أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 01، 2012

وصف سريع لمشهد مكثف - 29 نوفمبر 2012



بالأمس، كان ميدان الشهيد ياسر عرفات وسط مدينة رام الله ممتلئاً عن آخره، وكذلك كانت كل الميادين والساحات في المدن الفلسطينية، وفي بعض مخيمات الشتات، يعني ذلك أن مئات الآلاف من الفلسطينيين (فضلا عن الملايين الذين تسمروا أمام الشاشات) خرجوا بمحض إرادتهم، وهم بكامل وعيهم لحضور لحظة تتويج فلسطين في الأمم المتحدة ومنحها صفة دولة مراقب، وهذا بحد ذات استفتاء شعبي واضح على هذه الخطوة التاريخية.

كان المشهد استثنائيا، بكل معنى الكلمة، رأيت الجميع بحالة فرح غير عادية، على إيقاع الطبول، وأغنيات العاصفة والعاشقين والميجنة .. رأيت كهولا تقفز وتنط كالأطفال، وشبانا يدبكون ويرقصون، وصبايا تلوح بكوفياتها السمراء، حالة يمكن وصفها بهستيريا الفرح الجماعي، حتى حنان عشراوي وقفت على المسرح تلوح بالعلم الفلسطيني وتتمايل معه كنسمة، وتغني .. ومن عينيها ينز الفرح ..

ساعات طويلة من الترقب والقلق .. في اللحظات الأخيرة حبس الجميع أنفاسهم، وعيونهم مركزة على شاشة العرض، وما أن لمح الجمهور الصاخب الرقم 138، حتى دوى التصفيق، وانطلقت الزغاريد، وعانق الأحبة بعضهم بعضاً، وأخذ الكل يصدح بالهتافات ويرفعها إلى عنان السماء، المعظم بكى فرحا، ومن لم يبكي اغرورقت عيناه بالدموع .. كان بحق عرسا فلسطينيا بامتياز .. احتل فيه العلم الفلسطيني صدارة المشهد بلا منازع، ثم انطلقت المسيرات الراجلة، وطوابير طويلة من السيارات .. تجوب الشوارع، وتعبر عن بهجتها بكل عفوية .. وجنون .. وتغني للوطن .. و للغلّلابة ..

كان الوطن كله حاضرا .. بصغاره وكباره .. الأسرى أبرقوا برسائل التأييد والمباركة .. حتى الشهداء .. كانوا حاضرين؛ فقد نمت فوق قبورهم أزهار السوسن والحنون .. ياسر عرفات شخصيا كان صوته الجهوري يملأ المكان: "أعلن قيام، قيام دولة فلسطين، فوق أرضنا الفلسطينية" .. ثم يدوي التصفيق .. وتطير البالونات بألوان العلم الفلسطيني ..

كان يوما من أيام فلسطين، كان مشهدا رائعا لا يتكرر .. فرحنا به كثيرا .. وما أفرحنا أكثر، هم أولئك الذين يذكروننا دوما بيافا وحيفا وعكا وبئر السبع وصفد والناصرة والرملة .. أولئك هم ضمانة مستقبلنا .. وحراس حلمنا .. هم ضميرنا الحي، وذاكرتنا الجمعية .. هم قلبنا النابض ووجداننا الوطني .. هم نشيدنا الخالد الذي نزرعه وردا في عقول أطفالنا .. 

لهم ولنا أقول: حصول فلسطين على صفة دولة مراقب، وإقامة دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية لا يعني أبدا التنازل عن فلسطين، وأذكرّكم جميعا بأن فلسطين بأكملها ضاعت واغتصبت قبل أن يتبنى الفلسطينيون قرارا سياسيا واحدا، ضاعت فلسطين بسبب التواطؤ العربي والدولي، وما تفعله منظمة التحرير هو محاولة استعادة ما يمكن استعادته .. والحفاظ على ما تبقى من الأرض .. أما تحرير فلسطين والقضاء على إسرائيل فهذا يحتاج جيوشا عربية .. ويحتاج تغيير المعادلة السياسية التي تحكم العالم .. ويحتاج تغيير موازين القوى .. ويحتاج أمورا كثيرة .. لا يملك الفلسطينيون شيئا منها .. وفي المدى المنظور والبعيد والبعيد جدا لا تبدو أي إشارة على أن هذه الشروط ستتحقق .. وبالتالي من العبث انتظارها .. بل أن الانتظار يصبح تواطئا مع المجرمين، ثم يصبح جريمة بحد ذاته.

ما فعلناه يوم أمس هو فتح كوّة في جدار مغلق .. وإشعال شمعة في غرفة معتمة .. هو إنزال الحلم من عليائه إلى أرض الواقع .. وتقريبه أكثر .. وجعله ممكنا .. هو محطة هامة من محطات النضال الوطني .. هو ذروة كفاحية .. تفتح آفاقا جديدة للمستقبل .. هو حدث مفصلي هام سيخلق وقائع سياسية مختلفة ..

باختصار .. هو يوم تاريخي أتشرف بأني كنت على قيد الحياة .. وشاهدته بأم عيني ..

مبروك لفلسطين ... كل فلسطين الحرة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق