أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 20، 2012

كيف واجهوا اللحظات الأخير قبل الموت ؟


بعد أن زارت السيدة "رندة خضر" زوجَها الأسير البطل "عدنان خضر"، قالت على لسانه إنه يحس بأنه يعيش آخر لحظاته، ونحن طبعا نتمنى له السلامة وأن يعود لعائلته وشعبه معافى وحرا، وأن يخرج من معركته منتصرا؛ ولكنا هنا نتساءل عن ماهيّة شعوره، وإحساسه وهو ينتظر الموت في أي لحظة ؟ بعد أن تجاوز الشهرين مضربا عن الطعام !


أغلب الناس جربوا الإحساس بالجوع، إما طوعا أثناء الصيام، وإما غصبا بسبب الفقر، وهناك الآلاف يقضون نحبهم جوعا في كل يوم - خاصة في أفريقيا - ولكنهم أبدا لم يختاروا هذه النهاية المأساوية بأنفسهم، وهناك المئات اختاروا الموت انتحارا، إما عن طريق العمليات التفجيرية، أو بطرق مختلفة أخرى، لكن هؤلاء ماتوا فورا وأنهوا معاناتهم خلال لحظات .. ولكن بطلنا الشيخ "عدنان خضر" – وهو ليس انتحاريا بالمطلق – اختار لنفسه هذا الطريق الشاق والصعب والطويل، بكل ما فيه من معاناة وألم شديدين، لإيصال رسالة للعالم بأنه إنما ينشد العدالة، ويرفض الظلم ويواجهه سجّانه بأمعائه الخاوية وبصبره، وأنه يخوض إضرابا عنوانه: "ليس حتى الموت، وإنما حتى الحرية".

ويؤكد خبراء التغذية أن الإنسان بعد هذه المدة من الإضراب عن الطعام تحصل في داخله تغيرات كيميائية كبيرة وخطيرة، خاصة مع اقتراب نفاذ المخزون الدهني من جسده، فيفقد قدرته على الحركة، وحتى على الكلام، ويتولى الدماغ مسؤولية تنظيم فعالياته الحيوية ببذل أقصى طاقة ذهنية ممكنة، مما يجعله يشعر بالصداع الشديد والوهن والضعف والألم، حتى تخور قواه تماما، ويبدأ بالهلوسة وفقدان التركيز، مع تعرضه لمخاطر جسيمة قد تمتد لأمد طويل حتى بعد إنهاء إضرابه، ومن النادر جدا أن يتمكن إنسان من النجاة بعد هذه الفترة الطويلة.

لكن أسيرنا الحر كان استثنائيا في كل شيء، في  جَلَده وتحمله واجتيازه درب الآلام، وفي معنوياته العالية وإصراره على الانتصار، واستعداده للموت شهيدا على أن يتراجع؛ ومع كل هذا فهو إنسان، ولا بد أن تخيلات الموت وألم الفراق، وصور أطفاله، كانت تجتاحه في كل ثانية. وحده من يعرف ما هي الأسئلة التي كانت تجوب في خاطره ؟ وما هي أمنيته الأخيرة ؟ وكيف كان يمضي اللحظات وهي تمر عليه كالسنين ؟ وما هي الذكريات التي كانت تلح عليه ...

في مشهد آخر مغاير، في صبيحة يوم ماطر يلفه الضباب، كانت مجموعة من الأطفال يركبون حافلة يظنون أنها ستوصلهم إلى مدينة الألعاب، ولا يعرفون أنها حافلة الموت التي ستشهد آخر عهدهم بالدنيا، إذْ فجأة - وبينما هم يصرخون فرحا وترقص قلوبهم طربا كلما اقتربوا من حفلتهم (الأخيرة) - سمعوا دويا هائلا، ورأوا نيرانا كالبركان تقترب من أجسادهم الطرية، لم يعرفوا ماذا يفعلون ؟ وإلى أين يهربون ؟ وهل سيأتي آباءنا لنجدتنا ؟ وهل ستغضب علينا أمهاتنا إذا متنا بهذه السرعة ؟ ربما مئات الأسئلة دارت في مخيلاتهم البريئة، طفلان منهم واجها الموت بطريقة استثنائية: تقدما من بعضهما البعض، وأحتضن كل منهما الآخر، ربما اعتقد كل واحد منهما أن الآخر سيحميه، وربما أرادا الموت معاً صديقان متحابان متعانقان؛ حتى لو تفحّم جسداهما الغضّان. وحدهما فقط من يعرف هل كانا خائفين؟ أم أنهما أرادا مواجهة الموت بهذه الطريقة الاستثنائية ؟ ولكنا نعرف حجم الحسرة، وفداحة الخسارة، والألم الذي سيظل يعتصرنا طويلا. ونعرف أيضا أن فلسطين تقدم لنا كل يوم قصة جديدة وفريدة، وأنها ستظل تواجه الموت بشجاعة، وأنها ستنتصر عليه لا محالة.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق