بقلم خلود بدار
لدينا في فلسطين 12 جامعة، وضعف هذا الرقم من المعاهد، وأضعاف أضعافه من المنظمات غير الحكومية، وفي المقابل يتخرج من هذه الكليات سنويا آلاف الطلبة، كما يشترك ما لا حصر له من هؤلاء الطلبة وغيرهم من الموظفين وربات البيوت في الدورات التدريبية المختلفة التي تنظمها الوزارات والجامعات والمنظمات غير الحكومية في شتى المجالات. وبناء عليه من المتوقع أن يكون مستوى هؤلاء الخريجون في ثقافتهم ومهاراتهم عاليا ومتميزا، خاصة بعد أن تلقوا تدريبات واستمعوا لمحاضرات تحت شعارات وعناوين كبيرة ( القيادات الشابة، مهارات الاتصال، الجندر، الإدارة، حقوق الإنسان، الديمقراطية ... )، ولكن النتائج على الأرض – وللأسف - صادمة ومفجعة.
حيث تجد معظم هؤلاء يعجزون عن كتابة موضوع من صفحة واحدة، أو حتى صياغة استدعاء لمعاملة حكومية بسيطة، أو التعبير عن أي قضية، لغتهم العربية "تطبيش"، لا يعرفون معاني أبسط المصطلحات، معلوماتهم العامة فقيرة وثقافتهم سطحية، منهم من لا يعرف شيئا عن تاريخ فلسطين، ولا أين تقع الصين، أو اسم سكرتير الأمم المتحدة، يجهلون أبسط البديهيات، ولديهم أفكار غامضة ومشوشة عما يجري من حولهم من أحداث .. في إحدى مدارس أبو ديس عجز جميع طلبة الصف الثامن عن معرفة عدد أيام السنة !! عينة عشوائية من طلبة بير زيت لم يعرفوا معنى الثيوقراطية ! وعينة أخرى من طلبة بيت لحم لم يعرفوا معنى الأنظمة الاستبدادية ! وعينة من 50 خريجة تقدمن لإحدى الوظائف الشاغرة لم تعرف سوى خمسة منهن كم تبلغ مساحة فلسطين !
أين الخلل ؟! ولماذا يعاني هذا الجيل من الضياع والتيه ؟! لماذا شباب اليوم يمشون متثاقلين، ويمضون بلا هدف، وبلا طموح، وقد قُتلت في دواخلهم الرغبة والحماسة لأي شيء ؟!! ولم يعد لديهم فضول يدفعهم، أو نظرية توجههم، أو فكرة تحتويهم ؟!! أسئلة عديدة ومؤلمة نطرحها على الجهات المعنية وأولها جامعاتنا العتيدة.
في السبعينات والثمانينات، وحتى في التسعينات من القرن الماضي كان مستوى الشباب أعلى بكثير، بفكرهم وثقافتهم ومشاركتهم في القضايا العامة، باستعدادهم للعمل التطوعي، للتضحية، لقراءة كتاب .. كانوا شعلة من الحيوية والإندفاع .. وكانت السياسة وفصائل المقاومة وقضايا الصراع محور أحاديثهم، حتى أثناء لعبهم الطرنيب والتركس. اليوم نلحظ بوضوح انخفاض منسوب الوعي العام لصالح اهتمامات جديدة ومختلفة، قد يكون بعضها أو معظمها مهما ومفيدا، لكن مع ذلك فجيل اليوم يدعو للشفقة، ولا يبشر بالمستقبل الواعد الذي حلمنا به.
وعند البحث عن بعض الإجابات، سنرى أن مناهج التدريس في المدارس والكليات، وكذلك أساليب التدريس بحاجة ماسة للمراجعة والتقييم. وقبل الشروع في الدورات التدريبية المختلفة فلنبحث عن احتياجات التدريب أولا، ثم نبحث عن آليات واقعية للاستفادة من هذا التدريب، وبدلا من ورش العمل التي لا يستفيد منها إلا أصحاب الفنادق، فلنفكر بوسائل أخرى، وبدلا من العناوين المثيرة التي لا علاقة لها بواقعنا، فليكن التركيز على قضايانا وهمومنا اليومية. منظمات أل NGO’sعليها أن تقلع عن عادة البحث عن مصادر تمويل لمشاريع ضبابية، وأن يكون همّها الأول من مشاريعها هو تحقيق التنمية الحقيقية المستدامة، بدلا من التركيز على مخارج وهمية لتغطية بنود معينة في الموازنات، والإغداق على مصاريف لا فائدة منها. فصائل العمل الوطني مطلوب منها أيضا أن تقلع عن منهج حصر العمل الوطني بالإستقطاب الحزبي، وجعله موسميا وفي المناسبات، واعتبار الحزب أو الفصيل أهم من الوطن، وعليها أن تفكر بأساليب جديدة لاحتواء الشباب وتعزيز انتماءهم وتنمية قدراتهم.
باختصار علينا جميعا أن نغير أسلوبنا في التفكير، وأن نكون أكثر صدقا مع أنفسنا. وإلا فإن هذا الجيل (الضائع) سيقودنا إلى مزيد من الضياع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق