أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 05، 2013

لماذا أخفقت الثورة الفلسطينية ؟! مراجعة شاملة مختصرة



أول خطأ ممكن أن نقع فيه إذا ما تصدينا للإجابة على هذا السؤال، هو أن نحصر الإجابة في سبب واحد، ومن بعده نعلّق عليه كل أوزار المرحلة. أما الخطأ الثاني فهو الوقوع في فخ السؤال والقول بأن الثورة الفلسطينية فشلت في تحقيق أهدافها الكبرى، أو أنها هُزمت؛ ذلك لأنها ما زالت قائمة ومستمرة، ومن المبكر إصدار أحكام نهائية بحقها. وفي المقابل، ولنفس السبب لا نستطيع الإدعاء بأنها أحرزت غايتها ونجحت في تحقيق أهدافها، بالرغم من مضي قرابة النصف قرن على انطلاقتها. ولكن يمكننا رصد بعض المفاصل التاريخية التي وقعت فيها أحداثا كبرى وتركت أثرت بليغا حال دون وصولها إلى مبتغاها، وتحديد بعض الأطراف الخارجية التي ألحقت بها هزائم عسكرية وإستراتيجية مهمة، أو أجبرتها على التراجع، أو أدت إلى حرفها عن مسارها. وطبعا دون أن نعفيها من كشف العديد من العوامل الذاتية والممارسات السلبية التي أسهمت في إضعافها.

في مرحلة التهيؤ للإنطلاقة، نصحت عديد من الدول الحليفة قادة الثورة بالتريث، معتبرة أن خطوة كهذه هي ضرب من المغامرة، سيّما وأن بيئة الثورة تفتقر للتضاريس الجغرافية التي تمكّنها من شن حرب عصابات، ودول الجوار ليست على استعداد لتقديم أي دعم لوجستي لها، هذا إذا لم تضربها قبل إسرائيل. وأمام إصرارها على الإنطلاقة في الفاتح من ال65، أطلق عليها الجنرال "جياب" ثورة المستحيل.

وعندما انطلقت "فتح" وضعت لنفسها استراتيجية ورؤية شاملة نابعة عن دراستها للواقع بتفاصيله العامة، وحددت أهدافا وغايات، واقترحت وسائل وأساليب ... ولكن من المؤكد أن هذا المخطط لم يكن ليسير كما أُريد له دون معوقات أو إخفاقات .. ذلك لأنه لا توجد في تاريخ الثورات ضمانات أكيدة للنصر، والعمل السياسي مليء بالمفاجئات غير المتوقعة، خاصة وأن المجال الحيوي الذي ستُجسَّدُ فيه الفكرة يُعتبر من أسخن بؤر التوتر في العالم، وأكثرها أهمية؛ وبالتالي أكثرها قلقا واضطرابا، والجغرافيا السياسية تتحكم بعسف في مجريات الأحداث، وكذلك التوازنات الإقليمية والمصالح الدولية وموازين القوى .. إلخ.

في الأساس ولأن فتح حركة التغيير في المنطقة فقد تناقضت جذريا مع الكيان الإسرائيلي، وحاربت السياسة الأمريكية في المنطقة، وفي الأردن تصادمت مع الدور الوظيفي للنظام، وفي لبنان خلْخَلت التوازن الهش في الصيغة اللبنانية، وتضاربت مع الأطماع السورية (والعراقية) في الاستحواذ على القرار الوطني، وكشفت هشاشة النظام العربي، ووضعت شعاراته على المحك.
في مرحلة ما قبل الانطلاقة، كان الخطر الأكبر الذي يتهدد الشعب والقضية هو مؤامرات الدمج، والتوطين، والإذابة، وطمس الهوية الوطنية، أي اقتلاع الشعب الفلسطيني من جغرافية المنطقة، ومنع أي حضور سياسي له، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية لاجئين؛ فركّزت فتح على ضرورة بلورة كيانية سياسية للشعب الفلسطيني، وانتزاع الاعتراف العالمي بها، وقد سعت لذلك من خلال الكفاح المسلح.

أي أن الهدف من إطلاق شرارة الثورة كان الإعلان عن وجود الشعب الفلسطيني، ورفض مخططات تغييبه، والإعلان عن بِدْء تمرده على الواقع الظالم، ومحاربته مخططات تصفية قضيته، والإبقاء على جذوة الصراع متّقدة، وحرمان العدو من الاستقرار، وتعبئة الأجيال على روح المقاومة والصمود. انطلاقا من فهم فتح أن قضية فلسطين إلى جانب كونها قضية وطنية، هي أيضا قضية عربية وإسلامية ودولية، وحلّها يتطلب استنهاض كافة الطاقات العربية والإسلامية، وإقامة التحالفات الدولية، وتعديل موازين القوى، وتغيير الخارطة السياسية للمنطقة، أي بجملة واحدة، تغيير أسس النظام العالمي بأسره، وهذا الأمر ليس بمقدور الشعب الفلسطيني تحقيقه بمفرده، لذلك ظلت الثورة في مرحلة الدفاع الاستراتيجي، على أمل إحداث التغيير المنشود، ولكن لا يمكن لها أن تنتظر أمراً لا يظهر في الأفق أي بارقة أمل لتحقيقه؛ لذلك وبعد الخروج من الأردن، وبعد حرب أكتوبر، واتضاح معالم الخارطة السياسية الجديدة، اتضح لفتح مدى صعوبة تحقيق الأهداف الكبرى، ومدى عبثية انتظار ما لن يأتي؛ فكانت آنذاك في أمسّ الحاجة لتحقيق انتصار واحد ذو معنى تاريخي، وقيمة سياسية وإستراتيحية، يمكن له أن يشكل بداية انتقال نحو آفاق جديدة ومختلفة، خاصة وأن الثورة كانت في حالة حصار ودفاع وتتكبد خسائر فادحة.

في هذه المرحلة تبنت منظمة التحرير البرنامج المرحلي، وكان هذا أول تحول سياسي عميق في الإستراتيجية الفلسطينية، أي الانتقال من هدف التحرير الشامل وتصفية المشروع الصهيوني، إلى هدف إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67. البعض اعتبرها تنازلا وتراجعا، والبعض اعتبرها سياسة واقعية تتيح للمجتمع الدولي تفّهم المطالب الفلسطينية وتأييدها، والبعض اعتبرها بداية التحول إلى مرحلة الهجوم السياسي.

فتح في لبنان

شكلت لبنان (1969 ٍ~ 1982) قاعدة الثورة الفلسطينية، ونقطة ارتكازها، وفي حقبة العمل الفدائي في لبنان - وهي من بين أهم المراحل في تاريخ القضية - خاضت الثورة أشرس المعارك، وقدَّم أبناؤها وقادتها نماذج رائعة في البطولة والفداء والتضحية، وفي المقابل ظهرت أسوأ الممارسات السلبية، وارتكبت القيادة أخطاء كثيرة، وأساءت تقدير مواقف عديدة. لكن بالمجمل يمكن القول أنها كانت الحقبة الذهبية للعمل الفدائي والاشتباك المسلح مع العدو الإسرائيلي، والتي وصلت ذروتها في صيف 1982، في ملحمة الصمود في بيروت.

بدأت الثورة تحقق إنجازات مهمة، وتقطف ثمار كفاحها، بدء من العام 1974 بإعادة طرح القضية الفلسطينية (بمضامينها السياسية) بقوة في المحافل الدولية، وبانتزاع اعتراف كل من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ونجاحها في ضم كافة الفصائل الفلسطينية تحت إطار منظمة التحرير، وإقامة تحالف وطني عريض مع القوى اللبنانية التقدمية. لكن الحرب الأهلية اللبنانية ستقول كلمتها الفصل في تغيير مسارات الأحداث، وبشكل دراماتيكي.

 شكّلت فتح العمود الفقري للثورة الفلسطينية، وشغلت أكثر من 80% من قواتها العسكرية والتنظيمية والجماهيرية، ومع ذلك لم تكن حزبا مقفلا، بل كانت حركة جماهيرية تضم في صفوفها كل المناضلين من اليسار واليمين والوسط، ومن التيارات الوطنية والقومية والإسلامية، وفيها تعايش المسلم مع المسيحي مع الدرزي، والفلسطيني مع الكويتي واليماني واللبناني والأردني، وقد ضمت نخبة المفكرين والقادة العسكريين إلى جانب الطلبة والمقاتلين، ورجال الأعمال مع الفلاحين والعمال والكادحين .. ببساطة، مثّلت فتح مزيجا متجانسا من كل الفئات والشرائح والاتجاهات والطوائف، لأنها كانت فوق الطبقة والطائفة، ولأنها عبَّرت عن الكل الوطني، وحملت مشروعا وطنيا جامعا؛ جوهره مقاومة إسرائيل، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية، والنضال من أجل الحرية وكرامة الإنسان، بروح وطنية عربية منفتحة على الإنسانية.

لذلك؛ فقد رأت فيها القوى الوطنية اللبنانية حليفا قويا، بينما اعتبرتها الشرائح الاجتماعية اللبنانية المهمشة (وكذلك المخيمات الفلسطينية) نصيرا لها، في مواجهة المارونية السياسية المتحالفة مع القوى البرجوازية واليمينية التي كانت تهيمن على الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان، ثم صارت ملاذا لكل القوى الثورية واليسارية وحركات التحرر في العالم .. فيما رأت الجماهير بأنها تقاتل نيابة عن الأمة العربية، وتدافع عنها، حتى الشعراء والكتّاب والمعارضين والمطلوبين من قبل حكوماتهم القمعية وجدوا في فتح مشروعا ثوريا تقدميا ينشد الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية، ويسمو على الطائفية والقبلية، لذلك أيضا، فقد مثّلت فتح للكثيرين خشبة الخلاص من شبح الحرب الطائفية التي كانت تهدد لبنان بأكمله.

وعندما تفجرت الحرب الأهلية اللبنانية في نيسان 1975، حاولت منظمة التحرير أن تنأى بنفسها عن الحرب، وأن تلزم الحياد، لكن القوى الوطنية اللبنانية انتقدت موقفها هذا واعتبرته سلبيا، وأنه يعني التخلي عن حلفائها في مواجهة القوى الرجعية والطائفية التي لا تريد الخير للبنان، ولكن، ومع تطور الأحداث وجد الفلسطينيون أنفسهم مجبرين على التورط في الحرب اللبنانية، وأن تلافي ذلك هو أمر مستحيل، لأنه يعني أولا استباحة المخيمات الفلسطينية، والقضاء على قاعدة الثورة ونقطة ارتكازها ثانيا.

بعد سنة من الحرب، تمكنت القوى الفلسطينية اللبنانية المشتركة من بسط نفوذها على ما يقارب 80% من لبنان، وأصبح الانتصار على القوات الانعزالية مسألة وقت، ما يعني إنهاء الحرب والتخلص من هيمنة القوى الرجعية والطائفية وبناء النموذج اللبناني التقدمي المقاوم، والتفرغ لمواجهة إسرائيل. كان هذا ممكنا لولا التدخل السوري الذي قلب موازين القوى، (الموافَق عليه ضمنيا من قبل الولايات المتحدة)، حيث هاجمت القوات السورية (40 ألف جندي محمولين على مئات الدبابات) المناطق التي تسيطر عليها القوات الفلسطينية اللبنانية المشتركة، ورغم أنها تكبدت خسائر فادحة على أطراف بيروت، وخسرت كتيبة كاملة في صيدا، إلا أن القوات السورية قلبت المعادلة، وأعادت القوى الانعزالية كما كانت، وبذلك تجددت الحرب مرة ثانية.

لم تكن الضربات العسكرية التي تلقتها الثورة الفلسطينية على يد بعض الأنظمة العربية وحدها التي أضعفتها، أو قللت من الخيارات أمامها، أو فرضت عليها مسارات محددة؛ فقد كانت الضربات السياسية أشد تأثيرا في بعض الأحيان، إذ سعت دول المنطقة للاستحواذ على الورقة الفلسطينية، والإمساك بها وفرض نوع من الوصاية والهيمنة عليها، من خلال مصادرة القرار الوطني، أو اختراق الساحة الفلسطينية، ودعم الانشقاقات بداخلها، كما حدث في دعم العراق لانشقاق صبري البنا، ومن ثم تشكيل ما عرف حينها بجبهة الرفض، وكذلك دعم سوريا لانشقاق "فتح الانتفاضة"، وتشكيل جبهة الإنقاذ، وفي مرحلة لاحقة تشكيل ما سمي بتحالف الفصائل العشرة، فضلا عن المحاولات المستمرة لفرض أتباع وحلفاء لدول المنطقة في تركيبة اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والوطني، وفي العقد الأخير برزت سياسات من نفس النوع من قبل إيران وقطر.

إسرائيل من جهتها، ومنذ اليوم الأول شنّت حربا شعواء على الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، سواء بالاغتيالات، أم بعمليات الإنزال، والاقتحامات والاجتياح والقصف والحروب .. الخ. وهذا العدوان الإسرائيلي المتواصل أدى إلى خسارة الثورة خيرة أبنائها وقادتها، فضلا عن الخسائر المدنية التي كان السكان في كثير من الأحيان يحمّلون الطرف الفلسطيني مسؤوليتها. صحيح أن إسرائيل تكبدت خسائر كبيرة في لبنان؛ لكنها قامت أخيرا في صيف 1982 باجتياح لبنان بقوات تزيد عن ال 75 ألف جندي مدعومين بآلاف الطائرات والدبابات، حتى تمكنوا من إجبار القوات الفلسطينية على الخروج من بيروت، والجنوب اللبناني بأكمله.

وستكون الضربة التالية لفتح على يد النظام السوري؛ حيث أن خروج القوات الفلسطينية من بيروت، وتشتتها في سبعة دول عربية، أوهم النظام السوري بأن الفرصة سانحة للقضاء كليا على فتح، ومن ثم مصادرة القرار الفلسطيني والإمساك بالورقة الفلسطينية التي طالما حلمت بها؛ وهكذا صار الانشقاق ومعركة طرابلس 1983، والتي انتهت أيضا بالخروج الفلسطيني الثاني من لبنان، وضرب وحدة فتح العسكرية والتنظيمية، والتي ستحتاج سنوات طويلة لإعادة اللُّحمة لها.
وبعد سنتين ستتجدد الحرب السورية ضد "العرفاتيين" ولكن هذه المرة على يد قوات حركة أمل "الشيعية"؛ حيث بدأت بدعم من سوريا بما سمي بحرب المخيمات (شاتيلا وبرج البراجنة) التي استمرت ثلاثة سنوات وخسر فيها الفلسطينيون آلاف القتلى والجرحى.

بعد هذه السنوات العجاف المثخنة بالجراح، توهم النظام العربي الرسمي بأن القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية سياسيا بات أمرا ممكناً؛ فكان مؤتمر القمة العربي (عمّان، تشرين ثاني 1987) تعبيرا عن محاولة العودة إلى زمن الوصاية والاحتواء، لولا تفجر الانتفاضة الشعبية في فلسطين في نهاية نفس العام، التي فرضت على كافة الأطراف إعادة حساباتها من جديد، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني.

ومرة ثانية يتورط الفلسطينيون في معادلات النظام العربي وأزماته وحروبه، حيث اجتاحت القوات العراقية الكويت (آب 1990)، وألغت الدولة الكويتية، الأمر الذي استدعى تدخل النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وكان موقف منظمة التحرير غير مفهوم وغير مبرر من قبل دول الخليج العربي التي كانت حتى الأمس حليفا وداعما لها، لكن قيادة المنظمة وجدت أن الموقف القومي الثوري يتطلب منها رفض التدخل الأجنبي والتواجد الأمريكي في المنطقة تحت حجة تحرير الكويت، لكن هزيمة العراق ضاعفت من قيمة الفاتورة التي دفعتها منظمة التحرير لقاء موقفها هذا .. ولم يقتصر الأمر عند حدود عقاب دول الخليج للمنظمة؛ بل أدى إلى انقسام الموقف العربي بأكمله إلى محورين (ضعيفين)، ما يعني أن خسارة منظمة التحرير لم تكن فقط في خسارة حليفها القوي (العراق)؛ بل وفي خسارتها العمق العربي كله. وما فاقم من حجم الخسائر أنها تزامنت مع انهيار النظام السوفييتي (الحليف التقليدي للفلسطينيين) ونشوء نظام عالمي أحادي القطبية، أعطى للأمريكان مزيدا من القوة والهيمنة. وستمر سنوات طويلة قبل أن تتمكن منظمة التحرير من تعويض جزء من تلك الخسائر.

1979 مفصل تاريخي

بالعودة إلى لبنان، وتحديدا العام 1979، سنجد أن ثلاثة أحداث كبرى مهمة سيكون لها أثرا بالغا في توجيه مسار الأحداث، وفي إضعاف الثورة الفلسطينية: الثورة الخمينية، توقيع مصر على معاهدة سلام مع إسرائيل، وفي العام التالي بدء الحرب العراقية الإيرانية.

وإذا كان توقيع كامب ديفيد أدى إلى عزلة مصر وخروجها من النظام العربي؛ فإن الحرب العراقية الإيرانية أدت إلى انشغال العراق بحربه المجنونة، وفي المحصلة خسرت الثورة الفلسطينية أهم حليفين، كان من المفترض أن يكونا قوة إسناد لفلسطين.
ولما انتصرت الثورة الإيرانية، وأطاحت بالشاه فرح الفلسطينيون بها، وظنوا أنها ستعوض خسارتهم لمصر، وستعدّل من موازين القوى في المنطقة، لذلك كان ياسر عرفات أول من زار إيران وهنأ الخميني بنصره، ومن طهران أطلق عبارته الشهيرة: "عُمْقنا الإستراتيجي يمتد من صور إلى خراسان". لكن بعد وقت قصير تبين أن الرهان كان خاطئا، وأن الخسائر الفلسطينية ستكون أفدح من المتوقع.

الكاتب "د. شفيق الغبرا" - وهو فدائي عايش التجربة الفلسطينية في حقبة السبعينات - في كتابه "حياة غير آمنة" يصوّر طبيعة الأجواء التي سادت بعد انتصار الثورة الإيرانية، ويتحدث عن مدى تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على الثورة الفلسطينية، وعلى المنطقة بشكل عام؛ يقول "الغبرا": "مع عام 1979 تبين أننا أصبحنا وحدنا، بلا مساندة؛ فقد نجحت إسرائيل في الاستفراد بالوضع الفلسطيني، بينما قاعدتنا في جنوب لبنان بدأت تهتز أكثر، من جهة ثانية فإن السلام بين مصر وإسرائيل انعكس سلبيا على موازين القوى، وفي إسرائيل حكومة يمينية بقيادة بيغن، الأكثر استعدادا للمغامرة والتطرف، لكن التغير الكبير الذي وقع في الشرق هو انتصار الثورة الإيرانية، التي أحيت الأمل في قلوب الكثيرين منا، وقد عنت لنا في البداية تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط". (الغبرا، ص 341).

ويضيف: "جاء النموذج الإيراني ليقول إن الثورة في العالم العربي والإسلامي لن تكون ماركسية، أو اشتراكية، أو يسارية، أو قومية أو وطنية كما كنا نقول ونعتقد؛ بل إسلامية الاتجاه والهوى، دينية المضمون والعمق". (الغبرا، ص 342).

واعتبر الكثير من المحللين أن انتصار الثورة الإيرانية أعطى للإسلام السياسي في المنطقة العربية زخما إضافيا، ومنَحه القوة الإعلامية والجماهيرية التي كان يحتاجها، بل وقلَب كل الموازين، ومثّل بداية تراجع وانكفاء القوى القومية واليسارية والوطنية والعلمانية. إذْ بدأت شعارات الإسلام السياسي بالظهور بقوة، مثل "الإسلام هو الحل"، و"تطبيق الشريعة"، وأخذ شبان "ثوريون" يتبنّون أفكار الإسلام السياسي، ويستبدلون الشعار القديم "الوحدة العربية الطريق إلى فلسطين" بشعار "الإسلام هو الطريق إلى فلسطين"، فيما راح يساريون متأسلمون باستبدال مصطلحات اليسار التقليدية بأخرى إسلامية؛ مثلا حلت كلمة المستضعفين بدلا من العمال والكادحين، والشيطان الأكبر بدلا من الإمبريالية، وهكذا.

ولكن تأثيرات أطروحات الإسلام السياسي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لم تكن بأهمية أثرها على الواقع السياسي؛ فمثلا التركيز على مواضيع الحجاب والنقاب ومصافحة المرأة ومنع الاختلاط وغيرها ليست بمستوى التغيير الحاصل في منهجية التفكير لدى الشبان والمتأثرين بخطاب الإسلام السياسي الجديد، فقد صار للدين مساحة أكبر على حساب القضايا الوطنية، وبدأ الإسلام السياسي يغزو المساجد، ويستقطب المزيد من المريدين والأتباع، وإذا بالحجاب يتحول من مسألة فقهية أو شخصية إلى رسالة سياسية بامتياز، تدل على مدى قوى حضور الأحزاب الدينية في منطقة معينة، وإذا بالناس المتدينين يتحولون إلى طبقة سياسية اقتصادية قوامها رجال الدين وقادة الأحزاب السياسية الدينية، وإذا بصورة المجاهد الأفغاني تستقطب جيلا بأكمله، وتستحوذ على فؤاده بدلا من صورة الفدائي الفلسطيني.

وفي هذا الصدد كتب "الغبرا": "مع بروز الإسلام السياسي بصورته الجارفة بعد الثورة الإيرانية، بدأ الشيعي منّا يتحول إلى شيعيّته، والسنّي بدأ يكتشف سنّيته الإسلامية، أما الدرزي فبدأ يتساءل عن موقعه في المشروع الإسلامي الجديد، ما يدفعه إلى الانضواء في ظل طائفته، والمسيحي الذي وهب حياته للقضية الوطنية بدأ يكتشف أن المشروع الإسلامي الجديد لا يقدم له الحل؛ بل ينظر له بوصفه مسيحي، أو من أهل الذمة، وصار البعض منا يتساءل هل هذا هو المشروع الذي ناضلنا من أجله ؟ هل يُعقل أننا كنا على خـطأ طوال هذه السنوات ونحن نتبنى أفكار اليسار والطرح اللاطائفي والعقلاني الثوري ؟ وماذا حصل للمفهوم العروبي والوطني الذي يجمع ما بين المسلم والمسيحي والدرزي والشيعي والسني والعربي والكردي". (الغبرا، ص 347، 349).

ويتساءل الغبرا على لسان صديقه خالد (المسيحي الفدائي): "هل بهذا الفكر الطائفي الضعيف سنحرر فلسطين ؟ ونتقدم وننجح في استيعاب تنوع مجتمعنا ؟ أم بهذا الفكر سنـزداد طائفية وقبلية وانغلاقا وتفتتا واقتتالا ؟ هل كانت مشكلتنا في الأساس قلة الصلاة والصوم وغياب الحجاب؛ أم مشكلتنا في غياب الجدية والاستعداد للبذل وضعف حرية التفكير ؟ هل بدأنا نتخلى عن فكر فتح المرن الذي يعترف بالتعددية والتنوع وحق الاختلاف لصالح فكر منغلق يفرق الناس بين مؤمن وكافر، ويركز على طقوس شكلية ؟ هل بدأ الفكر الوطني يموت لصالح فكر طائفي فئوي ؟ هل هذه بداية هزيمتنا وانتهاء حلمنا ؟". (الغبرا، ص 349، 350).

وكان من بين تأثيرات موجة الإسلام السياسي على الثورة الفلسطينية، هو بدء حالة من تفكك الروابط التنظيمية الفتحوية، وتراجع قوة التيار اليساري الذي كان يتسم بالطرح العقلاني الثوري غير الطائفي، وتشتُّت القاعدة الفتحوية بين منبهر بالنموذج الإيراني، ومتفرج ومراقب، ومنتقد ومتخوف، وعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية انقسمت القاعدة التنظيمية بين مؤيد للعراق ومؤيد لإيران. ويعدد الغبرا عددا من الأمثلة التي تأثرت بالثورة الإيرانية: "فمنير شفيق الذي كان يرمز لعمقنا الفكري، وهو مسيحي المولد يساري الفكر، ذهب إلى إيران، وهناك أعلن إسلامه، بينما حمدي وأبو حسن ومروان، وهم من أعمدة الكتيبة الطلابية، ساروا على الدرب الإسلامي ولكن في إطار فتح، أما خالد فقد بدا متألما مصدوما يعيش خيبة أمل، وهناك مثله الكثيرين من المسيحيين الذي تركوا عائلتهم وانسلخوا عن خلفياتهم المسيحية والمارونية لصالح القضية الوطنية ووجدوا أنفسهم فجأة مكشوفين وبلا أي سند، وأيضا أنيس النقاش المفكر المنفتح الذي ترك فتح لصالح العمل في الثورة الإيرانية، لدرجة أنه تورط في اغتيال شاهبور باختيار في باريس، وكذلك عماد مغنية الذي تحول إلى حزب الله (يقال أنه تورط في خطف طائرة كويتية لصالح إيران)، وغيرهم الكثيرين من كوادر فتح الذين رجعوا إلى طوائفهم وانضموا لأحزاب طائفية". (الغبرا، ص 349-353).

والتغيير الآخر المهم، حصل في الطائفة الشيعية التي كانت تقف بأكملها إلى جانب الثورة الفلسطينية، وتقدم لها كافة أشكال الدعم، حتى أن المئات منهم كانوا منتسبين لفتح، هؤلاء وبدعم من فتح في البدايات أسسوا أفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، والتي ما لبثت قليلا حتى بدأت بالصدام مع الحركة الوطنية اللبنانية، ثم في مرحلة لاحقة قادت حركة احتجاج كبيرة على الوجود الفلسطيني، حتى تصادمت مع فتح (بدعم سوري)، لكن التغيير الأهم حصل في الجنوب اللبناني ذو الأكثرية الشيعية، الذي بدأ يضيق ذرعا بالمسلكيات التخريبية وغير المنضبطة للعديد من أفراد القوى الوطنية والفلسطينية، وبدأ يعاني أكثر من تبعات احتضان المقاومة من جراء القصف الإسرائيلي، هذه القاعدة الشعبية العريضة التي شكلت الحاضنة الأهم للثورة الفلسطينية بدأت بعد الثورة الإيرانية تتململ وتعبر عن استيائها بصوت أعلى؛ الأمر الذي جعل فتح وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية تواصل عملها العسكري بعد العام 1982 تحت اسم "المقاومة الوطنية اللبنانية"، ثم وفي مرحلة لاحقة بعد صعود نجم حزب الله في أواخر الثمانينات تحولت المقاومة إلى مسمى "المقاومة الإسلامية" التي تفرد بها حزب الله. 

وستتأثر الطائفة السنية بنفس الشكل والطريقة، ولكنها ستحتاج مزيدا من الوقت، حتى بدايات القرن الحالي، حيث انتشرت في المناطق السنية (وخاصة طرابلس وصيدا والمخيمات الفلسطينية) ظاهرة الحركات الأصولية، التي أخذت منحى طائفي متطرف، وانشغلت في قضايا ثانوية وصراعات مذهبية.

وكان من شأن هذا الاستقطاب الطائفي أن أشعل المزيد من النيران في الحرب الأهلية اللبنانية، وأن يطيل في أمدها تسعة أعوام كاملة بعد الخروج الفلسطيني من لبنان. فإذا كانت الحرب مشتعلة فعليا قبل مجيء الخميني بأربعة سنوات، فإنها بعد ذلك أخذت مناحي أخرى أشرس وأكثر خطورة؛ ففي البداية كان جوهر الحرب وأسبابها عبارة عن تناقض جذري بين مشروعين: القوى الوطنية التقدمية اليسارية ضد القوى اليمينية الرجعية المتحالفة مع الرأسمالية البرجوازية، إلى جانب كونها حربا سياسية بين أطراف إقليمية ودولية اختارت لبنان حلبة لصراعاتها وأطماعها، وكانت الطائفية مجرد الوقود الذي يمد الحرب بالنيران، وكان من الطبيعي أن تجد في صفوف القوى الوطنية المسيحي والماروني والدرزي والسني واللبناني والفلسطيني والعربي والكردي جنبا إلى جنب ضد القوات الانعزالية، لكن بعد الخروج الفلسطيني صار القتال يأخذ شكلا واحدا: طائفة ضد طائفة، وأحيانا تيار ضد تيار من نفس الطائفة. وهذه كله بالمجمل، وبعد خمسة عشر عاما من الاقتتال جعلنا نخسر نموذج التعايش اللبناني المتسامح والمنفتح بآفاقه الرحبة على الإنسانية، وجعل الفلسطينيون يخسرون أهم قاعدة ارتكازية لهم بعد الأردن، وأجبرهم على الدخول في أنفاق سياسية مظلمة والوقوع في منزلقات لم تكن تخطر على بالهم أيام الثورة والعمل الفدائي.

خلاصة

يمكن القول أن حركة فتح هي آخر حركات التحرر العربي التي ما زالت تتصدى للمشروع الاستعماري، وتأتي بمكانة جبهة التحرير الجزائرية، وحزب المؤتمر الوطني الهندي بقيادة غاندي، والمؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة مانديلا، وغيرها من حركات التحرر الوطنية التي قادت نضالات شعوبها نحو الحرية والاستقلال، وعبرت عن قضاياهم الوطنية في المحافل الدولية، والفارق بين فتح وغيرها من تلك الحركات التحررية هو في طبيعة الفوارق بين القوى التي استعمرت تلك الشعوب، وبين الاحتلال الصهيوني بطبيعته التوسعية الإجلائية ودوره الوظيفي الإقليمي ومكانته وأهميته في النظام الدولي، وبالتالي الفارق بين صعوبات العمل والنضال في الحالتين، خاصة وأن العمق العربي المحيط بفلسطين تبين أنه لم يكن حليفا للفلسطينيين، بل كان عدائيا؛ مستترا تارة وواضحا تارة أخرى.

وبالرغم من تاريخها النضالي الطويل، إلا أن فتح لم تدرك غايتها للآن، ولم تحقق أهدافها الكبرى كما كانت ترسم وتخطط؛ فخلال خمسين سنة خاضت أجيالا متتالية من الفلسطينيين صراعا داميا، منهم من سُجِن أو سُحِل أو عُذِّب أو قُتِل أو أُبعِد أو لوحق أو خسر عمله أو بيته أو أحبائه .. من حرب إلى حرب، ومن موقع صعب إلى أصعب .. ومع ذلك ما زال الحلم بعيدا ..

فمنذ الخروج الأول من الأردن، والفلسطيني في حالة حصار وانحسار، يعكس واقع الضعف العربي والتواطؤ الدولي، ويتكبد الخسائر ويدفع الأثمان الباهظة؛ إلا أنه نجح في الإبقاء على شعلة القضية الفلسطينية متقدة ومتوهجة، بعد أن كانت منسية ومقفلة في أدراج الأمم المتحدة، ونجح في تحرير القرار الفلسطيني من قيود الوصاية العربية، ونجح في الصمود والدفاع عن نفسه وعن حلمه وحقوقه، بل ونجح في جعل القضية الفلسطينية جزء أساسيا من المعادلات والحسابات السياسية الدولية والإقليمية كرقم صعب لا يمكن تجاوزه، وجعل القضية الفلسطينية ركنا هاما من أركان الضمير الإنساني، وجعل من الظلم الواقع عليه رمزا للاضطهاد والظلم الواقع على الشعوب المستضعفة، وحوّل كفاحه إلى رمز للثورة على القيد ومناهضة الاحتلال والتمييز في العالم.

يمكن لنا أن نعدد أسباب أخرى، وعوامل كثيرة متداخلة أدت إلى إضعاف الثورة .. لكن علينا أن ندرك أن السبب الأساسي لقوة العوامل الخارجية التي أعطتها كل هذا التأثير الطاغي في توجيه مسارات الثورة هو أن عناصر القوة الكبرى وأدوات الصراع الأساسية القادرة على حسم الصراع ليست في أيدي الفلسطينيين، وهي من الأساس عوامل خارجية، لأن القضية الفلسطينية ذات أبعاد دولية، ولأن إسرائيل هي أصلا مجرد مشروع استعماري دولي، وبالتالي فإنها ستكون جزء أساسي من النظام الدولي والإقليمي. بمعنى أن الجغرافيا السياسية هي عامل أساسي وحاسم في إدارة الصراع، وهذا يعطي لدول المنطقة مزيدا من أوراق القوة والتأثير .. في الوضع الطبيعي كان من المفترض أن تكون هذه الأدوات هي عناصر قوة لصالح القضية الفلسطينية، أي أن الأمة العربية والدول الإسلامية لو أنها سخرت مواردها وطاقاتها وعناصر قوتها لصالح فلسطين لتمكنت من حسم الصراع منذ زمن بعيد، ولكن ما جرى كان هو العكس في أكثر الأحيان، فقد رأينا من خلال السرد التاريخي كيف كانت دول الجوار تؤثر سلبيا على مسارات الثورة، ورأينا كيف عانت الثورة من ظلم ذوي القربى أكثر مما عانت من ظلم إسرائيل.

وعلينا الاعتراف بأن العوامل الخارجية على اختلافها وبالرغم من قوة تأثيرها، لم تكن هي الوحيدة المسؤولة عن تراجع وضعف الثورة الفلسطينية؛ إذ لعبت العوامل الذاتية دورا مهما في وصول الحالة الفلسطينية إلى ما هي عليه اليوم؛ في الأردن ولبنان وغيرها برزت مسلكيات تخريبية غير مسؤولة من قبل أفراد، لكنها لم تجد من يحاسبها أو يردعها، وكذلك ظهرت حالات عديدة من الفساد المالي والإداري في مؤسسات الثورة، وأيضا لم تواجه بآليات ضبط ومحاسبة كما ينبغي، وفي العديد من المرات أساءت القيادة تقدير الموقف السياسي أو العسكري، وتبنت سياسات متسرعة أو مهادنة، واتخذت قرارات خاطئة، بل يمكن القول أن الارتجال هو الذي كان سائدا في جو العمل في كثير من الأحيان، إلى جانب ضعف التخطيط الاستراتيجي وغياب الرؤية الشاملة بعيدة المدى، وضعف آليات التنسيق بين الفصائل والمؤسسات والتشكيلات العسكرية والتنظيمية.

ويمكن القول أيضا أن الثورة اخطأت في البدايات حين ركزت (أو حصرت) كل جهدها في المجال العسكري وعمليات الكفاح المسلح، دون أن تعطي الأهمية المطلوبة لبناء التنظيم وللعمل الجماهيري والإعلامي .. لذلك ظل النضال في الأراضي المحتلة لسنوات طويلة مقتصرا على العمليات الفدائية، أي أنه كان ينمو بمعزل عن الجماهير .. لكن فتح أدركت خطأ هذا النهج بعد الخرود من بيروت 1982، حين بدأت في بناء القواعد والمنظمات الشعبية في الأرض المحتلة، وبدأت تشجع وتدعم أشكال مختلفة من النضال الشعبي السلمي، والتي كان ذروتها الانتفاضة الشعبية الأولى.

كما أن إهمال العمل التنظيمي جعل من فتح أشبه بالتنظيم الهلامي، وهذا إن كان مفيدا من ناحية التوسع الجماهيري وجعل فتح حركة الشعب الفلسطيني بأسره، يمكن لكل فلسطيني أن يرى نفسه فيها بصورة أو بأخرى دون الحاجة لطلب انتساب .. لكنه من نواحي أخرى عديدة ألحق أضرارا كثيرة في صورة فتح .. وفتح الباب واسعا أمام الفوضى والانفلاش والمسلكيات التخريبية والفساد.

ومع ذلك، فإن تحديات العمل في بيئة معادية، وفي منطقة تتحكم فيها الجغرافيا السياسية بشكل طاغي، وفي مواجهة عدو شرس ومتفوق وقوي، ومدعوم أمريكيا ومسنود دوليا، مسألة ليست بالهينة أبداً .. وصمود الثورة الفلسطينية وتواصل رايتها جيلا بعد جيل يعد معجزة بحد ذاتها، لكنها ليست بالغريبة على الشعب الفلسطيني.

ومنطق التاريخ يؤكد على استحالة سحق شعب مناضل حي يطالب بحريته واستقلاله. ومهما كانت آلة القمع الإسرائيلية قوية ومتجبرة، فإنها لن تعني شيئا سوى إطالة أمد الصراع؛ فكل حرب تؤسس للتي تليها، وكل عنف يولد ردة فعل مساوية له، ومن رحم كل هزيمة عسكرية يُخلق جيلا جديدا من المقاومين .. فتح جاءت أول فعل عربي فلسطيني منظم في مواجهة نكبة ال 48، وانتصارها في الكرامة جاء ردا على نكسة ال 67، ومآثر الجنوب والعرقوب الخالدة جاءت ردا على أيلول الأسود، والانتفاضة الشعبية جاءت ردا على الخروج من لبنان، والانتفاضة الثانية جاءت ردت على العنجهية الإسرائيلية ورفضها القبول بشروط التسوية العادلة. وهكذا يستمر الصراع ويستمر النضال.

إسرائيل ما زالت جاثمة على صدر فلسطين، ما يعني أن جولات جديدة من الصراع  الدامي آتية لا محالة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق