أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 09، 2011

ماذا بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات ؟!

بعض الحركات الإسلامية تعلن صراحة رفضها للديمقراطية ودون مواربة، حزب التحرير الإسلامي مثلا يعتبرها نظام كفر ولا يجوز الأخذ بها جملة وتفصيلا. في حين نجد أن حركات إسلامية أخرى تعاملت مع الديمقراطية بمعيار مزدوج، مثلا جبهة الإنقاذ الجزائرية ارتضت الديمقراطية فقط للفوز في الانتخابات، وبمجرد أن أُعلن عن فوزها حتى صرّح "علي بلحاج" أن عرس الديمقراطية هو ليوم واحد وقد انتهى !! ثم خرجت بمظاهرات علنية وهي ترفع يافطات كتب عليها لا للديمقراطية.
حركات إسلامية أخرى تعاملت مع الديمقراطية بانتقائية مصلحية؛ فعندما بدأت حماس حملتها الانتخابية تبنت خيار الديمقراطية، وإلى جانبه رفعت كل الشعارات العزيزة على قلوب الفلسطينيين كالتحرير والعودة والمقاومة والصمود والإصلاح والتغيير وتداول السلطة ... وبعد أن فازت في الانتخابات تبخرت معظم تلك الشعارات: المقاومة تحولت إلى هدنة دائمة تحرسها أجهزة حماس، والتغيير الذي حصل هو تغيير حياة الناس ولكن للأسوأ، والصمود الذي تحقق بالفعل هو صمود حماس كحزب حاكم، والديمقراطية التي أوصلتها للحكم صارت بعد ذلك عزيزة المنال، وجرى اختزالها بعملية انتخابية يتيمة، وتداول السلطة حل محله الحسم العسكري !!

فهل سيتكرر نفس المشهد في مصر، مع بعض الاختلافات ؟! مرشحي الأحزاب الإسلامية تحدثوا عن الحريات العامة وحقوق المرأة والدستور والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والتعايش والتسامح وخطط التنمية ... ولكن بمجرد الإعلان عن فوزهم بدأنا نسمع تصريحات من نوع آخر: تحريم الاختلاط، فرض الحجاب، تطبيق الشريعة حتى على المسيحيين، والحاكمية لله ... الأمر الذي دعا البعض للتعبير عن تخوفهم على مستقبل الديمقراطية، حيث رأى هؤلاء أن الانتخابات – إذا ظل الأمر بيد الحركات الإسلامية – لن تجرى مرة ثانية، والمجتمع المدني الذي وعدوا به سيصبح مجتمعا ثيوقراطيا.

في تونس أيضا صرح "راشد الغنوشي" أن جبهته ستؤكد على طبيعة المجتمع المدني التونسي، وستحافظ على مكتسبات المرأة، وستتبنى خيار الديمقراطية .. ولكن سرعان ما بدأت معالم الإقصاء بالظهور، ودعوات فرض النقاب، ومحاربة الإبداع الفني ..  كما حدث مثلا في الجامعات التونسية.

الثورات العربية قامت بهدف نيل الحرية والكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتخلص من أنظمة الفساد والاستبداد. ولكن الحركات الإسلامية وكما يقول البعض "سرقت الثورة" في الساحات أولاً، ثم في صناديق الانتخابات ثانيا. ومن الواضح أنهم يسعون الآن وبطريقة "ديمقراطية" لإلغاء الطبيعة المدنية للدولة وللمجتمع، وتحويلهما إلى نظام ثيوقراطي يحكمه رجال الدين، بخطوات هادئة ومدروسة: في فرض وتعميم التعليم الأصولي الذي تضاعف ثلاث مرات خلال عشرين سنة، وفي انتشار الإعلام الديني، ثم بالتشريع وتغيير الدستور. أي باختصار الانقلاب على الديمقراطية والتبرؤ منها بعد أن تكون قد أدت غرضها.

الديمقراطية التي تغنت بها الحركات الإسلامية لم تكن من وجهة نظرهم سوى وسيلة للوصول للحكم، بدليل أنها بدأت فعليا بتفريغها من كل معانيها وقيمها الجوهرية، وجرى اختزالها في الانتخابات. والشعب الذي تدعي الحركات الإسلامية أنها استمدت شرعيتها من أصواته، سيكون أول ضحايا نهجها الاستبدادي، بعد أن تبدأ بفرض مفاهيمها الإيديولوجية عليه وبالقوة، كلما لزم الأمر.

لقد استفادت الحركات الإسلامية من حالة الفوضى التي عادة ما تقترن بالثورات وتعقبها، واستفادت من حالة التفكك والتشظي التي تعاني منها القوى الليبرالية والوطنية واليسارية، واستفادت من التفاهمات التي تمت بينها وبين الولايات المتحدة بعد أن أعطتها ما تريد من رسائل تطمين في حالة وصولها لسدة الحكم. ولولا توفر هذه العوامل ما كان لها أن تحقق هذا الفوز الكبير في الانتخابات، وهذا ما يفسر استعجالها وإصرارها على إجراء الانتخابات في أسرع وقت، أي قبل أن تتمكن القوى الأخرى من تنظيم صفوفها، وقبل أن تستوعب الجماهير طبيعة التحولات العميقة التي بدأت تضرب في المنطقة.

حالة التشويش وفقدان البوصلة التي تعيشها الشعوب العربية، وما أسفر عن ثوراتها من انتكاسات، يعني أن ما حصل في ميدان التحرير وغيره من الساحات العربية، لم يكن ثورة بالمعنى الحقيقي والشامل، وإلا كنا وجدنا شباب الثورة هم الذين يشكلون برلمانها ودستورها، فالحالة الثورية ستمنحهم الشرعية لتحقيق ذلك. ولوجدنا اختيار الناخبين لممثليهم  منسجما مع أهداف الثورة في الحرية والديمقراطية. ولكن مع ذلك فهي حالة ثورية متقدمة أعطت نموذجا رائعا لإرادة الشعوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق