تعاني
المرأة العاملة في المجتمعات العربية عموما من إشكالية معقدة متعددة الأوجه
والمستويات، تبدأ بتلك النظرة السلبية التي طبع بها المجتمع المرأة بصورة عامة، والتي
تزداد حدتها مع المرأة العاملة بصورة خاصة، ثم تمتد لتشمل معاناتها مع الأدوار
المزدوجة والمركّبة التي تجد نفسها مرغمة على ممارستها في نطاق حياتها الأسرية ومحيطها
الاجتماعي؛ فهي إلى جانب كونها امرأة عاملة هي أيضا ربة بيت، عليها مسؤوليات إضافية
كلّفها بها المجتمع حصرا دون الرجل، لتتحمل هموم المنزل بكل تفاصيله، وغالبا بدون
تعاون الرجل، بل تكون خاضعةً لإرادته ونزقه.
ومن
البديهي أن هذه الوضعية إنما جاءت نتاجا حتميا لثقافة المجتمع؛ فبفضل الموروث
الثقافي الموغل في القِدم تشكلت صورة معينة للمرأة؛ كانت غالبا تضعها في خانة
الضعف، ثم تُحدِّد لها دورا وظيفيا يحصرها في نطاق الزوجة والأم، وللأسف ما زالت رواسب
هذه النظرة حاضرة في عقلية المجتمع بالرغم مما يدعيه من تقدم، بل وأنها اكتسبت
طابعا أيديولوجيا في بعض الأوجه؛ لذلك ظلت الفئات التقليدية والمحافظة تقلل من
قدرات المرأة وإمكانياتها، وتشكك في دوافع عملها. وفي الحالات التي أخذ فيها
المجتمع يغير من نظرته تجاه المرأة تدريجيا، وبدأ يتقبل عملها؛ كان الدافع وراء
هذا التحول (الإيجابي) التغيرات الجذرية التي فرضها إيقاع العصر، بكل متطلباته
وتجلياته، والحاجة الاقتصادية الملحّة لمواكبة تلك التغيرات السريعة والمتلاحقة،
أكثر من كونها تعبيرا عن حالة متقدمة من الوعي والإيمان بدور المرأة وبقدراتها،
بدليل أن المجتمع ما زال يفضّل أنواعا معينة من عمل المرأة، ويرفض أنواعا أخرى،
ومعياره في ذلك طبيعة العمل ومواقيته ومخاطره.
وجذر المشكلة التي تعاني منها المرأة العاملة يكمن
أساسا في نظرة المجتمع المتخلفة للعمل نفسه، والتركيز على أنه مجرد وسيلة لكسب
الرزق، أكثر من كونه قيمة اجتماعية وثقافية ومعنوية، أي تفريغه من رسالته
الإنسانية وحصره في أبعاده المادية، وهذا ينطبق بالضرورة على الجنسين، ولكن هذه
النظرة ستكون أكثر تخلفا عندما يتعلق العمل بالمرأة؛ إذْ يصبح عمل المرأة أساس
البلاء في المجتمع؛ فهو سبب زيادة البطالة، لأن المرأة تنافس الرجل على فرص الشغل
المتوفرة، وهو سبب تدني الأجور، لأن المرأة تقبل العمل بأجور متدنية، وهو سبب
الانهيار المجتمعي لأنه عملها يعني خروجها من المنزل معظم اليوم وأحيانا في الليل
وتخليها عن دورها التقليدي تجاه زوجها وأبنائها، وهو سبب الانحلال الأخلاقي، لأن
عملها يتطلب اختلاطها بالرجال !!
وعند
الحديث عن عمل المرأة ــ حتى من أولئك المناصرين لحقها في العمل ــ نجد أن معيار
القبول بعملها هو الحاجة المادية، وليس ممارسة حقها الطبيعي لإثبات ذاتها في نطاق
المجتمع، أو تعبيرا عن التزامها تجاه القضايا التي تؤمن بها. وبالتالي كانت نتيجة ذلك
تزايد الدعوات للمرأة للمكوث في بيتها طالما أن الرجل قادر على تأمين متطلباتها
المادية، وهذا يعني تكريس تبعيتها للرجل وخضوعها للأمان الاقتصادي الذي يوفره، أما
في حالة عجزه عن ذلك فيمكن لها أن تخرج للعمل، ما يعني أن المرأة في هذه الحالة لن
تخرج للعمل إلا مضطرة، وتحت وطأة الحاجة، وطبعا مع حصر عملها في مهن محدودة، وضمن
إطار معين، بحيث يعطل من إمكانية منافستها للرجل على فرص العمل المتاحة، أو يحُــدّ
من قدرتها على منافسته في المواقع الإدارية العليا؛ فهي عندما تكون مجبرة على
العمل بسبب ظروفها الاجتماعية البائسة، وحاجتها الماسّـة لتغطية نفقاتها أو لإعالة
أسرتها ستقبل حينئذ بأقل الأجور، بل وأيضا سترضخ لشروط العمل مهما كانت مجحفة
ولاإنسانية. وهو الأمر الذي استغلته القوى البرجوازية أسوأ استغلال.
وبالرغم من كل ما حققته المرأة من إنجازات ومكتسبات،
سواء على صعيد تغيير ثقافة المجتمع، أم على صعيد سوق العمل، ما زال عمل المرأة في المجتمعات
العربية يعدّ إشكالية كبرى، ومساواتها الكاملة بالرجل تظلُّ حلماً بعيد المنال؛ إذ
أن غالبية التقارير الصادرة بهذا الشأن تؤكد أن المرأة العربية بصورة عامة ما زالت
تعاني من جملة إشكاليات، منها: تدني حجم مشاركتها في سوق العمل؛ فقد كشف تقرير صدر عن "البنك الدولي"
في العام 2003 أنّ حجم مشاركة المرأة العربية في سوق العمل هو الأدنى من بين دول
العالم، وإن كانت النسبة تتفاوت من بلد لآخر. وهناك مشكلة تفشي البطالة بين النساء
المتعلمات، فمعظم أصحاب الأعمال يفضّلون توظيف الرجال، بسبب طبيعة المرأة التي
تتطلب الحصول علي إجازات كثيرة بسبب الحمل والرضاعة ورعاية الأطفال. وأيضا هناك مشكلة
الأجور المتدنية، وقد أظهرت تقارير "منظمة العمل الدولية" أن النساء
يحصلن على أجور أقل من الرجال بشكل عام، حـتـى في المهـن الـتـي تعد مناسبة أكثر
لطبيعة النساء، مثل التمريض، وهناك أيضا المشاكل الخاصة التي تواجه النساء في سوق
العمل كالتحرش الجنسي، والنظرة الدونية تجاهها من قبل رؤسائها في العمل، وحرمانها
من حقوقها الوظيفية، ومن تكافؤ الفرص مقارنة بالرجل، وعدم الاعتراف بمساهماتها في
عملية التنمية الشاملة، وبخاصة في الجانب الاقتصادي، الأمر الذي يقلل من قيمة
دورها المجتمعي؛ ففي دراسة لمنظمة الأسكوا (المنظمة العربية للعلوم والتكنولوجيا)
حول عمل المرأة ، تبيَّن أن نسبة كبيرة من النساء يعملن في القطاع غير الرسمي (غير
المُسَجَّل) مثل الإنتاج المنزلي وفي المشاريع متناهية الصغر (حياكة الملابس،
المصنوعات اليدوية، المنتجات الغذائية، مشاريع زراعية)، والنساء في هذه
المجالات غالبا يعملن بدون أجر مباشر في المشاريع الخاصة، أو بأجر زهيد في حالة
العمل في مشاريع مشتركة.
إضافة إلى ذلك هنالك مشكلة محدودية الوظائف، فمن
الملاحظ أن عمل النساء في العالم العربي، يكاد ينحصر في عدد محدود من المهن التي
تقع في درجات أدنى من السُّلَّم الوظيفي، حيث تشير البيانات إلى أن أكثر من ثلثي
النساء يعملن في القطاع الزراعي في المناطق الريفية، وهناك بعض المهن تسيطر عليها
النساء مثل التمريض والخدمة الاجتماعية. وفي القطاعات الحكومية يتركز عملهن في
المهن الكتابية وأعمال السكرتارية، ونادراً ما يشغلن وظائف إشرافية، فضلاً عن
محدودية فرص الترقي وتبوؤ مناصب عليا، وفي مقابل ذلك يتضاءل نصيب المرأة العربية
في قطاع التصنيع، ويكاد ينعدم في المجال العسكري.
والواقع أن مشكلات المرأة العاملة أكثر من ذلك، فبرغم
أن قوانين العمل في العالم العربي تنص على حماية المرأة من الأعمال الشاقة، وتوفير
سبل الراحة إذا قامت بمثل هذه الأعمال مثل إيجاد وسيلة للتنقل، وتأمين حضانة
لأطفالها تكون قريبة من مقر عملها وعلى نفقة جهة العمل، وحقها في إجازة الأمومة، غير
أن هذه القوانين عادة ما يتم تجاهلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق