أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 14، 2011

نصف راتب = نصف حياة

لمن لا يذكر، فإن إسرائيل ما زالت تحتل فلسطين، وتسيطر على سماءها وأرضها، وتكبل شعبها بشتى صنوف القهر والعذاب، وتفرض حصارا شاملا على قطاع غزة، وقد صادرت حتى الآن أكثر من 60 % من مساحة الضفة الغربية، بعد أن ملأتها بالمستوطنات وبالحواجز العسكرية والطرق الالتفافية، وما زالت تنهب مياهها وثرواتها، وتحبس اقتصادها لتحول دون إقامة أي اقتصاد وطني مستقل. ولسنا هنا بصدد الحديث عن مشاريع التحرير واستدعاء الجيوش العربية، فهذا كله مؤجل إلى إشعار غير مسمى. ولكنا نتحدث هنا عن معاناة هذا الشعب القابع تحت الاحتلال.

في الدول الأخرى عندما تضيق الحياة بإنسان وتشتد عليه ظروف الفقر، بإمكانه أن يشمّر عن ساعديه ويتوجه لورش البناء، أو للحقول، أو للعمل الحر، أو حتى للهجرة. أما في فلسطين، فإلى أين يذهب المواطن المحاصر والمكبل في ظل انحسار الخيارات،
 ماذا يعمل المزارع بعد أن صودرت أرضه ومياهه، وكيف سيجد العامل عملا في سوق يعاني من بطالة رهيبة، وأين سيذهب أصحاب الكفاءات والطموح بعد أن ضاق العالم بهم، وبدأت بعض البلدان العربية بقذف ما عندها وإرجاعهم إلى بلدهم، وكيف سينجح أصحاب المشاريع الصغيرة بعد أن صارت التجارة متعذرة ولم يعد يقوى عليها إلا فئة قليلة جدا من التجار الميسورين الذي تسمح لهم ثرواتهم التغلب على شروط اتفاقية باريس.

ومع انعدام الخيارات لم يبق أمام الناس إلا العمل الوظيفي في السلطة، حتى أن علاقتهم بها صارت نوعا من الزواج الكاثوليكي، ولكن وزارات السلطة لن تتمكن من استيعاب موظفين جدد، بعد أن بدأت تظهر عليها علامات البطالة المقنعة وأُثقلت ميزانيتها بالرواتب. وموظفيها صاروا يتلقون نصف راتب. ما العمل إذن ؟!

هل مطلوب منا أن نموت جوعا ؟ أم نهاجر ؟ لا نريد إجابات جاهزة ولا شعارات ثورية، فلدينا مستودعات هائلة تفيض بكل أنواع الشعارات الوطنية والقومجية والإسلاموية وتكفينا إلى ولد الولد. القيادة تطالبنا بالتقشف ... حسناً، ولكن كيف يكون هذا التقشف لحياة متقشفة أصلا ؟! عندما كان الموظفون يعيشون براتب كامل، كانوا يزحفون على بطونهم إلى ما بعد منتصف الشهر بقليل، ومنهم من كان لا يصل هذه المسافة.

للتذكير فقط: قررت إسرائيل - هذا الكيان الغاصب الذي يفصلنا عنه جدار أسمنتي بارتفاع 8 متر - أن الحد الأدنى للأجور هو 4100 شيكل أي بحدود 1200 دولار، وعندنا متوسط الأجور هو فقط 2500 شيكل، أي أكثر من نصف الحد الأدنى بقليل ! وهو الحد الذي يمكّن أسرة صغيرة من العيش على الأساسيات فقط، علما بأن غلاء الأسعار في المدن الإسرائيلية أعلى بمقدار ضئيل منه في المدن الفلسطينية.

وللتذكير أيضا، فإن عملة الشيكل التي يتقاضى بها الموظفون رواتبهم قد تآكلت في السنوات الخمس الأخيرة بمقدار 30 %، وفي نفس الوقت زادت الأسعار بمعدلات مشابهة، وهي تفوق بكثير قدرة الموظف على أن يتعايش معها بسلام، أي أن الموظف بات يتقاضى راتبا تعادل قيمته الشرائية ثلثي راتبه السابق، وصارت الحياة تضيق أمامه أكثر فأكثر، وهكذا، ومع موجات الغلاء المتلاحقة صار من الطبيعي أن نشهد ارتفاع معدلات الاكتئاب، أو الموت الفجائي في أوساط الشباب الذين يقضون نحبهم قبل أوانهم. والسؤال هو ما هي النتيجة المتوقعة إذا صارت سياسة نصف الراتب نهجا متبعا وخيارا وحيدا أمام السلطة ؟!! وما هي الخيارات المتاحة أمام الموظف ؟!

على الموظف أن يدفع نصف أجرة البيت الذي يسكنه، وعلى صاحب المُلك أن يتحمل كنوع من إظهار التكافل، وعلى الموظف أن يعطي أولاده نصف مصروفهم عند توجههم للمدرسة، وعليهم أن يتعودوا على ذلك، لأن المال بيد الأطفال مفسدة. وعليه أن يحذف إحدى الوجبات الثلاثة، وأقترح عليه أن يلغي وجبة العشاء ويفضل أن يختصر الوجبة إلى النصف، وأن يعتبر ذلك فرصة لتخسيس الوزن. ويمكن أن يكتفي بنصف دجاجة أو نصف كيلو من اللحم شهريا، طبعا لتفادي الإصابة بداء النقرس. وعليه إذا اضطر لزيارة الطبيب أن يطلب منه إجراء نصف كشفية، أي الكشف على المؤشرات الحيوية فقط، وأن يدفع له نصف أجر، وأن يختار من الأدوية التي يمكن شراء نصف عبوة منها. وعندما يتوجه لعمله أو لأي مكان آخر أن يستخدم المواصلات العامة لنصف الطريق، وأن يكمل النصف الآخر مشيا على الأقدام، وهي للعلم عادة صحية. وإذا كان لديه سيارة أن يملأ نصف خزانها بالوقود فقط، وأن يتناسى نصف المشاوير التي كان ينوي القيام بها. وإذا استجاب لدعوة حفل زواج عليه أن يدفع للعريس نصف نقوط، أو أن لا يذهب من الأساس. وإذا أراد أن يجري مكالمة هاتفية من جواله عليه أن يشرح موضوعه بنصف الوقت المحدد، يعني لا داعي للثرثرة، والمدخنين يمكنهم أن يستغلوا الفرصة ليستهلكوا نصف باكيت في اليوم بدلا من الإسراف في التدخين كما كان أيام العز، وهذا أيضا صحي ومفيد.

وعندما يبدأ الموظف بسياسة النصف لكل شيء سيُدهش عندما يكتشف عدد الأشياء التي يمكن اختصارها للنصف، بل وسيدهش أكثر عندما يكتشف عدد الأشياء التي يمكن إلغائها كليا، مثلا: مشاوير المساء مع العائلة، وجبة المقلوبة كل يوم جمعة، المياه المعدنية، الشوكولاته، السهر حتى ساعات متأخرة على ضوء المصابيح الكهربائية – لتقليل هدر الطاقة وانطلاق غازات الدفيئة التي تسبب الانحباس الحراري - وأيضا لا داعي للاستحمام كل يوم - خاصة مع أزمة المياه العالمية – ولا داعي للكتب والعطور والورود والهدايا فهي ممارسات برجوازية بغيضة تعود لزمن الإقطاع.

يمكن للموظف ببساطة أن يحيا نصف حياة بنصف راتب، وأن ينتظر نصف الموت الثاني إلى أن يأتيه، وعندما يأتيه، يمكن له أن يطلب من ورثته أن يبنوا له نصف قبر فقط. وأن يطلب من الله أن يغفر له كل ذنوبه لا نصفها.

من عنده حل آخر فليتفضل، فكلنا آذان صاغية ...

هناك تعليقان (2):

  1. واقع مرير للدرجة التي تعجز عن الإجابة
    أحمد عزم

    ردحذف
  2. اصعب ما في الامر ان تعيش في المجهول

    ردحذف