أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مارس 12، 2013

الثقافة الوطنية في مواجهة السلفية



في البداية جاء مشروع الإخوان المسلمون لمواجهة وإجهاض "مشروع النهضة القومي" الذي دعا لطرح العدالة الاجتماعية ومقاومة الاستبداد والعلاقة مع الآخر، بمضامينه الحداثية والجمالية وأفكاره التقدمية، كما بشر به "الأفغاني، والكواكبي وعبده". حينها لم يسعى مشروع الإخوان لفرض مفاهيمه الاجتماعية والأيديولوجية على المجتمع بالقوة، إنما سعى لذلك بالتدريج وبشكل تراكمي ولا يثير حفيظة الناس. ومع نهاية العقد السابع من القرن الماضي أخذ الإسلام السياسي في المنطقة العربية دفقة جديدة أدت إلى انبثاق تيارات جديدة من رحم الإخوان، ذات سمات أكثر سلفية، ونزعات أشد للعنف (غُلفت باسم الجهاد)، اعتمدت في أيديولوجيتها تصنيف العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر، على مبدأ الولاء والبراء.
تلك السلفية الوهابية التي نشأت في مجتمعات قبلية غلبت عليها البداوة، صارت اليوم تنظيما عالميا، تحمل مشروعا عابرا للقارات، فهي لا تعترف بالحدود واختلاف المجتمعات؛ بل تحدد لنفسها قانوناً متكيفاً مع كل المجتمعات، ولا تؤمن بتعدد الثقافات، لأنها تنكرها أصلا، وتطرح نفسها بديلا عنها. ولأنها قامت على معيار وحيد هو الحلال والحرام، برؤية إطلاقية لا تقبل المهادنة؛ فإنها ستعتمد التكفير والعنف (اللغوي أو السلوكي)، ومحاربة كل ما لا يشبهها، بما في ذلك احتقار الفنون والثقافات والتراث والفلكلور الشعبي.
في العالم العربي تصطدم السلفية مع المشروع الوطني التحرري (العلماني) على عدة مستويات اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية، أما في فلسطين فيُضاف إلى تلك المستويات كل ما يتصل بالصراع العربي الصهيوني؛ حيث ترفض السلفية كل ما تطرحه القوى الوطنية من برامج ومفاهيم لها علاقة بتعريف الصراع، وتحديد أولوياته وركائزه ومنطلقاته وأدواته وأساليبه، وما يتصل بمرحلة التحرر الوطني، والهوية الوطنية والتراث الشعبي.
على هذا الصعيد تعتبر السلفية الصراع الدائر مع الصهيونية شكلا من الحرب الدينية، وبالتالي سترفض مفاهيم التحرر الوطني والبرامج السياسية التي تتبناها القوى الوطنية. أما على المستويات الثقافية فنلاحظ مثلا أنها تتوخى المناطق الإشكالية والشائكة التي قد توردها مواضع الشبهات؛ فهي تريد أدبا بلا مشاهد جنسية، وفنا لا يثير تساؤلات عقائدية، وثقافة ليس فيها نزوع فلسفي يطرح قضايا وجودية، ورياضة بدون اختلاط، وجمال بدون المرأة .. بمعنى آخر لا تريد شيئا مؤرقا.
وعلى صعيد منهجية التفكير يعتقد السلفيون أن فرض الحجاب سيضبط الموازنة العامة، وإطالة اللحية ستحل البطالة، وهدم التماثيل سيلغي الفساد من المجتمع .. وهي عقلية بسيطة، لا تستطيع إدراك العالم إلا ضمن معادلات صفرية، لا معادلات مركبة، ولا تفهم الواقع إلا من خلال "النص"، وبأسلوب يعتمد التقليد والاستغراق في الماضي، وترى أنها بتنكرها الشديد لإنجازات العصر الحاضر في التصوُّرات، والأفكار؛ إنما ترفض الفساد، وتطهّر الحياة الإسلامية من الشَّوائب الفكرية الدخيلة عليه.
ففي غزة مثلا، وبحجة "المحافظة" تريد الحركات السلفية فرض حصار داخلي على المجتمع اسمه الأخلاق؛ والأخلاق في عرفهم تنحصر في الحجاب ومنع الاختلاط، والتركيز على الشكليات، وما زالت تمعن في فرض رؤاها المتشددة والمتعصبة على المجتمع؛ وتحارب أي شكل من الإبداع والفن والثقافة لا يتماشى مع فلسفتها، بذريعة أن ذلك يتعارض مع قيم المجتمع. علما أن المجتمع الفلسطيني متحضر ومنفتح ومتسامح، والمرأة تحظى فيه بمكانة محترمة تليق بتضحياتها، وبمستوى من الحريات الشخصية، تضيق بها المدارس الفكرية السلفية.  
                                                                   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق