أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 09، 2011

محنة فلسطينيي العراق .. إيطاليا بعد قبرص

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، أفلت العنف الطائفي من عقاله، ودخلت البلاد في واحدة من أحلك مراحلها التاريخية. فلسطينيو العراق - الذين هُجِّروا إليها غصبا عنهم بعد النكبة - وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها يتعرضون لأبشع أنواع جرائم القتل والاضطهاد على أيدي قوى طائفية، أرادت تحميلهم وزر النظام السابق، وأن تدفّعهم ثمن الاضطهاد الذي عانى منه الشيعة طوال التاريخ. وذنبهم الوحيد في ذلك أنهم "فلسطينيون" ومحسوبين على الطائفة السنية.
لم تقتصر مأساتهم في أشكال القهر والمعاناة داخل العراق، وحتى قبل سقوط النظام، بل وصل الأمر إلى إجبار  آلاف الأسر منهم على مغادرة العراق، بعد نهب ممتلكاتهم والاعتداء على أعراضهم، وقتل من لم يتمكن منهم من الهرب، ليدخلوا محنة أخرى عند الحدود العربية، حيث عاشوا في صحرائها في مخيمات بائسة تفتقر لأدنى مقومات الحياة .. في هذه المخيمات اختبروا برد الشتاء الزمهرير وقيظ الصيف اللاهب، تعايشوا مع الريح المحمل بالغبار والحشرات، مع العقارب ولصوص الليل، ومزايدة دول "الممانعة"، ومتاجرتها بمحنتهم.
وبعد أن صارت قصتهم فضيحة لجامعة الدول العربية وللأمم المتحدة وللإنسانية جمعاء، خططت المنظمات الدولية وعلى رأسها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لتشتيتهم وتوزيعهم على جهات الأرض الأربع، وبدأت بالبحث عن دول لاستقبال هؤلاء اللاجئين، وبعد سنوات عجاف من القهر والألم أُغلق مخيمي الرويشد والتنف وتم ترحيل سكانهما إلى التشيلي والبرازيل وكندا وأمريكا وأوروبا. وبقي مخيمي الوليد والهول، ليظلا عنوانا صارخا لمأساة اللاجئ الفلسطيني. إذ رفض سكان هذين المخيمين قرار الترحيل وقرروا عدم المغادرة، على الأقل لضمان حقوقهم وأمنهم، بعد أن لمسوا ظلم المفوضية وتعاملها غير العادل معهم، وعدم التزامها بقرارات جنيف - التي تم على أساسها أُنشأت المفوضية السامية - بعد أن رأوا ما حل بمن رُحِّل إلى تشيلي وإيطاليا وقبرص وغيرها، فاعتبروا أن قسوة الصحراء أرحم عليهم من مواصلة الرحيل ومن جحيم الشتات. وما زالوا حتى اليوم صامدين ومصرين على نيلهم "حق إعادة التوطين" المكفول لهم حسب قرارات المفوضية، وعلى حقهم في لمّ الشمل مع عوائلهم في الدول الأخرى. وللتستر على فضحية المفوضية في ممارساتها بحقهم، لا يُسمح لأي وسيلة إعلامية بالدخول للمخيم لمعرفة أحوال اللاجئين وعرضها أمام العالم.
وإزاء ما يجري في مخيمي الوليد والهول، وما جرى مع اللاجئين في الدول البعيدة، نتساءل عن حقيقة هدف هذه المنظمات الدولية وعلى رأسها المفوضية السامية، أهو إنهاء معاناة اللاجئين وحل مشاكلهم، أم أن هدفها  إغلاق المخيمات بأي شكل، ولا يهم بعد ذلك ما يحصل للاجئين ؟!
وقد بدا واضحا أن ترحيل فلسطينيي العراق إلى دول عديدة لم ينه معاناتهم؛ فقد استنكرت منظمات حقوقية دولية بشدة ما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون في إيطاليا من تنكيل وانتهاكات خطيرة لحقوقهم من قبل السلطات هناك. وكانت إيطاليا قد وافقت على استقبال 170 لاجئ فلسطيني رُحِّلوا من مخيم التنف، لكنها فور وصولهم إلى هناك قامت بإسكانهم في بلدة "كاليبرا" التي ترزح تحت سيطرة عصابات المافيا، وأسكنتهم بالذات في بيوت مصادرة من قبل الحكومة تعود ملكيتها لرجال من المافيا. الأمر الذي فتح على هؤلاء اللاجئين أبواب جهنم، وجعلهم يكابدون أصنافا من المعاناة على يد سكان البلدة، من بينها "اعتداءات وحشية" من قبل رجال المافيا، دون أن تقوم الشرطة - المتواطئة معهم – بتقديم أي مساعدة أو حماية لهم. كما رفضت بلدية المدينة صرف أي مستحقات مالية لهم، رغم تقاضيها خمسة ملايين يورو من الاتحاد الأوروبي مخصصة لإيوائهم ومساعدتهم.
وفي تقرير نقلته الجزيرة نت جاء فيه أنه خلال الأشهر الأولى من وصولهم تعرضت عشرات الفتيات للخطف، وتم تسجيل حالات موثقة لدى الشرطة بالخطف والاغتصاب، ونال الأطفال نصيبا من التحرش الجنسي الفعلي دون معاقبة أي من الجناة، وجاء في التقرير أن الشرطة المحلية الإيطالية رفضت السماح لطبيب شرعي بالكشف عن جثة لأحد اللاجئين وُجد معلَّقا ومشنوقا على شجرة وقد فقئت عيناه، وقد أثيرت هذه الحادثة في الصحف الإيطالية.
حتى أن الشرطة وعصابات المافيا فرضت على كل سكان البلدة ومؤسساتها ومتاجرها عدم التعامل مع هؤلاء الفلسطينيين، وأرغمت المستشفيات على عدم استقبالهم أو علاجهم، وانتُزع الحجاب من على رؤوس نسائهم، وأضاف التقرير، أنه بعد تلقي اللاجئين تهديدات جدية بارتكاب مجزرة بحقهم، آثروا الهروب الجماعي من إيطاليا فوصل 157 منهم إلى السويد.
مأساة اللاجئ الفلسطيني لا تنتهي، وكأنه قد كُتب عليه الشقاء والعذاب إلى الأبد، ودفْع أثمان حروب لا ناقة له فيها ولا جمل، والزج به في صراعات لم يكن طرفا فيها. ولم تنحصر مأساته في دول العروبة ومخيمات الشتات، بل امتدت حتى إلى الدول الغربية "المتحضرة"، وبأشكال جديدة من القهر. فإلى متى سيستمر هذا الظلم ؟؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق