أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 06، 2013

رأي شخصي في باسم يوسف



من كان محبا للرئيس المصري أو مناصراً لجماعة الإخوان أو مؤيدا لجماعات الإسلام السياسي بشكل عام؛ فأنه حتما سيعتبر باسم يوسف – في الحد الأدنى - مجرد مهرج مبتذل، أو عميل مدسوس يريد تقويض التجربة الإسلامية .. أما من كان معارضا للإخوان، أو يخشى حكم  الإسلام السياسي؛ فإنه على الأغلب سيعتبره ناقدا لاذعا، شجاعا، خفيف الظل، يعبر عن ضمير وروح الثورة المصرية ..

بمعنى آخر؛ سيكون الموقف الشخصي والأيديولوجي المسبق والجاهز هو المعيار في تقبل أو رفض باسم يوسف. ولكن من وجهة نظر موضوعية (ليس بالضرورة محايدة) فإن الحكم على نجاح أو فشل البرنامج، اعتبار باسم يوسف كوميديّا مقبولا مضحكا، أو كراكوز سخيف، من الناحية المهنية يحتاج لخبراء في الكوميديا، وناقدين مختصين في الإبداع الإعلامي. ولكن باستخدام مقياس أبسط من ذلك، أي بالنظر للبرنامج بمعزل عن أي خلفيات سياسية أو أيديولوجية، وبدون مواقف مسبقة؛ فإنه في هذه الحالة سيصعب إنكار مدى الانتشار الواسع لهذا البرنامج، الذي بات من أشهر وأنجح البرامج العربية وأكثرها حضورا وانتشارا؛ سواء لمتابعي فضائية CBC، أو لمتابعي اليوتيوب .. حيث وصلت أرقام المتابعين والمهتمين ببرنامجه مستويات غير مسبوقة.

فلماذا وكيف تمكن هذا الطبيب الجراح الذي هبط بالبراشوت على الإعلام أن ينتزع لنفسه هذه المكانة ؟ وكيف هو دون غيره من بين مئات المذيعين المصريين والعرب نجح بأن يصبح الرقم واحد الأكثر مشاهدة ؟ هل هو إبداع كان الإعلام العربي بحاجة لمثله ؟! أم أن الناس في كل الوطن العربي بحاجة لمن ينقد أوضاعهم بطريقة ساخرة مضحكة ؟ لذلك تقبلوه وهضموه بسهولة، فاعتادوا عليه، حتى أدمنوه  ؟! لا بد أن في الأمر سراً ما.

في برنامجه الشهير؛ يستخدم باسم يوسف سلاح "السُخرية"، صحيح أنه في الحلقات الأخيرة ركز بشكل مبالغ فيه على الرئيس مرسي، إلا أنه سخر قبل ذلك من نفسه، ومن زُملائه الكوميديين، ومن رفاقه الإعلاميين، ثم من الشخصيات العامة المصرية، من أركان النظام، ومن المعارضة، من رجال دين إسلاميين، ومن رموز الكنيسة، من رؤساء عرب وأجانب، من أمريكا، ومن إسرائيل .. بجملة واحدة: سخر من الجميع دون استثناء.

مُعظم من سخر منهم باسم تقبلوا ذلك بروح رياضية، ومنهم من اعتبرها مدعاة للشُهرة والدُعابة. ومنهم من رفضها بحدة، واعتبرها مهينة. ومرة ثانية سيكون الموقف الشخصي والخلفية الثقافية هما المعيار في تقبل أو رفض هذا النوع من النقد الساخر؛ البعض - بطبيعتهم - يُعادون المرح والبهجة، ويعتبرون الضحك ملهاة، ومفسدة للقلب، ويعتبرون التجهّم علامة الجِدية، والعبوس علامة الإيمان، هؤلاء سيرفضون أي نوع من السخرية، سواء كانت مضحكة بالفعل، أم مبتذلة. وفي المقابل فإن أكثرية الناس يحبون الضحك واللهو ويتقبلون النقد الساخر غير المهين بروح طيبة.

لكن الضحك والسخرية ليسا السبب الوحيد وراء الانتشار السريع لبرنامج باسم يوسف؛ بعض المراقبين أضافوا عوامل أخرى مهمة؛ مثل الإعداد الجيد والمتمكن والمتعوب عليه، من خلال جيش ضخم من المساعدين الذين يرصدون كل حركة أو تعليق أو صورة للمستهدَفين، واعتماد التنوع والتجديد وتجنب الرتابة والتكرار. وكذلك المونتاج والإخراج الذكي والدقيق، من خلال تسليط اللقطة على الهدف مباشرة، وحسن اختيار اللقطة المناسبة للتعليق (والعكس)، والتناغم بين حركات المذيع واللقطات المعروضة، بدون أي أخطاء. ولا شك أن هذه الأمور بحاجة إلى موهبة وخبرة.

كما أن موهبة المذيع وطلاقة لسانه، وقدرته الاستثنائية على توظيف لغة الجسد، ربما هي الخاصية الأهم والأكثر جاذبية في أداءه، إلى جانب انتقاءه للمواضيع الأكثر سخونة وأهمية، ومتابعته تفاصيل الحياة اليومية والسياسية التي تعيشها مصر حاليا، كل هذه الأمور تضافرت لتعطينا برنامجا (إشكاليا) لم نشهد مثله من قبل.

لكن السؤال الأهم: لماذا رفض الإخوان هذا البرنامج، وحاربوه بكل قوة ؟! حتى أنهم وظفوا عشرات المحامين من أنصارهم، لرفع قضايا ضد باسم يوسف وقناة CBC، وربما لم يحدث في تاريخ الإخوان المسلمين أن وقفت كل الجماعة ضد شخص واحد بعينه، كما تقف الآن ضد باسم يوسف.

مصادر مقربة من الإخوان شككت في شخصية باسم يوسف وفي وطنيته، وفي تاريخه، واتهمته بالارتباط بجهات أجنبية معادية، وأنه يتقاضى أجرا فلكيا على برنامجه، لكنها لم تقدم دليلا يمكّن المحكمة من الحكم عليه بالسجن. وعندما استدعي للتحقيق من قبل النائب العام، أُفرج عنه بكفالة لعدم كفاية الأدلة.

البعض اعتبر باسم يوسف شجاعا، بغض النظر عن الموقف من نوعية الكوميديا التي يقدمها ومضمونها؛ فهو ينقد النظام بكل جرأة، ويسخر من الرئيس دون مواربة، وينتقد الإخوان المسلمين والجماعات السلفية دون خوف من ردة فعلهم، وهو مصمم على ذلك رغم التهديدات التي يتلقاها، وماضٍ في برنامجه بدون حماية وحراسات شخصية، أو ضمانات بعدم اعتقاله.

وفي المقابل؛ فإن استمرار هذا البرنامج في نظر آخرين، هو دليل على التطور الكبير في حرية الإعلام في مصر بعد الثورة، أي في عهد الإخوان، ودليل على سعة صدر الرئاسة وتحملها للنقد، فمثل هذا البرنامج لو قُدم في عهد الرؤساء السابقين لكان مصيره المنع وإغلاق القناة، واعتقال المذيع والمخرج ومساعديهم وتغييبهم خلف الشمس .. لكن شيئا من هذا لم يحدث !

إلا أن مصادر صحفية مقربة من المعارضة أكدت على اعتقال عشرات من الناشطين الشباب والإعلاميين والمدونين وحتى من مستخدمي الفيسبوك، وأن منهم من تعرض للتعذيب والتنكيل من قبل الأجهزة الأمنية، أو على يد (بلطجية) مقربين من الإخوان، إلى جانب حوادث القمع الشديدة لمظاهرات الاحتجاج ضد النظام، والتي سقط فيها ضحايا، وما برز في وسائل الإعلام من حوادث سحل وضرب واعتداء على المتظاهرين، وتكميم أفواه المعارضة، وتوصيفها بالخائنة والمندسة .. مؤكدين على أن السكوت على باسم يوسف كان حالة استثنائية؛ بسبب شهرته الواسعة، وخشية النظام على سمعته الدولية في حال تعرضت له.

مؤيدي باسم يوسف يرون أنه يمارس حقه الطبيعي كإعلامي في حُرية التعبير، وحقه كمواطن في النقد، بما في ذلك نقد رئيس الجمهورية؛ حتى لو كان من سُبل النقد السُخرية والتهجم. سيّما وأن النُكتة والفكاهة والسخرية تُعد أركانا أصيلة من الثقافة الشعبية المصرية، وعلى مر العصور، وهذا ما جعل المزاج العام يتقبل أسلوبه التهكمي. وهؤلاء أيضا يتهمون الإخوان أنهم يخشون النقد، لأنهم يعتبرون أنفسهم (أي الإخوان) فوق النقد، وينظرون لأنفسهم كجماعة ربانية، وممثلين للإسلام الصحيح، وبالتالي فإن نقدهم أو تجريحهم هو نقد وتجريح للإسلام !! كما أنهم يرون رئيس الجمهورية بمثابة "خليفة للمسلمين"، لا يجوز نقده أو السخرية منه؛ ليس لأنه الرئيس المنتخب، أو لأنه مرشح الإخوان وحسب؛ بل لأنه الناطق باسم الإله، والحاكم بأمر الله، وبالتالي فإن الإساءة إليه إساءة مباشرة للدين !!

قد أتفق مع معارضي "البرنامج" على أن باسم يوسف في بعض حركاته سخيف وغير مضحك، وأنه أحيانا ينتزع اللقطات من سياقاتها، وبالتالي فإنه يجتزئ الحقيقة، وينتقي منها ما يلائمه فقط، وأنه يبالغ أحيانا في التركيز على قضايا معينة (خاصة تسلطه على الجماعات الإسلامية) وأنه يغفل أو يتجاهل قضايا أخرى مهمة .. لكن ليس المطلوب منه أن يكون كاملا، ولا بوسعه الإحاطة بكل شيء، والأهم من ذلك ليس مطلوبا منه أن يتحرى الدقة والشمولية وعمق التحليل في طرحه للقضايا؛ فما هو سوى مقدم لبرنامج ساخر، يسعى للفت الإنتباه لقضايا يراها خطيرة، ودق الجرس أمام الجماهير لرؤية أشياء قد تبدو صغيرة لكنها من وجهة نظره هامة، ودعوة الناس للتفكير بدون خوف، ورؤية الشخصيات والشعارات معراة من هالات القداسة والتمجيد .. ما يسهّل عليهم رؤيتها بموضوعية.




باعتقادي، أنه على الجميع التعود على تقبل النقد، مهما كان لاذعا أو ساخراً؛ لأن النقد هو الضمانة أن لا يتحول النظام إلى دكتاتوري، والنقد هو السبيل الصحيح للتقويم والمراجعة وتصويب المسار .. النقد هو عكس ثقافة السمع والطاعة والخنوع. النقد بهذه الطريقة يعني أن نتعامل مع الرئيس (وكافة أركان النظام) على أنه إنسان قبل أي شيء آخر، قد يخطئ وقد يصيب، وأنه مواطن أولا، له حقوق وعليه واجبات، وما هو إلا موظف برتبة رئيس، يتوجب محاسبته ومراقبته ونقده .. وأنه ليس ناطقا باسم الله، ولا وليا لنعمه .. وعلينا أن نفهم أن الرئيس مهما كان نزيها وعادلا ومستقيما في سلوكه بدون نقد ومحاسبة سيتحول عاجلا أم آجلا إلى طاغية ..

من يثق بنفسه ومنهجه ويعمل بشفافية لا يخشى النقد؛ من يخشى النقد، أولئك الذين يريدون تمرير برامجهم ومشاريعهم على الشعب دون محاسبة أو مراجعة من أحد، ودون أي تشويش أو اعتراض، بصمت وتحت جنح الظلام، لأنهم يعملون لحساب مصالحهم الحزبية فقط، وهم على دراية بأنها ليست مصالح الوطن بالضرورة، ولأنهم يستخدمون الأدوات الشرعية والقانونية للدولة لتمرير صفقاتهم قبل أن يتنبه الشعب لها .. هذا إذا أحسنّا الظن، وإذا أردنا أن نكون أكثر وضوحا، فإن من يخشون النقد هم الفاسدون فقط.

والنقد حين يكون ساخرا يكون أكثر إيلاما وفاعلية، وأكثر تأثيرا في خلق الرأي العام، وتوجيهه، لأنه يتمتع بقدرة خارقة على الجذب، خلافا للنقد المباشر بأسلوب الوعظ والإرشاد.

نحن بحاجة للنقد الساخر، ببساطة، لأن واقعنا العربي مسخرة .. ويصعب على أي إعلامي مهما أوتي من براعة أن ينمق واقعنا ويظهره مرتبا، لأنه في الأساس غير مرتب. إلا إذا رغبنا بأن يستمر الإعلام العربي بمسلسل الكذب وتمجيد القادة والزعامات كما يفعل الإعلام الرسمي منذ عقود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق