أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 12، 2013

المرأة .. بين الحرية والرذيلة


حرية الإنسان هي جوهر إنسانيته وكرامته وقيمته الحقيقية التي لا تتحقق إلا بامتلاكها. والأصل أن حرية الإنسان كلٌ لا يتجزأ؛ وبالتالي فإن المرأة بوصفها إنسان قبل أي شيء آخر لها الحق في امتلاك حريتها مثلها مثل الرجل، وهذا يعني أن تملك روحها وجسدها ومصيرها، وأن تحدد لنفسها أهدافها في الحياة، بحيث تكون هي المسؤولة الوحيدة عن خياراتها بدون وصاية أو ولاية أحد، مع مراعاة القيم والأخلاق الإنسانية.

والحرية (سواء للرجل أم للمرأة) ليست معطى مطلق؛ بل لها ضوابط ومحددات يتفق عليها كل مجتمع وفقا لمنظومته الثقافية والقيمية، وهي أيضا ليست هبة من أحد، ولا يحق لأي جهة ما أن تسلب إنسانا حريته طالما أنه لم يعتدي ولم يتجاوز القوانين.

ولكن، في الذهنية العربية ترتبط عادة حرية المرأة بقضايا الشرف والعفّة، وغالبا ما يُصدِر العقل العربي أحكاما مسبقة على حركة المرأة وخروجها من البيت مقترنة بالإباحية والفساد والرذيلة ! وهذا النمط من التفكير ناجم عن عقلية نمطية متوارثة منذ قرون، نشأت أساسا في بيئة صحراوية قاحلة، ونمت في مناخ ثقافي ينظر للمرأة ككائن دوني، وازدهرت أكثر في عصور الحريم والجواري. ومن الغريب أنها ما زالت ماثلة في حاضرنا رغم الأشكال الظاهرية العديدة للحداثة والتمدن، ولا شك أن نظم التعليم السائدة المتخلفة، والخطاب الديني الماضوي المنغلق وراء استمرار وتفشي هذه النظرة السلبية للمرأة، وهذا المفهوم الغريب لحركتها وحريتها.

أي ربط جائر، وكل ما يُقال بهتاناً في وصف المرأة وحريتها ليس سوى ترديد لأسطوانة معادة يتم إنتاجها من قبل عقلية مبرمجة سلفا، ترددها بلا وعي وبدون تفكير، أو تأكُّد من مدى صحتها ومطابقتها للواقع . فهي عقلية ترى أن المرأة الحرة هي المرأة الساقطة، وتعتقد أنه بمجرد أن تأخذ المرأة حقوقها وحريتها ستبدأ فورا بالتسكع والفجور والعصيان، لأن هذا هو هدفها الوحيد في الحياة ! 

وذلك بسبب تلك النظرة السلبية للمرأة في المجتمعات العربية؛ وهي نظرة لا تحصر المرأة في جسدها فقط؛ بل وتعتبر أن جسدها عورة وفتنة يجب تغطيتها ومراقبتها وإبعادها عن الرجال حتى لا تثير غرائزهم، وهذا الفهم الغرائزي البدائي للمرأة جعل المجتمع يتعامل معها وكأنها كائن بلا روح وبدون إرادة، وبعد ذلك صار يطالب بامتلاك هذا الجسد والسيطرة عليه؛ حيث الاعتقاد السائد هو أن انفلات المرأة من قبضة الرجل وخروجها من ملكيته، وتحررها من رقابته يعني أنها ستفسد فورا، لأنها في نظره بنصف عقل، وبالتالي فإن غياب ولي أمرها - الذي كان يصونها ويمنعها من الوقوع في الخطأ - سيجعلها تبتذل جسدها.

وبالتأكيد هذه ليست دعوة للكشف عن جسد المرأة بدعوى أنه ليس عورة؛ بل هو كشف عن عقلية بدائية تختزل المرأة بجسدها، وتصادر إنسانيتها، وتعتقد أنها إذا امتلكت حريتها لن تغطي هذا الجسد، ولن تصونه ! لأنها عقلية تعتبر أن الأخلاق خاصة بالرجال وحدهم.

وهذه العقلية لا تظلم المرأة وتهينها وحدها، بل تهين الرجل في نفس الوقت؛ إذّ أنها لا تصوِّر الرجل على أنه ذئب يتربص بفريسته وحسب، أو أنها تلغي عقله وإمكانية التحكم في غرائزه؛ بل وتلغي قبل ذلك البُعد الإنساني في شخصيته، وتجعل من المجتمع كله عبارة عن غابة، كل ما فيها عبارة عن فرائس وطرائد ووحوش.

في كل المجتمعات الإنسانية تقع الأخطاء (من قبل الرجل والمرأة على حد سواء)، ولكن في المجتمعات الذكورية هناك معيار مزدوج للحكم؛ بحيث تتساهل مع الرجل، وتغفر له، وتتجاهل خطأه، حتى لو كان جريمة نكراء، في حين يتم تضخيم أي خطأ تقع فيه المرأة. وهذه الأحكام غير العادلة - بالإضافة لما ذكرناه - ناجمة عن استغلال المجتمع لضعف المرأة، وهو الضعف الذي ظل يعززه بالقوانين والأعراف والشعارات الدينية.

وتصحيح هذا الوضع، ورد الاعتبار للمجتمع، برجاله ونسائه يأتي أولاً عبر احترام آدمية المرأة، ومنحها الثقة التي تستحقها، والنظر إليها بوصفها إنسان طبيعي يخطئ ويصيب ضمن حالات الضعف البشري العادية، وهذا لا بد أن يسنده قوانين وتشريعات ونظم تعليم وخطاب عصري حضاري يحترم حقوق المواطنة دون تمييز على أساس الجنس. وأي إدعاء عن امتلاك المرأة حريتها وحقوقها ومساواتها بالرجل، يبقَ مجرد إدعاء ما لم يثبت العكس؛ ومعيار ذلك هو المقارنة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات والحريات في القوانين والنُّظم السائدة، الاجتماعية والدينية والقضائية. فإذا تبين أن لها ماله وعليها ما عليه؛ فهي حرة بالفعل. وخلاف ذلك، فإن المرأة ليست سوى شيئا تابعا للرجل مثلها مثل أي قطعة من ممتلكاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق