تناقلت صفحات عديدة عبر
موقع الفيس بوك خبرا مفاده أن جامعة النجاح الوطنية في نابلس قامت بمنع الطالبات
من ارتداء ما يسمى "الفيزون" داخل الحرم الجامعي. وبما أني من المهتمين
بأخبار جامعة النجاح، والمتابعين للنجاحات العلمية والأكاديمية المتواصلة التي تحرزها
على أكثر من صعيد؛ فقد تعجبت من الخبر، ولم أصدّقه، لقناعتي أن رئاسة الجامعة ليس
لديها الوقت للانشغال بمثل هذه الأمور التافهة، في الوقت الذي تواصل فيه تقدمها
وشق طريقها لأخذ مكانة أفضل في مجال البحث العلمي، لتحقيق طموحها في أن تصنف ضمن المراتب
المتقدمة بين جامعات العالم المرموقة.
لذلك بدأت بالبحث
والتأكد من صدقية الخبر، وقد أسعدني أن السيد خالد مفلح مدير العلاقات العامة في
الجامعة قد نفى هذا الخبر في لقاء مع PNN، مؤكدا أن الجامعة لا علم
لها بهذا الموضوع، وأنها لا تُصدر مثل هكذا قوانين. ومع استمرار البحث وجدت أن نفس
الخبر وبنفس الصياغة يجري تداوله على مواقع أخرى لجامعات مختلفة، مثل: الجامعة
الهاشمية في الأردن تمنع الفيزون، جامعة اليرموك تمنع الفيزون، وهكذا .. حتى أن
نفس العبارات كانت تتكرر مثل: حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وأن المجتمع
لن يصمت إذا صمت الأهل، وأن قرار المنع جاء من باب احترام التقاليد الإسلامية ..
ما يدل بوضوح على أن جهة معينة هي من تقف وراء نقل هذه الشائعة.
ربما يكون تناقل الخبر بين الشباب على سبيل الممازحة،
أو نوع من المناكفات الطلابية، وفي عصر الفيس بوك لا يحتاج أي خبر للكثير من الوقت
حتى ينتشر. ولكن المهم في الموضوع من يقف وراء صناعة الخبر، ومن يسعى لتعميمه بين
الجامعات كما لو أنه حقيقة واقعة، وما هي غايته من ذلك ؟
ليس من الصعوبة أبدا الإجابة على هذه الأسئلة،
فمن الواضح أن نشطاء ينتمون لجماعات إسلامية هم المسئولون عن كل ذلك، ومن الواضح
أن هدفهم من ترويج الخبر الإيحاء بأن الجامعات تُجمع على محاربة الفيزون، وتتفق
فيما بينها على تقدير خطورته كما لو أنه آفة العصر. وأن هؤلاء النشطاء يسعون للتخلص
من ظاهرة الفيزون في الجامعات، هذا على الأقل في المرحلة الحالية، أي حسب الظروف
والمعطيات المتاحة، حتى باستخدام الكذب وترويج الشائعات (الكثير من الطالبات سيصدّقن
الخبر، وسيلتزمن بمضمونه كما لو أنه تعليمات رسمية). وإذا ما تحسن الوضع أكثر،
وتعززت قوتهم فسيواصلون مسلسل المنع ليطال أشياء كثيرة وربما كثيرة جدا، موجودة
على قائمة المحظورات والمحرمات التي ينتظرون تهيؤ اللحظة المناسبة لفرضها على
المجتمع.
علماً بأن أغلبية طالبات جامعة النجاح محجبات،
وحتى غير المحجبات فإن لباسهن محترم كباقي نساء مجتمعنا، ولكن على ما يبدو أن
هؤلاء الشبان كانوا ينظرون لزميلاتهم نظرة غير بريئة،كانت تثير فيهم غرائزهم
الجنسية !! وهذا يدل أيضا على أن جُلّ اهتمام هؤلاء النشطاء هو كل ما يتصل
بالتضييق على المرأة، ومحاصرتها، وإحكام السيطرة عليها، من خلال سلسلة من الفتاوى
التي تنطلق من هوس جنسي غير عادي، نابع عن كبت جنسي وتصحّر روحي وانغلاق فكري.
من الملاحظ أن هؤلاء يمنحون أنفسهم سلطة على
الفرد أعلى من سلطته على نفسه، وأعلى من سلطة الأهل على أبنائهم، وأعلى من سلطة
القانون على المجتمع؛ فيتدخلون في خيارات الإنسان الشخصية، وفي لباسه ومسلكه بما
يتناسب مع أفكارهم وأيديولوجيتهم المتزمتة، والتي لم يقر بها ديننا السمح المنفتح
على الإنسانية، والمتصالح مع فطرة الإنسان المحب للجمال والحرية والحياة.
ملابس الطالبات ليست هي القضية الجوهرية، ولا هي
المشكلة الأساسية في الجامعات العربية. المشكلة أن جامعاتنا لا تقدم شيئا للحضارة
الإنسانية، ولا تسهم في حل مشاكل العالم المتزايدة، وليس لها أي نتاج ثقافي أو
أدبي يعتد به، وهي في التصنيفات العالمية بالكاد تدخل وتحتل آخر القائمة.
الأجدى بطلبة الجامعات والقائمين عليها أن يكون
تركيزهم منصبا على تطوير وتحسين مستوى جامعاتهم، وكيفية الارتقاء بها، والإجابة
على الأسئلة المفزعة: لما تخلو قائمة أفضل ألف جامعة في العالم من أي جامعة عربية
؟! ولماذا لا تُحسن جامعاتنا سوى تخريج طوابير للبطالة ؟ ولماذا لا يمتلك الطلبة
مهارات البحث العلمي والتفكير الإبداعي ؟ فلا نرى أيٍ منهم في الكهوف والحقول
والغابات والمختبرات وعلى قمم الجبال وفي أعماق المياه؛ يقومون بأبحاثهم العلمية
كما تفعل جامعات العالم المحترمة !! وكل ما يعرفه هؤلاء الطلبة هو النسخ والنقل
والكتابة التنظيرية !! بل كيف يتخرج طلبة جامعيون وثقافتهم العامة غاية في الضحالة
والسطحية، بل حتى في تخصصاتهم الأكاديمية !!؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق