوت المدينة عويلا .. بل عواء .. وهي تخـرُّ على ركبتيها .. كانت المرة الوحيدة التي شوهد فيها البحر وهو يبكي، بكى حتى تعب .. فقد هزمته المدينة بعد أن هزمتها الحرب .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق