أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 02، 2013

النجاح والفشل .. فلسطينيان


في حالتنا الفلسطينية يتمازج النجاح والفشل على نحو غريب، ويتبادلان الأدوار بشكل محيّر؛ فقد نجحنا في بناء دول عربية عديدة، وأخفقنا في بناء دولتنا .. نجحنا بتوحيد العالم على قضيتنا، ثم انقسمنا على أنفسنا .. قدمنا نماذج فريدة وقصص نجاح أذهلت العالم، ثم دخلنا سنوات من الفوضى والفلتان .. نجحنا بدعم وإنجاح الفنان محمد عساف وفشلنا بتنظيم حفلة فنية له ..

في تاريخنا الحافل، مئات الأسماء اللامعة .. مشاهير وشخصيات مبدعة، برزت وحققت نجاحات غير عادية في شتّى الحقول والمجالات، واخترقت الساحة الدولية، ونالت جوائز مرموقة، أو حفرت أسماءها في الذاكرة الإنسانية .. وفي المقابل، مئات المواهب التي وُئدت بلا ذنب، والإبداعات التي دُفنت ولم يسمع بها أحد ..

وفي تاريخنا الحافل أيضاً أبهرنا العالم بالانتفاضات والكفاح الشعبي، وقصص البطولة والفداء .. ولكن في تاريخنا المخفي ثارات قبلية، وعادات جاهلية، ودماء سُكبت لأتفه الأسباب .. لدينا محمود درويش وإدوارد سعيد وياسر عرفات والحكيم وأحمد ياسين وغيرهم كثيرون .. لكن، في المقابل لدينا شخصيات نخجل من ذكر أسمائهم ..
البعض لديه استعداد لبذل روحه فداء لقضيته، لكنه غير مستعد للامتناع عن شراء التبوزينا والشمينت !! لدينا مؤسسات مالية ضخمة تُعد من الأوائل في الساحة الاقتصادية العالمية، ورجال أعمال معروفين تحبس ثرواتهم الأنفاس .. مقابل من لا يجدون قوت يومهم ..  

يصعب أحيانا فهم المزاج الشعبي، أو توقع ردة فعل منطقية له؛ فقد تمر أحداثا جسام على المنطقة، ويتوقع العالم أن الفلسطينيون سيخرجون في أكبر تظاهرات شعبية، فإذا بهم يخرجون بأعداد متواضعة يكون فيها الصحافيين أكثر من المشاركين !! وأحيانا وبمناسبات وطنية أخرى يفاجئون العالم بحراكهم ومسيراتهم الحاشدة، التي تملأ الشوارع غضبا وعنفوانا.

في الشهر الماضي حققنا إنجازات كبيرة على المستوى العالمي: فقد نال الشاعر غسان زقطان أرفع جائزة دولية في ميدان الشعر، ودخلت الشابة إقبال الأسعد موسوعة 'غينيس' للأرقام القياسية مرتين: كأصغر طالبة جامعية وبتخرجها من كلية الطب كأصغر طبيبة في العام. وتمكنت المهندستان إيمان الشيّاح وجهاد أبو شقرة من اختراع نظارة ناطقة تقرأ إحداثيات الطريق وتساعد المكفوفين على السير دون مساعدة. وحصلت الطفلة أريج المدهون على المرتبة الأولى في مسابقة 'حساب الذكاء العقلي العالمية' والتي أقيمت في ماليزيا مؤخراً بمشاركة 2500 متسابق. وفاز الشاب عاهد زينو بالمرتبة الأولى على مستوى العالم الإسلامي كأندى صوت في تلاوة القرآن الكريم بالقراءات العشر. أما الحدث الأبرز والأكثر شهرة فهو فوز محمد عساف بلقب محبوب العرب.

لكن هذه النجاحات الفردية قابلها إخفاقات وفشل جماعي على مرأى ومسمع العالم كله. وهذا الفشل ليس فقط بالفوضى التي رافقت استقبال عساف عند معبر رفح، أو الفشل في تنظيم حفلة له في ساحة الأمم برام الله؛ إنه الفشل الذي بانت معالمه وتجلياته قبل ذلك بكثير، وبأشكال عديدة.

ويمكننا تناول حالة عساف مثالا توضيحيا للفشل الذي نتحدث عنه؛ فهذا الشاب الموهوب كان بيننا منذ سنوات عديدة، شارك بمسابقة غناء محلية ولم يسمع به أحد، غنّى أشهر أغنية وطنية "علّي الكوفية" قبل سنوات عديدة، ومع ذلك لم يدعمه أي رجل أعمال، ولم تتبناه أية مؤسسة فنية، ولولا إصراره وطموحه وقفزه عن سور الفندق، ولولا الصدفة السعيدة التي أتاحت له بمن يتبرع ببطاقته له .. لبقي محمد عساف مطرب الأعراس المغمور، الذي تستدعيه شرطة حماس بين فينة وأخرى .. فلولا هذا البرنامج العالمي الذي يرعى المواهب الفردية لما سمع بهد أحد خارج نطاق مخيمه .. فكم من حالة مشابه لعساف في بلادنا !؟ كم فنان لا يجد ثمن تسجيل أغانيه ؟ وكم رسام لا يجد معرضا يستقبله؟ وكم كاتب لا يجد دار نشر تطبع مؤلفاته ؟ وكم من مخترع لا يجد من يتبناه ؟ وكم من رياضي ليس في مدينته ملعب معوشب ؟ وكم من شاعر محتمل صفعه مدرس اللغة العربية ؟ وكم من عبقري قتلنا أحلامه بتخلفنا ؟؟ وكم من فتاة كان يمكن لها أن تهبط على سطح المريخ، لكننا حبسناها في المطبخ، أو قتلناها دفاعا عمّا نسميه شرف ؟!

النجاح والفشل توأمان في كل العالم، هذا صحيح .. لكن في فلسطين كل شيء مختلف .. لدينا تطرف في كل شيء؛ في الشجاعة والتضحية، وفي الممارسات السلبية. في الوطنية وفي العمالة. في الحب والكراهية. في النجاح والفشل.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق