أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 12، 2013

المُلكية الفكرية للموارد الوراثية والمعارف التقليدية


مقدمة

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية دخل العالم مرحلة جديدة من إستراتيجيات التنمية وإعادة البناء؛ كان من أهم سماتها استخدام التكنولوجيا الحديثة، واعتماد إستراتيجية التنمية المستدامة، التي تركز على الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، ومن ضمنها "الموارد الوراثية". وبالنظر لأهمية تلك الموارد؛ كان من المهم الحفاظ عليها وعلى تنوعها في بيئتها الطبيعية وغير الطبيعية، واعتبارها تراثا إنسانياً وملكا للأجيال القادمة.

ومع الازدياد المضطرد لاستثمارات الدول المتقدمة في تطوير التكنولوجيات الحديثة، بالاعتماد على الموارد الطبيعية لدول العالم الثالث؛ صار ضروريا على تلك الدول التجمع والتكتل لحماية ثرواتها الطبيعية، وحماية حقوقها في ملكيتها، ومنها الموارد الوراثية والمعارف التقليدية والممارسات المحلية الإبداعية المرتبطة بها؛ فهي لا تشكل بالنسبة لتلك الشعوب ميراثها الثقافي وتاريخ أجدادها وحسب؛ بل تعتبر من ضمن مصادر نمائها، وإحدى ركائز اقتصادياتها، ومصدرا للكساء والغذاء والدواء لها، وللبشرية على حد سواء.

وبما أن الدول النامية (التي تعتبر مراكز منشأ الموارد الوراثية) لا تملك القدر الكافي من التكنولوجيا الحديثة ولا الإمكانيات المادية التي تمكّنها من تطوير مواردها الوراثية، وحماية المعارف والممارسات التقليدية التي تميزها؛ فقد بدأ الحديث في المحافل الدولية عن خطورة هذا الوضع، وأهمية امتلاك تلك الدول حقوق الملكية الفكرية لمواردها الوراثية وحماية معارفها التقليدية الخاصة بها. وبالتالي صدرت اتفاقيات دولية عديدة تعترف بأن للمجتمعات المحلية للدول النامية حقوق ملكية فكرية في مواردها الوراثية ومعارفها وممارساتها التقليدية، ولها حق السيادة الوطنية عليها، ولها الحق باستصدار تشريعاتها القانونية التي تضمن حقوقها من ناحية، وتساعد في الحصول على التكنولوجيات والمعلومات والوسائل العلمية الحديثة من ناحية أخرى، وذلك كنوع من المشاركة في العوائد الناتجة عن استخدام مواردها الوراثية ومعارفها وممارساتها التقليدية المصاحبة على النطاق التجاري.

الموارد الوراثية

المقصود بالموارد الوراثية التي نتحدث عنها؛ هي تلك الأصول الوراثية المرتبطة بالمعارف التقليدية والممارسات المحلية التي تحيط بأي نبات أو حيوان أو كائن مجهري له خصائص معينة، والتي تراكمت عبر السنين، وتناقلت عبر أجيال عديدة لتصبح علامة مميزة لمجتمع ما. بمعنى أن المورد الوراثي ليس هو الكائن الحي الكامل بالضرورة، أو العضو أو الخلية، إنما هو الصفة الوراثية، أو التركيبية الجينية التي تتميز بخصائص فسيولوجية نادرة يمكن أن تنتقل من كائن لآخر، ويمكن استخدامها على نطاق تجاري، أو أن تشكل عنصرا من البيئة الثقافية والمعرفية لذلك المجتمع. وتُعرّف المادة الثانية من معاهدة التنوع الأحيائي عبارة "موارد وراثية" على أنها تعني: "المواد الوراثية الجينية التي لها قيمة فعلية أو محتملة".

ومن الأمثلة على الموارد الوراثية نبتة معينة تشتهر بها منطقة جغرافية ما، ولها خصائص طبية أو ميزات فريدة، أو زهرة معينة تستخدم كرمز قومي. أو حيوان نادر (أو مقدس)، أو نوع من البكتيريا يستخدم في منتجات معينة، أو اية ابتكارات بيولوجية.

ولا تشكل الموارد الوراثية بحد ذاتها مُلكية فكرية؛ فهي بوضعها الطبيعي ليست من إبداعات فكر الإنسان؛ وبالتالي فهي لا تخضع لقوانين حماية المُلكية الفكرية؛ ولكن الاختراعات التي تقوم على تلك الموارد الوراثية، أو التي يتم تطويرها باستخدام هذه الموارد (سواء ارتبطت بالمعارف التقليدية أو لم ترتبط بها) ستكون مؤهلة للحماية بموجب حقوق براءة الاختراع، أو محمية بموجب حقوق مستولدي النباتات.

وتمثل حقوق الملكية الفكرية لهذه الموارد الحية جوانب مختلفة؛ فمثلاً إذا كانت الموارد الوراثية متأتّية من تدخل بشري، فإنها بذلك ستمتلك خاصيات جديدة لم تكن موجودة أصلا في الطبيعة، وبهذا ستعتبر اختراعات بيوتكنولوجية، يمكن استخدامها صناعيا، أو لرفع قيمتها الاقتصادية والتسويقية. ومثال ذلك تطوير سلالات بكتيرية، أو أصناف معينة من البذور أو النباتات أو الحيوانات باستخدام تكنولوجيا التهجين والانتقاء والتربية، أو الهندسة الوراثية.

أهمية الموارد الوراثية

للموارد الوراثية النباتية (والحيوانية أيضا) أهمية إستراتيجية كبيرة، سواء في الوقت الحاضر، أم لمواجهة تحديات المستقبل؛ حيث النمو المضطرد لأعداد السكان وتناقص الأراضي الزراعية يفرضان على العالم زيادة إنتاج الأغذية. كما أن الظروف البيئية المتغيرة، كالجفاف واندلاع الحرائق والآفات والأمراض، تستدعي وجود أصناف محاصيل جديدة وجيدة وقادرة على التكيف. وبالتالي ستكون الموارد الوراثية النباتية مكوناً أساسياً في هذه التحسينات كلها.

وتلعب الموارد الوراثية دورا حيويا في تحقيق الأمن الغذائي تفيد البشرية كلها بشكل عام. كما تفيد الموارد الوراثية فئات أخرى بوجه خاص مثل المزارعين؛ ولكونهم أول من حافظ على التنوع الوراثي وطوره، فقد أقرت "المعاهدة الدولية لتبادل الموارد الوراثية" بحقوق المزارعين في الانتفاع من الموارد الوراثية التي يستنبطونها، وحماية المعارف التقليدية المتصلة بها والمشاركة في صنع القرارات ذات الصلة بهذه الموارد. ويستطيع المزارعون من خلال المعاهدة، الحصول على السمات التي يرغبون بها من خارج مواقعهم القريبة، بما يعزز الانتاجية. وكذلك يستفيد مربو النباتات، على أساس تجميع الجينات (المورثات) المرغوبة للصفات المختلفة التي تلبي احتياجات كل من المزارع والمستهلك. وأيضا فإن المصنعين سيتمكنون من امتلاك أصناف المحاصيل ذات الصفات التي ربما تؤدي إلى خفض الطاقة اللازمة لتصنيعها وينعكس بالتالي على تكاليف التصنيع والانتاج ومن ثم على المستهلك. فمثلاً يمكن لأية ابتكارات بيولوجية من خلال عمليات التهجين أو الهندسة الوراثية أن تحسن صفات معينة في النبات أو الحيوان أو أي كائن مجهري؛ مثل تعزيز قدرته على تحمل الجفاف، أو مقاومة الأمراض، أو زيادة الإنتاجية، أو تحسين نوعيتها بما يحقق فوائد تجارية .. كما حصل مثلا حين أسهم أحد الأصناف البرية للطماطم (البندورة) بموارد وراثية تقدر بمليون دولار في السنة في ولاية كاليفورنيا وحدها، ذلك لأنها تخفض الاحتياجات من الطاقة خلال عملية التصنيع. ولا شك أن المستهلكين، هم المجموعة الأهم التي ستنتفع من معاهدة تبادل الموارد الوراثية، حيث الإمدادات الغذائية ستمون أكثر أماناً، وربما بتكاليف أقل.

أما في المستقبل، فإن الموارد الوراثية ستلعب دورا في غاية الأهمية، خاصة في تكييف المحاصيل الزراعية والأجناس والأصناف المهمة من النباتات (والحيوانات) للظروف الطبيعية المتغيِّرة والقاسية، أو في حالات تفشي الأمراض والآفات، أو لمواجهة التقلبات المناخية الكبيرة. حيث ستكون تلك الموارد الوراثية أمل البشرية جمعاء في المستقبل، نظراً لأهميتها الزراعية والاقتصادية، خاصة في ضمان الأمن الغذائي. ما يعني أن البشرية بحاجة إلى المحافظة على مخزون كافي من الجينات الوراثية للمحاصيل القيّمة وتطويرها، وتطوير إستراتيجيات حماية وجمع وحفظ الأصناف والأنواع للحيوانات والنباتات البرية الواقعة تحت طائلة التهديد بالانقراض.

فبسبب استبدال البذور والأنواع المحليّة من المحاصيل (والماشية) ببدائل حديثة أو مستوردة، ونتيجة عمليات الإختلاط والتهجين الوراثية بين الأصناف النباتية، ومع ازدياد عمليات التوسُّع الحضري على حساب المواطن النباتية، وما نجم عن ذلك من تدهور بيئي خطير، أدى في كثير من المناطق إلى تعرية الغطاء النباتي، وإذا أضفنا الكوارث الطبيعية كالفيضانات وحرائق الغابات والمناطق البريّة .. فإن هذه العوامل أدت إلى تعرض الكثير من أصناف النباتات (والحيوانات) لخطر الانقراض.

ولذلك، بدأ النشاط الدولي لوقف انقراض الموارد الوراثية النباتية منذ أن أقرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في حزيران 2004  "المعاهدة الدولية المعنية بالموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة" والتي تعتبر من الاتفاقيات الهامة والمُلزمة من الناحية القانونية فيما يتعلق بالزراعة المستدامة، التي صادقت عليها 55 دولة .وهذه الاتفاقية تُقر بأن المزارعين في مختلف أرجاء العالم لاسيما في دول الجنوب، قد طوروا موارد وراثية نباتية خاصة بهم منذ آلاف السنين. فقد حان الوقت أن تؤمن كافة البلدان الموارد اللازمة لجعل المعاهدة موضع التطبيق.

صحيح أن المجتمع البشري كله يعتمد في غذائه بالدرجة الأساس على 20 محصولا في مواجهة مخاطر المجاعة وتحقيق الأمن الغذائي، إلا أن الموارد الوراثية سمحت بتطوير ملايين الأصناف لمختلف النباتات، حيث يقدر أن نحو 6 ملايين صنف من التنوع المحصولي مخزونة على شكل عينات نباتية في 1400 بنك وراثي في جميع أنحاء العالم. وهي ما تسمى "مراكز حصاد المستقبل".

المعارف التقليدية

أما المعارف التقليدية (الفولكلور)؛ فتمثل مجموعة المعارف التي تم تطويرها والحفاظ عليها ونقلها من جيل إلى آخر في إطار مجتمع معين، وغالباً ما تشكل هذه المعارف جزءً من هويته الثقافية أو الروحية؛ فهي تجسّد الدراية العملية والمهارة الحرفية لأبناء المجتمع، كما تنقل القيم والمعتقدات الجوهرية. هذه المهارات والمعارف ليس من الضروري أن تكون قديمة؛ ذلك لأنها في تطور مستمر.

قد تكون المعارف التقليدية (أو أساليب التعبير عن التراث الشعبي) شفهية، كما في قصص التراث الشعبي، أو موسيقية كما في الأغاني، أو أفعالا أدائية كما في الرقص والمسرحيات، أو طقوسا موسمية، أو تعبيرات ملموسة كالرسوم واللوحات الفنية، والمنحوتات، والتماثيل، والأعمال الخزفية والخشبية، والمصنوعات المعدنية، والمجوهرات، وحياكة السلال، وأشغال الإبرة، أو النسيج، أو السجاد، أو الملابس، أو الآلات الموسيقية، والأشكال الهندسية المعمارية، وغيرها.

 وتنبع أهمية حماية المعارف التقليدية "الفولكلور" لكونها تساهم في التنمية الاقتصادية والجذب السياحي، وتشجع على التنوع الثقافي، كما تساعد على صون التراث الثقافي. ولأنها قديمة العهد، وغالباً ما تكون غير رسمية وشفاهية؛ فإنه من الصعب حمايتها في إطار نظام الملكية الفكرية الحالي؛ الذي يمنح الحماية عادة لفترة محددة للاختراعات والمصنفات الأصلية التي يكون أصحابها أشخاص معينين. وأيضا فإن اتفاقيات WTO لا تعترف بحماية المعارف التقليدية للمجتمعات المحلية. ولكن يمكن أن يتم حمايتها بطرق أخرى؛ فعندما يقوم أفراد المجتمع بالابتكار والإبداع في إطار المعارف التقليدية، يجوز لهم الانتفاع من نظام البراءات لحماية مصنفاتهم المبتكرة، كما يمكن الاستفادة من الأنظمة القائمة مثل حقوق المؤلف، والحقوق المجاورة، والمؤشرات الجغرافية، وتسميات المنشأ والعلامات التجارية.

ومع ذلك، فقد سعت العديد من المجتمعات والحكومات إلى تطوير أنظمتها الخاصة لحماية معارفها التقليدية، واقترحت بعضها أن تربط في تشريعاتها المحلية بين استخدام الموارد الوراثية النباتية في استنباط أصناف نباتية جديدة وبين سريان الحماية عليها ليس كشرط إضافي للحصول على الحماية، ولكن كالتزام بتقاسم المنافع التكنولوجية منها والمادية. كما طالبت بوضع صك قانوني دولي من شأنه أن يوفر حماية خاصة لتراثها الثقافي. فعلى سبيل المثال يحاول معبد الشاولين في بكين، أن تخضع مهاراته القتالية للحماية القانونية بوصفها ميزة خاصة به، باعتبار أن المعبد يعد مهداً لفنون القتال الرياضية الصينية.

الوضع القانوني والدولي

من المعلوم أن النظام الدولي الحالي لحماية الملكية الفكرية قد تم وضع أسسه خلال عهد التصنيع في الغرب، خاصة بعد انعقاد مؤتمر باريس للملكية الصناعية عام 1883، ومؤتمر حماية المصنفات الأدبية والفنية، الموقّع في في بيرن سنة 1886، بهدف فرض الاحترام للخصوصية الفكرية في العالم بأسره، ثم جرى تطويره في وقت لاحق بما يتماشى مع الاحتياجات المفترضة للمجتمعات المتقدمة من الناحية التكنولوجية؛ فأنشأت هيئة الأمم المتحدة, المنظمة الدولية للملكية الفكرية  (WIPO)كواحدة من الوكالات المتخصصة، وبعد أن تم التوقيع على نظامها في ستوكهولم في عام 1967, تشكلت عام 1970 – مقرها في جنيف – ثم دخلت حيز التنفيذ عام 1974 بهدف تشجيع حماية حقوق الملكية الفكرية في كل دول العالم من خلال التعاون بين الدول والهيئات الدولية.

ولكن، خلال السنوات الأخيرة، طالبت الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية الأخرى والحكومات في البلدان النامية بشكل خاص بحماية مكافئة لأنظمة المعارف التقليدية. وفي سنة 2000، أنشأ أعضاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) اللجنة الحكومية الدولية المعنية بمناقشة العلاقة بين الملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعارف التقليدية والفولكلور(IGC) ، كما تصدرت مواضيع الموارد الوراثية وحقوق الملكية الفكرية والأغذية المعدلة وراثياً وتأثيرها على التجارة وصحة الإنسان والبيئة جدول أعمال اجتماعات منظمة الأغذية والزراعة التي عقدت في روما في تشرين الأول 2002. كما اتفقت (الويبو) في سنة 2009 على وضع "صك قانوني دولي" (أو أكثر) من شأنه أن يوفر الحماية الفعالة للمعارف التقليدية والموارد الوراثية وأشكال التعبير الثقافي التقليدي (الفولكلور). وقد يتخذ هذا الصك شكل توصية إلى أعضاء (الويبو)، أو معاهدة رسمية تلزم البلدان التي تصادق عليها.

وإدراكاً منها لأهمية التنوع البيولوجي للأغذية والزراعة بالنسبة للأمن الغذائي العالمي؛ فقد عمدت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، لإنشاء "هيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة" سنة 1983. وقد تمثلت ولاية الهيئة في المرحلة الأولى بالعناية بالموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، ثم جرى توسيعها سنة 1995 بحيث شملت جميع مكوّنات التنوع البيولوجي للأغذية والزراعة. وتشكّل الهيئة منذ ثلاثين عاماً منتدى حكومياً دولياً فريداً من نوعه يسعى إلى تحقيق توافق عالمي حول السياسات الخاصة بالتنوع البيولوجي للأغذية والزراعة. وقد أعدّت عمليات تقييم عالمية وخاضت مفاوضات بشأن خطط عمل عالمية ومدونات ممارسات وصكوك أخرى متصلة بصون الموارد الوراثية للأغذية والزراعة واستخدامها على نحو مستدام.

ونظرا لأهمية الموارد الوراثية والمعارف التقليدية فقد أصدرت بلدان أخرى كثيرة قوانين محلية تعرّفها وتنظمها وتحميها. كما ظهرت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية المختصة بهذا الموضوع. وقد كان للبلدان النامية وبعض الدول المتقدمة، وخاصة تلك التي يقطن في أراضيها شعوب أصلية، كان لها الدور الأبرز في وضع هذه الاتفاقيات.
فقد طورت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة واسعة من الآليات للاستجابة إلى هواجس تتعلق بحماية المعارف التقليدية، والتراث الشعبي، والموارد الوراثية. وطبقا لوجهة النظر الأميركية فإن قوانين حماية الملكية الفكرية يجب أن تكون قادرة على تلبية احتياجات الأفراد والسكان الأصليين ممن يرغبون بتأمين حماية قانونية لميراثهم الثقافي أو لمواردهم الوراثية، شريطة أن تنطبق عليهم معايير التأهل للحصول على مثل هذه الحماية القانونية. كما تدعم الحكومة الأميركية تبادل وجهات النظر والآراء حول المعارف التقليدية، وتعابير التراث الشعبي، والموارد الوراثية في المنتديات الدولية، لا سيما في المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO).
وفي العام 1993 دخلت إلى حيز التنفيذ المعاهدة الخاصة بالتنوع الأحيائي (CBD)، وتمثل هذه المعاهدة التزاماً من الدول بالمحافظة على التنوع الأحيائي، واستعمال الموارد الأحيائية بصورة تحافظ على استدامتها، ومشاطرة الفوائد الناتجة عن استعمال الموارد الوراثية بصورة منصفة وعادلة. وتضع المادة (8j)  من المعاهدة رابطاً بين المعارف التقليدية والتراث الشعبي والموارد الوراثية الجينية من خلال دعوة الدول إلى "احترام المعارف والابتكارات، وممارسات المجتمعات الأهلية الأصلية والمحلية والمحافظة عليها، وصيانتها"، وتعزيز التطبيق الأوسع لهذه المبادئ بموافقة مالكي مثل هذه المعارف والممارسات.

وهناك أيضا اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغيير المناخ، وبروتوكول قرطاجنة المتعلق بالسلامة الأحيائية للاتفاقية التي تعني بالتنوع البيولوجي (2000), وإرشادات "بون" التوجيهية بشأن التداخل بين الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استعمالها. وكذلك فقد حلت "المعاهدة الدولية للموارد الوراثية النباتية للاغذية والزراعة" محل "التعهد الدولي للموارد الوراثية النباتية"، والذي أقرته منظمة الغذاء والزراعة بشكل طوعي في تشرين الثاني 1983. وذلك بهدف إيجاد صيغة محددة للتعامل مع صيانة الموارد الوراثية النباتية ذات الأهمية الاقتصادية والاجتماعية. يشرف على تنفيذ هذا التعهد "هيئة الموارد الوراثية النباتية للاغذية والزراعة" لدى منظمة الاغذية والزراعة (الفاو)، وهي جهاز مشترك بين الحكومات، ويضم في عضويته 168 بلداً، حيث تم تبنيه منذ عام 1989. وعندما تبنى المؤتمر العام لمنظمة الغذاء والزراعة المعاهدة بالاجماع في 3 تشرين الثاني 2001، وصفت على لسان مدير عام المنظمة بأنها أول معاهدة دولية للقرن الحادي والعشرين وللألفية الثالثة.
هذه الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المختصة في مجال الموارد الوراثية مهما تعددت فإن الهدف منها هو إتاحة الموارد الوراثية للجميع، حتى يمكن استغلالها في تطوير منتجات جديدة تساهم في رفع مستوى المعيشة للسكان وتحقيق رفاهيته، أو في مكافحة الفقر والجوع، أو لتحجيم ومحاصرة مرض ما، وذلك في ظل نظام مشاركة الجميع في العوائد والمنافع الناشئة عنها.
بالإضافة إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي، والاستخدام المستدام لمفرداته، وكذلك المشاركة في العوائد التي تنتج من استغلال تلك المفردات، وتشجيع الاستثمار في مجال صيانة التنوع البيولوجي من جانب الحكومات الوطنية على أساس أن لها سيادة وطنية عليها، ولها الحق في إصدار التشريعات الخاصة باستخدامها ونقلها والتجارة فيها.

وتتناول (الويبو) في مجال عملها ثلاثة مجالات مختلفة لكنها مترابطة، وهي: المعارف التقليدية (وتشمل على سبيل المثال التقنيات والممارسات والمهارات والابتكارات المرتبطة بالتنوع البيولوجي والزراعة والصحة)، وأشكال التعبير الثقافي التقليدي، أي الفولكلور (مثل الموسيقى والفن والنماذج والرموز والأداء والرقصات) والموارد الوراثية (المادة الوراثية، أو القيمة المحتملة للنباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة).

ومع أن المعارف التقليدية والموارد الوراثية وأشكال التعبير الثقافي التقليدي تشكل بالنسبة لعديد من المجتمعات جزءاً من تراث متكامل واحد، فهي تثير قضايا مختلفة، وقد تستلزم مجموعات مختلفة من الحلول من منظور الملكية الفكرية. وفي المجالات الثلاثة كلها، وبالإضافة إلى عملها على وضع "صك قانوني دولي"، تستجيب (الويبو) لمطالب المجتمعات والحكومات من خلال تقديمها المساعدة العملية والمشورة التقنية لتمكين المجتمعات من الانتفاع بأنظمة الملكية الفكرية الراهنة بفعالية أكبر، والمشاركة في مفاوضات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالملكية الفكرية والموارد الوراثية والمعارف التقليدية والفولكلور على نحو أكثر فعالية.
وعادة فإن السعي لتحقيق حماية الملكية الفكرية يتم إما بالحماية الدفاعية؛ التي تهدف إلى منع الأشخاص من خارج المجتمع من اكتساب (أو سلب) حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالمعارف التقليدية. وعلى سبيل المثال، طالبت الهند بإلغاء شهادة براءة اختراع لأمريكي (تم سحبها في ما بعد) ادعى ابتكار استخدام "الكركم" كمادة لمعالجة الجروح؛ بينما أثبتت الهند أن هذه التقنية شائعة لدى المجتمعات التقليدية الهندية، وقد تم توثيق ذلك في النصوص السانسكريتية القديمة. وهذه الإستراتيجية الدفاعية تصلح أيضا لحماية التعابير الثقافية المقدسة، مثل الرموز، أو الرقصات المقدسة.
والطريقة الثانية هي الحماية الموجبة؛ أي منح حقوق ملكية للمجتمعات المحلية لمعارفها التقليدية الخاصة بها، بهدف تعزيزها، ومراقبة الانتفاع بها وجني فائدة من استغلالها التجاري. ويمكن حماية بعض أوجه الانتفاع بالمعارف التقليدية من خلال نظام حماية الملكية الفكرية الراهن، كما قامت بعض البلدان أيضاً بتطوير تشريع محدد. ولكن الحماية المحددة التي يوفرها القانون الوطني قد لا تنطبق على بلدان أخرى، وهو أحد الأسباب التي دفعت المجتمعات المحلية والحكومات على المطالبة باعتماد صك قانوني دولي.

وبالنظر إلى جوانب الملكية الفكرية المتعلقة باستخدام الموارد الوراثية، فإن عمل (الويبو) يكمل الإطار القانوني والسياسي الدولي الذي تحدده اتفاقية التنوع البيولوجي، وبروتوكول ناغويا المرتبط بها، والمعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). ويهدف هذا الجانب من الحماية إلى منع منح البراءات للموارد الوراثية (والمعارف التقليدية المرتبطة بها) التي لا تستوفي الشروط اللازمة، وإلى إلزام مودعي طلبات البراءات بالكشف عن مصدر أو منشأ الموارد الوراثية، وتقديم البرهان على الموافقة المسبقة على التقاسم العادل والمنصف للمنافع.

أسئلة معلقة

بالرغم من كل ما أُنجز في هذا المضمار، تبرز أسئلة مثيرة، من نوع: من سوف يستفيد من أية إجراءات قانونية يتم اعتمادها تخص الموارد الوراثية، والمعارف التقليدية أو التراث الشعبي ؟ هل ستكون ملك للأشخاص، أم للمؤسسات، أم للدولة ؟ خاصة وأنه لا توجد تعاريف موحدة بحيث تكون محددة وواضحة وشاملة ومتفق عليها، ولم تتمكن أية دولة، أو منظمة دولية من تحديد المستفيدين المقصودين من مثل هذه الإجراءات الوقائية والقانونية. وبصورة مماثلة، لم يحدد أحد من هؤلاء ما قد يكون عليه نطاق مثل هذه الحماية، وما قد يُشكِّل "الاستعمال المنصف" أو استثناءات أخرى في التحديدات، أو حتى ما هي آليات فرض التطبيق التي يمكن استخدامها. وكيف يستطيع مهاجر ينتمي إلى مجتمع أهلي أصلي يعيش في أحد البلدان أن يملك الحق في استعمال الموارد الوراثية، أو المعارف التقليدية أو التراث الشعبي من ماضيه في موطنه الجديد ويستفيد منها ؟ وكيف يمكن حماية مجموعات مؤتلفة من التقاليد ؟ وماذا بشأن التقاليد والمعارف التي تمتد عبر الحدود والقارات وتمارَس عالمياً ؟ وما يجعل الأمور أكثر تعقيداً، أنه لا توجد أية اتفاقية حول مدى الضرر الفعلي الذي يمكن أن تعالجه وسائل الحماية الجديدة.

تقييم الوضع الحالي عربيا وفلسطينيا

على مستوى الدول العربية؛ فإن ظروفها السياسية والاقتصادية لم توفر لها الفرصة الكافية لإعطاء قضية الموارد الوراثية (النباتية والحيوانية والكائنات المجهرية) وحمايتها وصيانتها وتطويرها الجهد التشريعي المناسب، على الرغم من تصديق العديد من الحكومات العربية على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. هذا لا ينفي أن هناك جهد تشريعي عربي في مجالات قد تؤثر على الموارد الوراثية بمعناها الشامل (الحيواني والنباتي والكائنات الدقيقة)، لكنه يظل غير كافيا؛ فمثلا تبنت المنظمة العربية للتنمية الزراعية موضوع الموارد الوراثية والتنوع البيولوجي في الوطن العربي، كما أصدر السودان قانون حماية البيئة لعام 2001، وأعطي الإطار القانوني للعمل من أجل صيانة الموارد الوراثية، وفي الإمارات صدر القانون الاتحادي لعام 1995 بشأن حماية البيئة وتنميتها وتطويرها. أما تونس فقد أصدرت العديد من التشريعات للمحافظة على الموارد الوراثية النباتية وحماية حقوق المربين في الأصناف الجديدة، كما وضعت الجزائر بعض النصوص في التشريعات في بداية التسعينات تشمل حماية الموارد الوراثية، وانضمت سلطنة عمان إلى اتفاقية التنوع البيولوجي عام 1994 واتفاقية مكافحة التصحر واتفاقية تغيير المناخ واتفاقية بازل، وأصدرت قانون الحجر الزراعي وقانون الأصناف النباتية. المملكة المغربية انضمت إلى العديد من الاتفاقيات الدولية الرامية إلى حماية الموارد الطبيعية خاصة الموارد الوراثية ومنها المعاهدة الدولية لحماية النباتات ومعاهدة CIIES والمعاهدة المتعلقة بحماية المناطق الرطبة. وأصدرت الحكومة المصرية العديد من القوانين الداخلية التي لها صلة بالموارد الوراثية ومنها قانون الزراعة لعام 1966 وقانون البيئة لعام 1994، وقانون الحجر الزراعي وقانون حماية حقوق الملكية الفكرية لسنة 2002 والذي ينص على حماية الأصناف النباتية الجديدة. السعودية أصدرت قانون المراعي عام 1978، وقانون الغابات والذي يمنع الأنشطة الخاصة بتدهور الغطاء النباتي. اليمن أصدر قانون البيئة الذي يمنع قطع الأشجار والنباتات البرية ويؤكد على إنشاء المحميات الطبيعية.

أما في فلسطين، فقد خصصت السلطة الوطنية إدارة عامة مختصة في الملكية الفكرية منذ العام 2003، وهي تتبع وزارة الاقتصاد الوطني، وتعمل بموجب قانون الملكية الفكرية، لكن نطاق عملها يكاد ينحصر في قضايا حق المؤلف والحقوق المجاورة، براءات الاختراعات، العلامات التجارية، الرسوم والنماذج، المؤشرات الجغرافية وغيرها.
وبالرغم من محدودية مواردها وإمكانياتها إلا أنها حققت إنجازات كبيرة، وهناك التزام جيد من قبل فئات المجتمع الفلسطيني بقضايا حقوق الملكية الفكرية. ومن ناحية ثانية فإن دولة فلسطين تسعى للانضمام للمنظمة الدولية للملكية الفكرية (الويبو).
وفيما يختص بقضايا الموارد الوراثية والمعارف التقليدية وحقوق الملكية الفكرية، فإن هذه القضايا جديدة وغير مطروقة بالنسبة لدولة فلسطين، ولا توجد قوانين محددة تنظمها، ولم تنضم فلسطين لأية اتفاقيات دولية بهذا الخصوص، إلا أنه من المؤكد أنها حريصة على مواكبة التقدم العالمي، ومهتمة بأن تكون منسجمة مع القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية في كافة القضايا، ومن ضمنها مواضيع الموارد الوراثية والمعارف التقليدية.

 وما يبرر هذا التوجه، أن فلسطين لديها العديد من النباتات البرية والأزهار والأعشاب الطبية، بالإضافة لعدد من الطيور والحيوانات البرية، التي تشتهر بها. إلى جانب العديد من الممارسات والمعارف التقليدية والأدوات الفلكلورية التي شكلت جزء من الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني ومن ميراثه الحضاري.

وما يزيد من أهمية الحفاظ على الموارد الوراثية والمعارف التقليدية والتراث الشعبي الفلسطيني وحمايتها بالقانون الدولي أن الاحتلال الإسرائيلي ما فتئ يسرق منها وينسبها لنفسه، ليعوض خوائه المفزع من أي إرث حضاري, وذلك من خلال سياسات منهجية للنيل من تراث فلسطين ومواردها الوراثية، وتتمثل بأعمال السرقة المنظمة وعمليات التهويد؛ فمثلا ادعت إسرائيل أن طبق الحمص والفلافل من مأكولاتها الشعبية، كما قامت بسرقة حجارة من أبنية تاريخية متداعية، واستخدمتها في بناء المستوطنات، لكي تقول فيما بعد أن هذا كله من ميراثها التاريخي. ومن الأمثلة الإضافية على ممارسات الاحتلال تجاه التراث الفلسطيني: اختارت إسرائيل لتمثيلها زهرة «قرن الغزال» في دورة الألعاب الأولمبية التي جرت في الصين (2008)، وهي زهرة برية فلسطينية تتفتح في الربيع؛ وفي محاولة أخرى منها، حاولت أن تختار طائرا وطنيا يصلح لها كرمز، فاختارت «عصفور الشمس»، ثم اكتشفت بعد ذلك أن الاسم العلمي لهذا الطائر هوPalestine sunbird  أي عصفور الشمس الفلسطيني، فأحجمت عن المحاولة، وحاولت أيضا إلباس مضيفات شركة طيران "العال" الثوبَ الفلسطيني، لكنها تراجعت بعد أن كشف العالم هذه السرقة، وأن أهم الزخارف التي تزين هذا الثوب تسمى "نجمة كنعان".

ومن هذه المنطلقات ستكون قضايا الموارد الوراثية والتراث الشعبي من بين أهم القضايا التي ييجب أن هتم بها الشعب الفلسطيني؛ فهي تشكل قاعدة مهمة للحفاظ على شخصيته الوطنية وقيمه الروحية والثقافية؛ وقد تشكل مستقبلا مصدرا مهما للدخل القومي، خاصة إذا ما تم تطويرها (بيولوجيا) واستخدامها على نطاق تجاري.


المراجع:

1. الدكتور مجد جرعتلي، أهمية حماية الموارد الوراثية النباتية من التآكل، دراسات خضراء. Green studies ، http://green-studies.com/2011/12/

2. جين هولدن، الموارد الوراثية الجينية والمعارف التقليدية والتراث الفولكلوري الشعبي. 22 April 2008، IIP Digital. http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/publication/2010.

3. المجمع العربي للملكية الفكرية، http://www.aspip.org/page.aspx?page_key=wipo&lang=a.
4. د. محمد عيد عبد المجيد، دليل تشريعات الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة في الوطن العربي، مركز البحوث الزراعية، مصر، عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية. http://www.4geography.com/vb/showthread.php?t=7683
5. تعريف بالويبو، الصفحة الرسمية للمنظمة الدولية للملكية الفكرية. http://www.wipo.int/about-wipo/ar/what_is_wipo.html.
6. هيئة الموارد الوراثية للأغذية والزراعة، الصفحة الرسمية. http://www.fao.org/nr/cgrfa/ar/.
7. د. ضياء بطرس يوسف، الاتفاقية الدولية لتبادل الموارد الوراثية: الاهتمام العالمي والطموح الوطني، وزارة العلوم والتكنولوجيا. جمهورية العراق.  www.iraqi-datepalms.net/uploadedfiles/weratha.doc

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق