أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 19، 2013

في ذكرى النكبة .. 65 سنة تكفي



قبل خمسة وعشرين عاما جاءت افتتاحية "فلسطين الثورة" بعنوان (أربعون عاما تكفي)، وفيها وجّهت المجلة نداءها للعالم برفع الظلم عن الشعب الفلسطيني الواقع عليه منذ قيام إسرائيل. اليوم، وبعد ربع قرن على ذلك النداء، ورغم التغيرات الجذرية التي أصابت كل أرجاء الأرض، نكتشف أن أشياء بسيطة هي التي تغيرت، بينما ظل الظلم كما هو: عنوانا مقترنا بالقضية الفلسطينية !!

واليوم مرة أخرى، يرفع الشعب الفلسطيني صوته عاليا ليُسمع الكون بأسره: خمسة وستون عاما من الظلم والعدوان .. تكفي .. خمسة وستون عاما، وما زالت بيوت الصفيح في المخيمات تندف مطرا، وقلوب المنفيين في البلاد البعيدة تنـزف شوقا وحنينا، وما زال سيل الدماء لليوم متدفقا طازجا دافئا.

خلال هذا الزمن الطويل فجّر الفلسطينيون ثورتهم المسلحة، وأشعلوا انتفاضتين كبيرتين، وعشرات الانتفاضات الصغيرة، وخاطب "أبو عمار" هيئة الأمم المتحدة مرتين: في الأولى تكشَّفَ جراب مسدسه على خاصرته حينما رفع يديه مهددا بإسقاط غصن الزيتون، وفي الثانية دعا لعقد سلام الشجعان. كما خاطب "أبو مازن" نفس الجمعية العمومية مرتين: وشرح للعالم معاناة الفلسطينيين، وطالب بالاعتراف بحقهم بدولة حرة مستقلة.

خلال النكبة اقترفت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مذبحة؛ أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني، ومن نجا من دير ياسين وقِبية قُتل فيما بعد في تل الزعتر وشاتيلا .. وخلال سنوات الصراع الدامي، قَتلت إسرائيل ما يزيد عن الخمسين ألف فلسطينيا، مضافا إليهم عشرات الآلاف ممن قُتلوا في المنافي .. وهؤلاء في أوردتهم دماء تكفي لملئ نهر عظيم، وفي مقل أمهاتهم دموع تملأ بحيرة.  

كما شردت النكبة 800 ألف مواطن، حولتهم بين يوم وليلة إلى لاجئين موزعين على أكثر من ستين مخيما، وشتَّت شمل الباقين في أصقاع الأرض. وهم الآن أكثر من خمسة ملايين لاجئ مسجلين لدى وكالة الغوث، ومن تبقوا على أرضهم التاريخية وجدوا أنفسهم فجأة وقد تحولوا إلى غرباء في وطنهم، ومواطنين من الدرجة الثالثة، يعانون أسوأ أنواع التميز العنصري.

النكبة هي ذروة المأساة الفلسطينية وعنوانها الأبرز، النكبة كلمة تتكثف فيها مفردات الصراع، وهي التي دشنت عصر الظلم والطغيان؛ حين قامت إسرائيل على أنقاض 422 قرية هدمتها بالكامل، وحولتها إلى ركام. ولم تكتفي بسياسة الإجلاء والتطهير العرقي؛ فبعد احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة هدمت أكثر من 25 ألف منزلا، إضافة إلى إلحاق أضرار جسيمة بنحو تسعين ألف منزل .. في هذه البيوت صور وذكريات، وألعاب أطفال وكتب، وقصص حب ومواعيد كثيرة.

كما دمرت ما يقارب 14 ألف مبنى عام، ما بين دور عبادة، ومراكز صحية، وجمعيات أهلية، وأندية رياضية وثقافية، ومراكز شرطة، ومقرات حكومية ومرافق عامة وبُنى تحتية، وعطلت مشاريع وخطط تكفي لبناء دولة من طابقين بمواصفات عصرية.  

في هذه السنين العصيبة، مرَّ بتجربة الاعتقال خلف جدران الزنازين وفي السجون أكثر من 650 ألف فلسطيني، المئات منهم أمضوا فترات تزيد عن الربع قرن، وهؤلاء في حناجرهم أصوات تملأ المدى بالأغاني والأهازيج، وفي صدورهم صيحات قهر تهز أركان الكون. كما جُرح وأُعيق آلافٌ آخرين، في سواعدهم طاقات تسد عين الشمس.

وبعد احتلالها للضفة صادرت إسرائيل ما يزيد عن 10% من مساحتها، ومنعت استخدام حوالي 30% منها، إضافة إلى 4% من الأراضي التي وقعت خلف الجدار، وأقامت منطقة عازلة على طول الحدود مع قطاع غزة بمساحة تبلغ نحو 87 كم²، كما صادرت حوالي 3.5% من مساحة الضفة الغربية للمعسكرات والطرق الالتفافية والمستوطنات، والتي بلغت حوالي 150 مستوطنة، يقيم فيها ما يزيد عن النصف مليون مستوطن، وهذه بحد ذاتها جريمة حرب، يعاقب عليها القانون الدولي.

وما زالت سلطات الاحتلال تتحكم بحركة الناس عبر مئات الحواجز، وتمنعهم من دخول القدس، وتهيمن على الاقتصاد الفلسطيني وتخنقه وتمنعه من النمو والتطور، وتسيطر على 85% من المياه الموجودة في الخزان الجوفي، وتسرقها، وتخصص للمستوطن تسعة أضعاف حصة الفلسطيني من المياه، وهناك 200 قرية وتجمع سكني محرومين من خدمات المياه.

في انتفاضة الأقصى وحدها قتلت إسرائيل ما يزيد عن 7500 فلسطيني، وفي حربيها على غزة قتلت آلافا آخرين، من بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين عزل، واستخدمت أسلحة محرمة دوليا، لتضيف إلى تاريخها الدموي مزيدا من الجرائم، التي يصنفها الخبراء جرائم ضد الإنسانية.

أربعون سنة من جرائم الأبارتهايد في جنوب إفريقيا العنصرية كانت كافية لإنهاء ذلك النظام الفاشي العنصري، حيث وقف العالم بأسره في نهاية الثمانينات وقال له كفى .. كم سنة سيحتاج الفلسطينيون ليحس العالم بأوجاعهم ؟! كم سنة يحتاج العالم ليرى بوضوح جرائم إسرائيل، التي فاقت ببشاعتها جرائم البيض في روديسيا وجنوب إفريقيا ؟! كم سنة تحتاج العدالة لتنتصر على الظلم ؟! كم سنة من العذاب والمعاناة تكفي لإيقاظ الضمير الإنساني ؟!

خمسة وستون عاما وما زال الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة في كل عام، يرفعون مفاتيح بيوتهم، وأسماء قراهم، ويحكون القصص عن أيام البلاد، وعن سنوات التشرد .. ويحلمون بالعودة.

خمسة وستون عاما مضت على النكبة؛ لكن النكبة ما زالت مستمرة، وتجدد نفسها كل يوم في حياة ومعاناة الفلسطينيين، ومع ذلك فقد انتصر الفلسطينيون على من أراد شطبهم من الذاكرة، وإخراجهم من جغرافية المنطقة، وبدلا من أن يطويهم النسيان؛ صاروا أهم حقيقة في الخارطة السياسية، وقضيتهم رمز العدالة والقيم الإنسانية، والكفاح من أجل الحرية.  

خمسة وستون سنة من الكفاح والتضحيات، تكفي .. تكفي لتظل نارنا المقدسة مشتعلة، ولتظل النكبة نبراس الضمير العالمي، والقضية الفلسطينية امتحان الشرعية الدولية.

خمسة وستون عالم من العربدة الإسرائيلية والاستهتار بالقوانين الدولية، وانتهاك حقوق الإنسان، وتجاهل قرارات مجلس الأمن، والتصرف كدولة مارقة فوق القانون، تكفي .. تكفي ليقول أحرار العالم: آن الأوان لمحاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم، وتقديمهم للعدالة الدولية .. آن الأوان لإيجاد حل عادل ومنصف يعيد للفلسطينيين وطنهم وحريتهم وبيوتهم التي أُخرجوا منها قهرا وغصبا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق