التراث
الشعبي الفلسطيني بالإضافة إلى عراقته وقِدَمِـه؛ يتسم أيضا بالشمولية والاتساع، وقدرته
على إظهار براعته وجماله الأخّاذ، وسحره الذي يخلب الألباب، وفنه النابض بالحياة، وغناه
بالألوان والزخارف والأشكال المعتّقة بعبق التاريخ وجمال الطبيعة وعبقرية الإنسان،
وهو لا يقتصر على ثوب متشح بالتطريز، أو أغنية يرددها الحادي، أو رقصة تؤديها
الصبايا في الأعراس؛ إنه تركيبة شاملة ومتنوعة تعكس كل تفاصيل الحياة الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية، وظروفها، وبيئتها، وفلسفتها، أوْكَلَ الفلسطيني له مهمة الإفصاح
عنها جميعاً.
وإضافة
إلى ما سبق، فإن ما يميز التراث الفلسطيني التصاقه بالأرض بنفس القدر الذي يحلّق
فيه في الفضاء، سابحا بكل حرية وجرأة، ولكنه يظل دوما متأثرا بالبيئة المحلية
ويعكس صورتها، ويتحدث بالنيابة عنها بلغة الجمال والبساطة، فيتنوع بتنوع المناخ،
وتتابع فصول السنة، وتغير تضاريس المكان، بكل مرونة ورشاقة.
ولأن
فلسطين بلد زراعي ومعظم سكانها من الفلاحين، فقد كان للمواسم الزراعية نصيبا وافرا
من هذا التراث، يتجلى ذلك في الأمثال الشعبية التي تحكي عن الطقس والرياح ومواعيد
الزراعة، في طقوس مواسم البذار والحصاد، في انتظار المطر والخوف من انحباسه، في
جمع الحطب وقطاف الزيتون وتقليمه، في بيع المحصول، وتخزين مونة الدار تحسبا لأيام
الشتاء والجوع، في ليالي السامر بعد مواسم الخير، في البيادر وعلى سفوح الجبال، في
مواسم التين والصبر والعكّوب، والتداوي بالبابونج والميرمية، في وصف عنب الخليل
وبرتقال يافا وبطيخ جنين، والتغني بالربيع والأقحوان وشقائق النعمان، عن أربعينية
الشتاء والريح الشرقية والخوف من الصقيع، عن حَر الصيف، ومواقيت التصليب في
الخريف، عن مكاثي الفقوس، ونوّار اللوز، ورائحة المشمش، ونضوج التين.
وقد راكم
المجتمع الفلسطيني خبراته الزراعية والحياتية والبيئية على مر الأجيال، وعرف
"التقويم الزراعي"، والخصائص المناخية لكل أسبوع من السنة، ونظرا لارتباط
هذه الخصائص المناخية في برنامج عمله اليومي، فقد تم ضبط وتوقيت بداية ونهاية
المواسم الزراعية المختلفة على أساسها، ومع تراكم خبرات هذا المجتمع الزراعي الفلاحي
فقد تشكل لديه وعيُ بيئي مميز، إلى درجة أنه أنتج ثقافة بيئية ونباتية متقدمة،
عبرّ عنها بالأمثال الشعبية وخزّنها في الذاكرة المجتمعية، كقوانين ثابتة تنظم
حياتهِ وأعماله، وتشكل
جزء هاما من ثقافته الوطنية، حتى غدت هي هويته التي تُعرّفُ عليه
وتميزه عن غيره، وتُشكِّل وعيه لذاته، وتاريخ وجوده، وحياته الممتدة في أعماق التاريخ[1].
وحسب
الرزنامة الشعبية والتقويم المحلي تبدأ السنة الزراعية ببداية موسم الأمطار وبدء الأعمال
الزراعية، وتنتهي بعد الحصاد، وقد ربط الفلسطيني تسيير أعماله ومواسمه الزراعية
بالأعياد وحسب التقويم المسيحي الشرقي، حيث يصادف عيد القيامة للمسيح، وعيد
العنصرة (وقت الحَر). أمّا عيد الميلاد فهو (وقت البرد)، وعيد البربارة (وقت
الأمطار) وعيد الصليب (وقت قطاف الرمان) وقطاف الزيتون وبداية بشائر المطر، وعيد اللد
(وقت زراعة الحبوب)[2].
وهكذا
نلاحظ أنه في كل فصل من السنة هنالك موسم ما، يزخر بالعطاء والتجدد ويشهد على كرم
الطبيعة وجمالها الأخاذ: في الشتاء تجود بيارات يافا بأجود أنواع البرتقال، وقبل
أن يأتي الربيع تزهر أشجار اللوز على الهضاب وتكسوها بالأبيض المدهش، ثم يأتي موسم
الفراولة فتفيض حقول غزة بألوانها الزاهية ورائحتها الزكية، وفي الربيع تنبثق
العيون وتسيل المياه في الوديان، بعد أن ارتوت مما جادت به السماء، فتتفجر معها
الروابي والسهول بجمال ساحر ظل كامنا مختبئا من برد الشتاء، وتمتلئ بأزهار
الأقحوان والحنون، وما أن يعتدل الطقس في حزيران حتى يبدأ موسم الفقوس ثم المشمش
ثم تنهمر أطيب أصناف الفواكه كلها دفعة واحدة، بروائحها الفواحة وطعمها اللذيذ
وتنوعها المذهل[3]،
وقبل أن نودع الصيف ونستقبل الخريف يُصَلِّب الرمان، ثم يحل الموسم الأكبر والأهم: موسم قطاف الزيتون، وهكذا تظل فلسطين في مواسم متجددة تزخر بالخير والعطاء، وتحكي
قصة إنسانها وحبه لها وبذله التضحيات من أجلها، إنها المواسم الزراعية - حكاية
الأرض .. وقصة فلسطين.
البعد الاقتصادي والاجتماعي للمواسم الزراعية
منذ وُجد الانسان الفلسطيني على أرضه، وهو يبذل قصارى جهده
في تأمين احتياجاته المعاشية من بيئته المحلية، وظل هاجسه اليومي هو كيفية تحقيق أكبر
قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي ليحمي أسرته من قسوة الشتاء، ويقيها جوع أيامه
الباردة ولياليه الطويلة، ويؤمّن غذاءها خاصة في سنوات القحط والجدب، أو يُحسّن من
مستوى دخلها بالاعتماد على الموارد المتاحة.
فيبدأ نهاره قبل أن تبث الشمس حرارتها على البلاد، يكدُّ
بساعديه ويتحايل على الظروف ليطوعها لصالحه في معركة بقاءه، مستفيدا من تراكم
خبراته ومن تجارب أسلافه، فكان لزاما عليه أن يؤمن مصادر طاقة رخيصة وفعالة، وأن
يوفر مستلزمات ما سيفلحه ويحصده بدءً من سماد الأرض الطبيعي، والبذار، ومياه الري،
والدواب التي سيستخدمها في الحراثة والحصاد ونقل المحصول حتى تخزينه للاستخدام
المنـزلي، أو تسويقه.
والمواسم الزراعية بالإضافة إلى مضامينها الاجتماعية
والثقافية، فهي بالضرورة ذات أبعاد اقتصادية، فالبقدر الذي كان يحرص فيه الفلاح
على إحاطة موسمه الزراعي بغلاف من القيم الروحية والدينية، ويكسبه أمثالا شعبية
ذات دلالات ثقافية، كان يحرص أيضا أن يكون لموسمه الزراعي مردود مادي يعود عليه
بالمنفعة الاقتصادية، بمعنى أنه إذا كان يفلح أرضه ويبذل فيها قصارى جهده بكل
إخلاص ضمن علاقة تبادلية قائمة على المحبة، فإنه يتوقع أيضا أن تعطيه هذه الأرض من
خيراتها ونِعَمِها ما يقيم أوَدَ أطفاله، ويلبي لهم حاجاتهم.
ومن الأشياء التي يحرص الفلاح الفلسطيني على القيام بها
والتي تعبر عن خبرته وثقافته: توفير مصادر طاقة رخيصة كالحطب والجفت، تسميد الأرض
من المواد الطبيعية، اقتناء الدواب والدواجن والاستفادة منها، حفظ وتخزين الأطعمة
وتصنيعها، الاستفادة من كل الموارد الموجودة في محيطه الطبيعي، وفي صنع أوانيه
وأدواته.
ومنذ
أيام الكنعانيين طوَّرَ أساليب زراعته وفقا لتوفر مياه الأمطار شتاءً، حيث برع في
بناء القنوات المائية والبرك والآبار، أو انقطاعها صيفاً، فلجأ إلى ما يعرف
بالزراعات الصيفية "البعلية"؛ أي تلك المزروعات التي لا تحتاج ري مستمر،
وتعود التسمية للإله "بعل" إله الخصب والنماء، حيث كان يُعتقد في الموروث
الشعبي أن "بعل" يأتي في الليل ويسقي المزروعات، وكانوا يستدلون على ذلك
من الندى الذي يتكون أواخر الليل وفي الصباح الباكر.
وكان لنبع الماء أهمية خاصة بالنسبة للفلاح، فإذا كانت
الحضارات القديمة قامت حول الأنهار، فإن عيون الماء وينابيعه في فلسطين قد شهدت بدايات
تجمع السكان من حولها، لتكوّن القرى ومن ثم البلدات؛ وكانت عيون الماء جزء من الهوية التاريخية،
فكان لكل قرية قديمة في فلسطين عينٌ تحمل إسمها، وتحتل أهمية خاصة في الوجدان
الشعبي، لكونها مصدر الرزق وعصب الحياة، وأساس نجاح أي موسم زراعي.
المواسم الزراعية في الفصول الأربعة
فلسطين .. بلاد اللبن والعسل، يدل هذا الوصف الذي
استحقته فلسطين على غنى أرضها وخصوبتها، وقدرتها على تنوع الانتاج وتكامله، نظرا لتنوع
تضاريسها ومناخها وأنواع تربتها وتفاوت كميات الأمطار؛ حيث تجود الأرض بخيراتها
على امتداد الفصول الأربعة وتنوع مواسمها الزراعية، وتوفر أمناً غذائياً معقولاً للعائلة
الفلسطينية.
ولكل فصل من
فصول السنة في فلسطين فواكهه المفيدة التي تناسب أجواءه، وتساعد الجسم على مقاومة
تبدلاته المناخية والوقاية من أمراضه الشائعة، فعندما يأتي الشتاء تصبح الحاجة ملحّة
للحمضيات التي تحتوي على فيتامينات تساعد على الوقاية من أمراض الأنفلونزا، وفي
الصيف حيث تتوفر العديد من أصناف الفاكهة مما لذ وطاب .. وحيث يتميز هذا الفصل بارتفاع
درجات الحرارة، مما يؤثر في نشاط الجسم وأجهزته المختلفة، وبالتالي تزداد الحاجة
للفواكه التي تحتوي على نسبة عالية من الرطوبة[4].
وتزخر المواسم
الزراعية بالحركة الدؤوبة والأنشطة المتعددة والمتنوعة من أولها حتى آخرها، وعادة ما
يصاحبها طقوس ومراسم احتفالية تبدأ مع بداية الموسم وتستمر فترة من الزمن ثم تنتهي بما يمكن وصفه بالحفل الختامي، ويتحكّم في
مواقيت المواسم ومدتها نوع المحصول وطبيعة الأدوات المستخدمة ومتطلبات إنجاز العمل
من حراثة الأرض وتهيئة التربة ثم البذار والعناية بالمحصول وغير ذلك إلى أن يحين
موعد قطافه أو حصاده[5].
وقد جرت
العادة أن يكون موسم الحصاد أبرز الأنشطة الزراعية وأكثرها أهمية؛ ذلك لما يحققه
جني المحصول من أمان مادي للفلاح ولأسرته، ولا سيما أن كثيرا منهم ربما ربطوا
مناسباتهم وأفراحهم وسداد ديونهم بنهاية الموسم، حتى لكأنّ الفلاح الفلسطيني في
تناغمه مع بيئته يصر على أن يتحد معها، فيشكلان معا سيمفونية واحدة تعزفها الأرض ويوقّعها
الزمن.
وقد اعتاد الناس أن يتجمعوا في مواقع العمل خاصة في موعد الحصاد
ليساعدوا بعضهم بعضاً، وهذا التجمع عادة ما يتوج بالغناء الجماعي لشحذ الهمم والترويح
عن النفس، ومن هنا اقترن موسم الحصاد بالفرح والتجمع، حتى صار عرساً تَزُفُّ به
الطبيعة للناس نتاج أعمالهم وحصيلة أتعابهم.
ولم تقتصر أغاني
الفلاح للحصاد وحسب؛ فقد غنى أيضا للمطر والأرض، وللمِنجل والفأس والمذراة، وغنّى
للريح التي تهب عند التذرية فتساعده على فصل الحب عن التبن، وغنى للطير التي تبني
أعشاشها في أول الربيع بين الحقول، وغنى للنحل وهو ينقل برحيقه حبوب اللقاح بين
الأزهار لتعقد الأشجار ثمارها، وغنى للبيدر وهو يضحك في موسم الحصاد.
رزنامة المواسم الفلسطينية
منذ أن استقرت
الأرض بدورتها المنتظمة حول الشمس قبل ملايين السنين، ومنذ أن عرف الكنعانيون
الزراعة، وفي كافة الحقب والعصور التي تلت ذلك تكيّف الفلاح الفلسطيني مع مواقيت
حركة الأرض والشمس وتتابع الفصول الأربعة، وجعل مواسمه الزراعية تتناغم معها،
فيزرع في الشتاء من المحاصيل ما يتحمل البرد، ويكتفي بعدد أقل من ساعات إضاءة
الشمس، ثم يزرع في الصيف ما يسمى "نباتات النهار الطويل"، وفي الربيع
يزرع ما ارتوى من المطر، وفي الصيف والخريف يقطف من الثمار ما أنضجته حرارة الجو،
وما شبع من خصوبة الأرض.
وحسب
الباحثة في الفلكلور الفلسطيني "ناديا البطمة" التي أوردت في كتابها
تفاصيل عن مواعيد بدء وانتهاء المواسم الزراعية الفلسطينية: "يدخل فصل الخريف في شهر أيلول وهو شهر الصليب (وعيد
الصليب يصادف 14 أيلول حسب التقويم الشرقي أو 27 أيلول حسب التقويم الغربي)، ويقول
المثل الشعبي "مالك صيفيات بعد الصليبيات" أي في أيلول ينتهي الصيف. كما
يدل هذا المثل على تغير حالة الطقس وبداية فصل جديد: "إن أجا الصليب روح يا
غريب" أي إذا حلّ عيد الصليب يعود المصطافون (المعزبون) في الكروم إلى
بيوتهم، لذا يقول المثل الشعبي" إن صلّبت خرّبت" أي يسقط المطر ويتلف
العنب والتين، و "بعد عيد الصليب كل أخضر يسيب" أي تبدأ الظواهر
الطبيعية الخريفية في الظهور. ومن الممكن أن يهطل المطر."[6]
تبدأ
التحضيرات للموسم الزراعي مع نهاية الخريف، ويسمّي الفلاح الفلسطيني شهر تشرين أول
بِ" أَجْرَدْ أول"، ويعود سبب التسمية لأن الأرض تتجرد من حللها وغطائها
الأخضر في هذا الوقت، وكذلك الأشجار تكون قد تجردت من أوراقها. وفي مطلع تشرين
ثاني يطلق اسم "الوسم البدري" وهو موسم البذار المبكر ويسمى هذا البذار "العفير".
وتضيف
"البطمة" "ومن الظواهر الطبيعية في هذا الوقت دخول البرد، فيقول
المثل "برد تشرين أحد من السكاكين" و"برد تشارين توقّاه، وبرد
الربيع استلقاه" و"ما في أنقى من قمرة تشرين، ولا أظلم من عتمة
كانون" أي أن السماء تكون صافية بسبب الرياح الشرقية الحارة التي تهب، بينما في
كانون يهطل المطر. و"ما بين تشرين الأول وتشرين الثاني صيف ثاني" وهذا
يدل على الأيام التي تشتد فيها الحرارة كأيام الصيف لذا تسمى الصيفية
الصغيرة" ويقول المثل: "اللي ما شبع من العنب والتين بشبع من ميّة
تشرين".
وهكذا يتواصل
الموسم فيبدأ مباشرة شهر تشرين ثاني، وأيضا يسمّى هذا الشهر في الثقافة المحلية بِ
"أَجْرَدْ ثاني"، وربما لنفس السبب، وفي هذين الشهرين (تشارين)، يكون موسم
الزيتون، حيث يقصر طول النهار، ويقول المثل: "أيام الزيت أصبحت أمسيت".
وفي شهر تشرين
ثاني وهو بداية الموسم الزراعي الثاني، يكون الموعد المناسب لبدء أعمال الحراثة وتهيئة
التربة تمهيدا لزراعة الحبوب، وشعار الفلاح الدائم "كل شيء بالأمل إلا الرزق
بالعمل" لذا تعبّر الأمثال الشعبية عن موسم الحراث ووقته فتقول "
"في عيد لِدْ، اللي ما شدّ يشد" بمعنى أن الفلاح الذي لم يتهيأ بعد
للحرث والبذر عليه أن يسارع إلى ذلك، ويصادف عيد لِدْ في السادس عشر من تشرين
الثاني، وهو ذكرى تجديد هيكل القديس جورجيوس (الخضر) فوق قبره في مدينة اللد،
ويضيف المثل: "عيد لد يا مطر بيهد يا صيف بجد". وقد ربط الفلاح مواعيد
تحضير الأرض والزراعة والقطاف والحصاد بالمناسبات الدينية، لذا يقولون: "إن
أوسمت عَ عيد لِد أُحرث وقِد"، بمعنى إن أمطرت وأصبحت الأرض رطبة أُحرث
وابذر. و"اللي ما بحرث في الأجرد عند الصليبة بحرد" بمعنى حراثة الأرض
وإعدادها والعناية بها في تشرين يجد محصولاً وفيراً عند الحصاد و "في عيد لد
كل شداد يشدّ يا قبله بـ 15 يا بعده بـ 15 الوسم فيه" بمعنى أن عيد لد هو
الفترة المناسبة لإعداد الأرض للزراعة والاستعداد لذلك، وقد يحدث خلال هذه الفترة
(الوسم) حيث يقال "أوسمت الدنيا" عندما يهطل المطر الأول ويترك أثره على
الأرض، والوسم البدري هو الذي يأتي قبل (عيد لد) بخمسة عشر يوماً. وأما الموسم
المتأخر "الوخري" فهو الذي يأتي بعد عيد لد بخمسة عشر يوماً. ويسمونه في
شمال فلسطين "الوسم اللكشي" حيث أن معنى تلكّش هو تأخّر.
وتصف الباحثة
البطمة خبرة الفلاح الفلسطيني العلمية وتطبيقاته في استقراء الأحوال الجوية وربطها
بحركة النجوم وهجرة الطيور وكيفية اتخاذها مرجعاً زمنياً من سنة لأخرى، وكذلك
توقعاته لخصوبة الموسم القادم أو جدبه، فتورد العديد من الأمثلة الشعبية في هذا
الخصوص: "سنة الزرزور أحرث في البور" والزرزور هو طير صغير سكني اللون
يهاجر إلى بلادنا بعد قطف الزيتون (في تشارين) وفأله حسن عند الفلاحين، ويعني
المثل عند قدوم طائر الزرزور احرث جميع أرضك وابذرها حتى الصخرية منها وغير المستصلحة،
أي (البور).
"وسنة
القطا بيع الغطا" والقطا نوع من الحمام البري يأتي على بلادنا بكثرة في
تشارين"، أي وقت البذار فيأكل كثيراً من الحب المبذور، وقدومه فال سيء،
والمثل "سنة الحمام افرش ونام" بمعنى المثل السابق.
ويعتبر ظهور قوس
قزح في الصباح علامة توحى بأن المطر غير محتمل الوقوع ذلك اليوم، "إن قوّست
باكر أحمل عصاتك وسافر" وعلى العكس إذا ظهر القوس بعد ساعات الظهر ففي هذه
الحالة يكون وقوع المطر محتملا جداً، "إن قوست عصرية دور لك عَ مغارة دفية"[7].
وبعد انتهاء
"التشارين" تبدأ مباشرة "الكوانين"، حيث يبدأ الشتاء، وهو
بالنسبة للمجتمع الفلسطيني عماد حياتهم، لأنه فصل الخير والبركة والعطاء، وهو فصل
الماء الذي هو أصل كل شيء حيّ. ومياء الأمطار هي المصدر الرئيس للمياه الجوفية
بسبب وقوع فلسطين في المنطقة المدارية الجافة[8].
ولأن هذا الفصل هو الذي سيعطي الأرض والناس حاجتهم من الماء فقد احتل مكانة مميزة
في الوجدان الشعبي، وبسبب الأمطار وانخفاض درجات الحرارة ومكوث الناس في بيوتهم
فقد ارتبطت أجواء الشتاء بالجلسات العائلية والتجمع حول "الصوبة"
والاستمتاع بدفئها، والاستماع لقصص البلد وحكاياتها وتناول الحمضيات وشيّ الكستناء.
ولكن في سنوات الجدب والجفاف وانحباس المطر، يشعر الفلاح
بالضيق والخوف ويستجدي ربه طلبا للغيث والمطر، وفي الثقافة الشعبية يتم الربط بين
تأخر المطر وغضب الإله من معاصي البشر، فيقول المثل: "من قلة اهدانا انقلب
صيفنا اشتانا"، وقديما كانت شعوب بلاد الشام عموما تؤمن بآلهة المطر والخصب،
وكان سكانها الأوائل يتقربون إليها بالقرابين والصلوات لاسترضائها، ولكي تمنحهم
المطر والخصب، فالكنعانيون عبدوا "عليان بعل" الذي يراقب المطر
والمحاصيل، كما عبَدَ الأراميون "حدد" إله البرق والرعد والمطر، وعند
الفنيقيين كانت "بعلت جبيل" آلهة الخصب والتوالد .. وامتداداً لهذه
الجذور التاريخية الغارقة في القِدم بقي شعبنا يمارس طلب الغيث والمطر من الله عز
وجل. وحتى يومنا هذا تقام صلاة الاستسقاء في الخلاء، فيتوسل الناسُ اللهَ أن يُنـزل
المطر رأفة بالنساء والأطفال، ومن تلك الأغاني التي كانوا يرددونها: "يا رب
بلِّه بلِّهْ .. واحنا تحتك بالقلِّة .. يا رب بِل المنديل.. قبل نرحل قبل نشيل ..يا رب بِل الشالة .. واحنا فُكْرية وشياله .. يا رب بِل الشرموح .. واحنا فُكْريه
وين نروح ؟" ( فُكْرية يعني فقراء ).[9]
يبدأ الفصل بالانقلاب
الشتوي في الحادي والعشرين من كانون الأول، وينتهي في الحادي والعشرين من آذار
(الاعتدال الربيعي) وبذلك تكون تسعون يوماً، مقسمة إلى قسمين هما "الأربعينية
والخمسينية".
الأربعينية أو
المربعانية مدتها أربعون يوماً، وتبدأ في 22-12 من كل عام وتنتهي في 31-1 من العام
الجديد، وهذه الفترة هي النصف الأول من موسم الشتاء، وتتسم بالبرد القارص والمطر
الشديد. وتسمى علمياً "طور السكون" حيث تتوقف العصارة تماما عن السريان
في الأنابيب الغربالية للنباتات، ومن شدة البرد وصف المثل الشعبي هذه الفترة فقال
"أبرد من كانون"، "وبكانون كثرّ النار" و "في كانون
الأصم، فوت عَ بيتك وانطم". (انطم أي نام) و "بعد كانون الشتا بِهون". ويقول المثل أيضا: "المربعانية يا شمس تحرق يا مطر يغرق".
وقد اعتاد
المزارع الفسطيني اسثمار هذه الفترة بزراعة الحبوب: يقول المثل "في كانون شق
الماء وازرع" (أي أن زراعة الحبوب ممكنة في كانون أول وثاني) فيزرع الفلاح
الحبوب في فترتين الأولى قبل المربعانية وبدء سقوط المطر خاصة القمح، والفترة
الثانية في المربعانية، وهي فترة يبحث فيها المزارع عن فرص توقف المطر، لإتمام زراعة
ما لم يزرعه من حبوب خاصة الشعير والكرسنة والبيكيا والعدس، وبعد انتهاء
الأربعينية يتوقف الفلاح عن زراعة الحبوب، وبعض الأمثال توضح ذلك: "لما يطلع
النرجس والحنّون ظُب بذارك يا مجنون"، وعادة ما ينبت زهر الحنون بعد شهر
شباط، وزهر النرجس يتفتح في نهاية المربعانية، ويقول المثل: "إن فاتك
الميلادي خلّي عدساتك للولادي" أي إذا مر عيد الميلاد ولم تبذر بذارك تكون قد
خسرت الموسم الزراعي ولا فائدة من بذرها، والأفضل توفيرها للأكل بدلا من بذرها،
ويقول المثل "إن طلعت البربارة يا بدارة حطوا الشعير في المطمارة والقمح في الغرارة"،
والبربارة نجم يطل من ناحية الشرق في أوائل كانون الثاني، ويعتبر ظهوره نهاية
لموسم زراعة الشعي، وعلى المزارعين إعادته لمخازنهم، والبدارة هم المزارعون الذين
يبذرون الحب.[10]
وهنالك تقسيم آخر للسنة حسب التقويم الشعبي الفلسطيني،
حيث يتم تقسيم السنة إلى سبعة أقسام مقدار كل منها خمسون يوما، وفي هذا التقويم
يكون موعد بداية الشتاء في الثالث من شهر تشرين الثاني، والأقسام السبعة هي:
الأول: يبدأ من عيد الفصح وينتهي بعيد العنصرة، يقول
المثل: "من العيد للعنصرة خمسين يوم مقدرة" وهي فترة حصاد العدس والكرسنّة.
الثاني: يبدأ من عيد العنصرة ويستمر إلى بداية حراسة
الكروم، وينتهي بعيد مار الياس ( 20 تموز ) وهي فترة حصاد القمح والشعير.
الثالث: يبدأ من موعد حراسة كروم العنب إلى موعد عصرها،
يقول المثل: "من المنطرة للمعصرة" أي إلى وقت عصر العنب، وهى تغطى فترة
نضوج وقطف العنب والتين وتنتهي في 14-9 ومدتها 54 يوماً.
الرابع: يبدأ من موعد عصر العنب إلى عيد لِدْ في تشرين
ثاني، وفيه موسم الزيت والزيتون.
الخامس: من عيد اللد إلى عيد ميلاد المسيح، وفي هذه
الفترة يكون موسم الحراثة والبذار وتهيئة التربة وبدء الأمطار.
السادس: من الميلادي للصيام وهى فترة الشتاء الحقيقي
"الأربعينية".
السابع: فترة الصيام إلى عيد الفصح المجيد، ليبدأ عام
جديد وهكذا، ونلاحظ أن هنالك عيداً في نهاية كل قسم من أقسام السنة السبعة[11].
أما الباحث "منير ناصر" فيتحدث عن تقسيمة
مختلفة للسنة، وإن كانت تتشابه كثيرا مع التقسيمة السابقة ولكنها من منظور آخر،
وتتكون من قسمين رئيسين هما الصيف والشتاء، ومن ستة أقسام موسمية، فيذكر أن
"السنة عند الفلاح الفلسطيني تقسم إلى موسمين: الأول هو موسم الشتاء ويبدأ من
عيد الصليب، في 27 أيلول وينتهي في عيد الخضر في 6 أيار، أما الموسم الثاني فهو موسم
الصيف وهو ما تبقى من السنة".
وحسب "ناصر" يمكن تقسيم السنة إلى ستة مواسم
زراعية متعاقبة، وهي:[12]
الأول: موسم الحرث وزرع الحبوب: شهر تشرين الثاني.
الثاني: موسم الأمطار: أشهر كوانين.
الثالث: موسم حراثة الأرض المشجرة وزراعة الخضروات
وتقليم الأشجار وحصاد القطاني: أشهر ( آذار، نيسان، أيار ).
الرابع: موسم حصاد القمح والشعير وتغطية العنب: حزيران
وتموز.
الخامس: موسم قطف العنب والتين: أشهر آب، أيلول.
السادس: موسم الزيتون: أشهر تشارين.
أما "نادية البطمة" فتبين أن الشتاء يقسم إلى
أربعينية وخمسينية، وبعد انتهاء الأربعينية في شهري شباط وآذار يبدأ موسم اللوز
فيملأ المكان ببياضه المدهش، ويقول المثل الشعبي: "يا لوز يا مجنون بتزهر في
كانون" أي أن اللوز أول من يزهر بين الأشجار، ويذكر بتجدد الحياة في الشجر
واقتراب موسم الربيع.
القسم الثاني
من فصل الشتاء يسمونه (الخمسينية) ومدتها خمسون يوماً تبدأ 1-2 وتستمر حتى 21 – 3
، وهذه الخمسينية تقسم إلى أربعة أقسام متساوية كل قسم منها اثنا عشر يوماً ونصف
اليوم وسميت (السعود الأربعة)، وهي[13]:
سعد ذابح: من
1 ~ 13 شباط وهي فترة تتسم بالبرد الشديد فيقول المثل "سعد ذابح ما بخلي كلب
نابح".
سعد إبلع: من
13 ~ 25 شباط وهو كناية عن الأرض في تلك الفترة تبتلع ما يسقط عليها من أمطار
نتيجة ابتداءً ارتفاع درجة الحرارة.
سعد السعود:25 شباط إلى 9 آذار حيث تزداد درجة الدفء وتدب الحياة في النباتات، "في سعد السعود
بتمشي المية في العود".
سعد الخبايا:من 9 آذار حتى 21 منه حيث تنهض الزواحف وذوات الدم البارد التي كانت في فترة
السبات الشتوي، "في سعد الخبايا بتطلع من الأرض الحيايا".
وخلال فترة
سعد السعود 25 شباط إلى 9 آذار تأتي "المستقرضات" ومدتها سبعة أيام
ثلاثة من أواخر شباط وأربعة أيام من أوائل آذار، وتمتاز في أحيانا بالمطر الشديد
وهبوب الرياح الشديدة والبرد القارص.
وشهر شباط
الذي يشهد معظم الخمسينية يتسم بالبرد والمطر وتقلب الجو، فيقول المثل: "شباط
الخباط بشبط وبخبط وريحة الصيف فيه" بمعنى أنه قد يمتاز بالدفء خاصة حين تسقط
فيه الجمرات الثلاث "جمرة الهوا" في 5 شباط والتي تدفئ الهواء
"وجمرة الماء" في 14 شباط وتدفئ الماء "وجمرة الأرض" في 21
شباط وتدفئ الأرض. أما في آذار فيستقر الجو بشكل نسبي: "راح شباط الغدار وإجا
آذار الهدار".
ومن أشهر
خيرات وثمار فصل الشتاء وما يزرع خلاله السبانخ، الزهرة، الباذنجان، والملفوف،
الخس، بالإضافة إلى إمكانية زراعة أي نوع من الأشجار المثمرة والحرجية، وتسمى
الأشجار المزروعة في هذا الفصل ( السلت) وهي تنقل من موضعها إلى موضع آخر بدون
طوبارة، أي تكون جذورها معراة ومكشوفة[14]
.
وقد تكيف
الإنسان الفلسطيني مع ظواهر الشتاء ولديه استعداد لمواجهة كل الاحتمالات، فإن كان
نهار الشتاء قصير فهو يشكل موسم الراحة في النهار الماطر، والسهرات العائلية في
لياليه الطوال. فيقولون "أطول من ليالي الشتاء" وعادة يستعد الناس
لمواجهة الشتاء بالمؤن التي تم تخزينها خلال الصيف من خضر وفواكه مجففه وأنواع
المربيات والدبس والبقول الجافة والزيت والزيتون، ويعدون الحلويات ذات السعرات
الحرارية المرتفعة، ومنها "المطبق والعوامة والزلابية"، كما يستغل الفلاحون أيام البرد الشديد لطبخ
"المفتول"، وهي أكلة غنية بالطاقة والمواد المغذية وتحتاج إلى مهارة
وجهد، ومن أكلات الشتاء الرئيسة أيضا العدس والسبانخ.
وتتواصل
الرزنامة الفلسطينية حسب المواسم الزراعية، ويكون الربيع نتيجة حتمية لحالة الشتاء
وانعكاسا لها، حيث يقولون "الربيع ابن الشتاء"، ويبدأ فصل الربيع بعد
انتهاء خمسينية الشتاء في الحادي والعشرين من آذار، ويطل علينا كنتيجة طبيعية
يولدها فصل الشتاء بما حمل من أمطار وساعات برودة مؤثرة في حياة النبات والحيوان.
وتذكر الباحثة
"البطمة" أن شهر نيسان يسمى بشهر الخميس، لأن في كل يوم خميس من أيام
هذا الشهر يجري فيه احتفال معين، فهو إذن موسم احتفالات، وشهر يمور بالحيوية
والعطاء والخضرة والطقس المعتدل والأزهار، إنه شهر الانطلاق والتجوال في الخلاء،
والتمتع بالطبيعة بعد حشر الشتاء والبرد. ويعتبر شهر نيسان الحد الفاصل بين الشتاء
والصيف حيث تنتهي الأعمال الزراعية الشتوية، وتبدأ الزراعة الصيفية، لذا يقال
"في نيسان ظُب العدة والفدان". ويقول أيضا: "مية نيسان بتحيي
الانسان".
ثمار
الربيع وخيراته
مع بداية
الربيع تبدأ نباتات الأرض وحشاشها بالنضوج وأولها الفول الأخضر، حيث يحتل الفول
الأخضر بأكلاته العديدة مركز الصدارة على المائدة الشعبية. ومن ثمار الربيع أيضاً
البازيلاء، واللوز، والزهرة البلدية، والفراولة، والثوم، والبصل ولوازم طبق
التبولة من بقدونس ونعنع وخس، وورق الدوالي، أما الحمضيات فينتهي موسم معظمها مع
انتهاء فصل الربيع.
ومن أشهَر
خيرات الطبيعة في الربيع "العكوب"،
الهندباء، الخبيزة، الزعتر البري، الميرمية، قرن الغزال، اللوف، والفطر (الفقع).
ووفقا لمواقيت
المواسم الزراعية الفلسطينية تكون أشهر آذار ونيسان وأيار مواعيد مناسبة لحرث
الأرض الشجرية وزراعة الخضرة الصيفية كالباميا والفقوس والخيار والبندورة، وهي
أيضا فترة تقليم الأشجار وبالذات أشجار العنب "الدوالي"، وهي مواعيد حصاد
القطاني كالعدس والفول والكرسنة.
وفصل الربيع هو
موسم توالد المواشي، فتفيض المراعي بالخيرات وتخضرّ الروابي على امتداها، فتجد
الماشية حاجتها من الأعلاف الخضراء الطازجة الطرية فتمتلئ ضروعها بالحليب، ويكون
عادة هذا موسم تصنيع الجبنة، والاستفادة من الكميات الفائضة من الحليب، فتكثر المأكولات
الربيعية التي يدخل فيها الحليب واللبن: مثل الهيطلية أو البحتية (أرز باللبن) أو
المهلبية، وهي من نشاء القمح المجروش.[15]
ويُكثِر الناس
أيضاً من طبخ الشيشبرك باللبن، وفتة الحليب بالزبدة البلدية والعسل، كما تُدق قرون
الخروب الأخضر لينـزل منها سائل أبيض يضاف للحليب فيتخثر ويعطي طعماً لذيذاً، وهذا
ما يُسمى بالمقيقة، ويصنع أيضا من عصارة ثمار التين غير الناضجة حيث يحتوي على
أنزيمات تسبب تخثر الحليب وتجبنه.
ويُسمّى شهر أيار (جماد) في الذاكرة الشعبية، ولهذه التسمية
دلالة زراعية حيث جماد يعني التيبّس، فحبة القمح تتجمد وتتصلب في هذا الشهر، وهذه
دلالة على نضج القمح في سنابله، وهو موسم الفريكة الخضراء. وهو أيضا: "أيار
شهر الرياحين والأزهار".
وهذه الأمثال تبيّن ثمار وخيرات هذا الشهر: "أيار
توت ومشمش وخيار" و"في أيار كُل كوسا وخيار". وأيضا في أيار
تنضج ثمار البصل وتكون مناسبة لطبخة "المسخّن"،
وهي أكلة تتطلب كميات كبيرة من البصل وزيت الزيتون والسماك، وفي هذا الموسم تفوح
رائحتها الزكية من بين البيوت.
بعد أيار يأتي حزيران، ولما كان الاسم المحلي لشهر
حزيران هو شهر "إقلاش" نسبة إلى القالوش والذي هو من أدوات الحصاد وتشبه
المنجل. فهذا يدل على أن حزيران موسم الحصاد. وهو من المواسم الهامة، ففيه يكون
موعد حصاد القمح والحبوب والمشمش، وهو شهر معتدل الحرارة يصفه المثل: "شهر
البسط والكيف، أوله ربيع وآخره صيف".
ومن الجميل والمدهش أن الفلاحين يغنون أثناء تأديتهم أعمالهم الشاقة عند
قطف الزيتون والحصاد ليروحوا عن أنفسهم ويشغلونها عن التفكير بالتعب. ومن الأمثال
الشعبية في الحصيدة: "أحصد عَ بدري قبل ما تيجي الشوبة". (الشوبة هي فترة
رياح الخماسين الجافة).
وبعد حزيران يأتي تموز بحرّهِ ولهيبه وأيامه الطويله، وفي
تموز - كما هو الحال في الشتاء - تبدأ مربعينيات الصيف في العاشر منه وتنتهي في 19
آب وتتبعها خمسينية الصيف.
ومن الأمثال التي تصف أشهر الصيف وتعبر عنها: "تموز
شهر العنب والتين". "في تموز بتغلي المية في الكوز". أما أهم
الأنشطة الزراعية خلال هذا الموسم: في الأسبوع الأول من تموز يقوم الفلاح بتغطية قطوف
العنب بأكياس ورقية لحمايتها من الندى الذي يسبب تشقق العنب وبالتالي تعفنه السريع،
ولحمايتها من الحشرات والطيور، وهو أيضا موسم قطف الخوخ والبرقوق والدراق والتفاح
والأجاص والتين.
ومن أهم المظاهر الطبيعية في صيف فلسطين، ظاهرة "الندى"،
وهو عبارة عن قطرات المياه المتكاثفة عند سطح الأرض، يضفي على الجو اللطف في الصيف،
ويؤثر على عقد الثمار الصيفية، إذ أن المزارعين يستبشرون بالندى لزيادة المحصول
وبخاصة محاصيل المقاثي، وإذا كانت كمية الندى كبيرة يسمى: "ندى غراق"،
أما إذا لم يوجد الندى فتسمى "اسموم"، وعادة فإن الندى يساعد على جني المحصول
وبخاصة حصاد القمح والشعير وثمار الخضروات والفواكه. حيث يقول المثل الشعبي:
"تين مشطب عَ الندى"، ويؤثر الندى على عقد الزيتون: "يا ربي ندى
وسموم عند عقدك يا زيتون" وكذلك يساعد الندى على زراعة أشتال الخضروات ونقلها
كالبندورة والتبغ والقرنبيط، حيث تتعرض الأشتال للذبول بشكل عام فإن الندى مفيد في
رأي الفلاح لأنه يحسن الجو ويزيد من انتاج المزروعات.
وموسم العنب والتين من أجمل المواسم الفلسطينية، فهو
فسحة للأطفال ليمارسوا هواياتهم المفضلة في صيد العصافير بواسطة الفخ أو النقافة، والألعاب
الجماعية، وتصف الباحثة "البطمة" شهر آب بمجموعة من الأمثال: "إن
مرَّ آب وما ذريت عدك بالهوا انغريت"، بمعنى أن أي تأخير في تذرية القمح حتى
نهاية آب يسبب خسارة في المحصول. وأيضا: "بعشرين آب اقطف العنب ولا تهاب"،
"آب طباخ أو صباغ العنب والتين" أي ينضج الثمار بحرارته.
في الصيف تمور فلسطين بالحركة، حيث الهواء الطلق والمناخ
المعتدل، والطبيعة الساحرة، وحيث تجود الأرض بخيراتها الطيبة، وهو موسم الأفراح
والأعراس، خاصة بعد بيع المحاصيل وتوفير الأمن الغذائي وسد الحاجات.
الهوامش
[3] م.عبد الغني سلامه، فواكه الصيف، مجلة كيف الصحة، العدد 24، تموز 2009، جيل للنشر،
رام الله-فلسطين.
[4] م.عبد الغني سلامه، فواكه الصيف، مجلة كيف الصحة، العدد 24، تموز 2009، جيل للنشر،
رام الله-فلسطين.
[5] أ.د يحيى جبر، أ. عبير حمد ، مستقبل التراث الشعبي الفلسطيني في ضوء المستجدات، جامعة
النجاح الوطنية.
[7] التقويم
الشعبي في فلسطين، إعداد قسم التراث الشعبي والفلكلور الفلسطيني، الموقع الرسمي
لحركة فتح – صوت فلسطين.
[8] رغم
أن الطاقة المائية للضفة الغربية قد تصل إلى 700 مليون م3 سنوياً، إلا أن مواطنيها لا يسمح لهم باستهلاك
أكثر من 110 ملايين م3 ، ثم جاء جدار الفصل العنصري ليحتجز المزيد من الينابيع
والآبار ويضمها على ما سبق ونُهب وسُلب.
[11] التقويم
الشعبي في فلسطين، إعداد قسم التراث الشعبي والفلكلور الفلسطيني، الموقع الرسمي
لحركة فتح – صوت فلسطين.
[12] منير
ناصر، النشاط الزراعي لفلاح بير زيت على مدار السنة، جمعية إنعاش الأسرة – البيرة،
قسم تكنولوجيا المعلومات، نقلا عن مجلة التراث والمجتمع، العدد 1 نيسان 1974.
[13] دليل
المزارع، وزارة الزراعة الفلسطينية ، مديرية الإرشاد والإعلام الزراعي، البحث
التطبيقي، مراجعة م. فارس الجابي، د. صادق شاهين، م. فيحاء نجم ط 1، 1999 – مطبعة
بيت المقدس، رام الله – فلسطين .
[14] د.فهمي شتات، بساتين التفاحيات واللوزيات والعنب والزيتون ، المركز الوطني للبحوث
الزراعية / مديرية التدريب– كلية الزراعة- الجامعة الأردنية، ط 1 1995 ، مطابع
الدستور، عمان.
مقال من اروع ما قرأت
ردحذفشكرا للكاتب
أخي الزائر الكريم
ردحذفشكرا لمرورك في مدونتي .. وأنا سعيد لأن ما كتبته نال إعجابك .. كنت أتمنى ترك اسمك ليتسنى لي شكرك كما ينبغي
شكرا مرة ثانية ونرجو أن نبق على تواصل
رائع. نجو اعادة صياغته روزنامة لنطبعها ونعلم أولادنا اياها
ردحذفالتعبير غير دقيق لما حكيت إنو معظم أهل فلسطين من الفلاحين يعني ممكن تحكي إنو نسبة كبيرة من أهل فلسطين من الفلاحين لإنو المدنيين في فلسطين نسبة كبيرة كمان حتى و لو كانوا الفلاحين أكتر
ردحذفشكرا على تفضلك بالتعليق
ردحذفممكن القصد أن فلسطين بطبيعتها مجتمع زراعي، والآن قد يكون الوضع قد اختلف قليلا، وتطور المجتمع باتجاه المدينة..
شكرا مرة ثانية .. مع خالص تمنياتي