ربما كان هذا سؤالا محيرا لدى البعض، ورغبة ملحّة عند البعض الآخر، بالرغم أننا ضد الانتحار من حيث المبدأ، إلا أننا نعلم أن التاريخ قدّم لنا أمثلة كثيرة عن حالات انتحار لأناسٍ لم يجدوا خيارا آخر عندما أُمتحنت كرامتهم، ورأوا أن الموت سيحفظ لهم قيمتهم التي حافظوا عليها وهم أحياء.
من هؤلاء نذكر على سبيل المثال: القائد العظيم هنيبعل الذي أذل روما في مرحلة ما، ثم في معركة لاحقة انتصرت عليه، فأخذ ينتقل من بلد إلى آخر حتى استقر في بلاد الأناضول، ولكن روما لم تكف عن ملاحقته، وحين أيقن حتمية وقوعه أسيراً، آثر الانتحار على أن يقع في الأسر والإهانة.
وأيضا الملكة كيلوباترا آخر ملوك الأسرة البطلمية، التي ما أن سمعت بهزيمة زوجها القائد الروماني أنطونيوس في حربه ضد أوكتافيوس، واقتراب جحافل الأخير من الإسكندرية، حتى أيقنت أنها ستُساق بين الأسرى في شوارع روما، فشربت قارورة من السم، وفي رواية أخرى جلبت ثعبانين من صنف الكوبرا لينهيا حياتها على الفور، وعندما سمع انطونيوس أن كليوباترا قد انتحرت، قرر هو الآخر أن يضع نهاية لحياته، فغرس السيف في بطنه ومات. مسجّلان بهذه النهايات الفاجعة قصة حب وكبرياء، استحقت أن يخلدها الشعراء فيما بعد.
وحتى الطاغية "نيرون" الذي أحرق روما وسادت في عهده الفوضى والجريمة، ولم يكن يعبأ بمعاناة الناس، ولكنه عندما سمع أن مجلس الشيوخ أعلنه "عدواً للشعب" شرب السم ومات منتحراً .
وأيضا الملكة زنوبيا ملكة تدمر، التي تصدت لجيوش الرومان بقيادة الإمبراطور أورليانوس نفسه، ولكنها بعد معارك ضارية وقعت في الأسر، وبكبرياء الملكات رفضت التنازل، فانتحرت بالسم وأنهت حياتها بعزة وشموخ.
وفي التاريخ الحديث نجد على سبيل المثال ادوارد سميث، قبطان سفينة التايتانيك الشهيرة، التي غرقت في المحيط، فضّل الموت على أن يغرق بقية عمره في الندم والمعاناة، علما بأنه كان بمقدوره ركوب أحد أطواق النجاة.
كذلك هتلر، الذي ما أن وصلت جيوش الحلفاء مشارف الرايخ الثالث حيث كان متحصنا وأيقن أنه مأسور لا محالة حتى انتحر مع زوجته إيفا براون، وكان قبله قد انتحر ثعلب الصحراء روميل، وهو صديق ومقرب من هتلر، ولكنه حينما أُتهم أنه متورط في مؤامرة الجنرالات، خُيِّر ما بين محاكمه عسكريه، أو الانتحار، فأختار الانتحار بالسم. رغم أنه كان يكفيه أن ينفى التهمه فينقذ حياته، إلا أنه اعتبر أن هذا أمراً لا يتفق وشرفه العسكري.
الرئيس التشيلي الأسبق سلفادور الليندي الذي ترأس بلاده ثلاثة سنوات قبل أن يطيح به الدكتاتور اوغوستو بينوشيه، في انقلابه في أيلول 1973. انتحر بإطلاق رصاصة على رأسه، وهو في ال65 من عمره آثرا على نفسه الدخول في متاهات المحاكم العسكرية.
وربما آخر الرؤساء المنتحرين رئيس كوريا الجنوبية السابق روه موهيون، الذي قفز من أعلى جبل قرب قريته بونجا ليهوي منه جثة هامدة، بعدما ترك رسالة انتحار قصيرة موجهة لأفراد عائلته، مفسرا تصرفه هذا بأنه يأتي على خلفية اتهامه في قضايا فساد. وقد سبّب انتحاره صدمة كبيرة للشعب الكوري. علماً أن عهده كرئيس كان قد انتهى منذ حوالي العام، وقد اعتبره الكثيرون رئيسا فاشلا، لم يحقق أيا من الوعود التي كان قد قطعها إبان حملاته الانتخابية، ولما تكشفت الفضائح والمخالفات المالية التي كان قد تورط فيها، شنت عليه وسائل الإعلام هجوما لاذعا، رغم أن تلك المخالفات كانت لا تُذكر مقارنة مع غيره، ولكنه لم يتحمل قسوة الحملة الإعلامية فقرر الانتحار.
ليس بالانتحار وحده ينهي الزعماء حيواتهم، فهنالك قلة قليلة اختارت الاستقالة والتقاعد السياسي، وهم "سوار الذهب" في السودان ( الاستثناء الوحيد في قاعدة الحكم العربية )، و "مانديلا" في جنوب إفريقيا، و "سنغور" في السنغال، و "نيريري" في تنـزانيا، وهؤلاء لم يفكروا للحظة بالعودة على الدبابات إلى قصور الرئاسة، ومنهم من تفرغ للتأمل وكتابة الشعر.
أما الرؤساء العرب فهم نوعية مختلفة، ومن طينة أخرى !! فهُم لم يأتوا للحكم بكفاحهم الشخصي أو عبر الانتخابات، ولم تكن خدمة الشعب وبناء الأوطان من ضمن أهدافهم، إنما جاؤوا للقصر على ظهر دبابة أو بالتوريث، ولم يمتلكوا خصال العزة والكبرياء، وكان جُل همهم ومنتهى غايتهم نهب أكبر قدر من ثروات البلاد، وضمان استمرار الحكم لهم ولعائلاتهم من بعدهم، ولهذا تجدهم أشد الناس حرصا على الحياة، حتى لو كانت بلا كرامة ! وحتى لو تجمع كل الشعب على بوابة القصر منادين بصوت واحد لا لُبس فيه ولا غموض بأنهم لا يريدونهم، وحتى لو تحدثت كل صحافة الدنيا عن فضائحهم هم وعائلتهم، وعن فساد حكمهم وعن هزائمهم وكذبهم وتزويرهم، وحتى لو دخلت البلاد بسببهم في حرب أهلية وقُتل فيها الملايين وشُرّد جميع الناجين، وحتى لو صاروا مطلوبين لمحكمة الجنيات الدولية أو للبوليس الدولي على جرائمهم ومخالفاتهم، وحتى لو جُرجِروا للمحاكم أذلاء صاغرين مقيدين بالسلاسل، تصفعهم مجندة أمريكية ويركلهم جندي بعمر أحفادهم، وحتى لو ملأت المظاهرات المنددة بهم والمطالبة بإسقاطهم كل الساحات والميادين بما في ذلك غرف نومهم .. كل ذلك لن يدفعهم حتى للاستقالة والتقاعد، وبالتالي لن يدفعهم للإنتحار .
قد يقول البعض إن ما يمنعهم من الانتحار أن الله حرم أن يقتل المرء نفسه، حسناً، فإذا كان لديهم كل هذا الإيمان فهنيئا لهم الجنة، وهنيئا لهم هذا الدين الذي يحرم عليهم الانتحار، ويبيح لهم قتل شعوبهم ونهب أموالهم وهتك أعراضهم وسجن أبنائهم وتدمير مستقبلهم .. وهنيئا لهم ما أوصلتهم إليه أياديهم من ذل وعار وخزي.
لماذا لا ينتحر الرؤساء العرب ؟ رغم أنهم في أرذل العمر، وهم متأكدون بأنهم غير مخلدين، وأن ما ينتظرهم هو القتل أو محكمة الشعب التي لا ترحم، أو مصيرا مجهولا في أحسن الأحوال !! سؤال يحتاج لطبيب نفسي قدير.
من هؤلاء نذكر على سبيل المثال: القائد العظيم هنيبعل الذي أذل روما في مرحلة ما، ثم في معركة لاحقة انتصرت عليه، فأخذ ينتقل من بلد إلى آخر حتى استقر في بلاد الأناضول، ولكن روما لم تكف عن ملاحقته، وحين أيقن حتمية وقوعه أسيراً، آثر الانتحار على أن يقع في الأسر والإهانة.
وأيضا الملكة كيلوباترا آخر ملوك الأسرة البطلمية، التي ما أن سمعت بهزيمة زوجها القائد الروماني أنطونيوس في حربه ضد أوكتافيوس، واقتراب جحافل الأخير من الإسكندرية، حتى أيقنت أنها ستُساق بين الأسرى في شوارع روما، فشربت قارورة من السم، وفي رواية أخرى جلبت ثعبانين من صنف الكوبرا لينهيا حياتها على الفور، وعندما سمع انطونيوس أن كليوباترا قد انتحرت، قرر هو الآخر أن يضع نهاية لحياته، فغرس السيف في بطنه ومات. مسجّلان بهذه النهايات الفاجعة قصة حب وكبرياء، استحقت أن يخلدها الشعراء فيما بعد.
وحتى الطاغية "نيرون" الذي أحرق روما وسادت في عهده الفوضى والجريمة، ولم يكن يعبأ بمعاناة الناس، ولكنه عندما سمع أن مجلس الشيوخ أعلنه "عدواً للشعب" شرب السم ومات منتحراً .
وأيضا الملكة زنوبيا ملكة تدمر، التي تصدت لجيوش الرومان بقيادة الإمبراطور أورليانوس نفسه، ولكنها بعد معارك ضارية وقعت في الأسر، وبكبرياء الملكات رفضت التنازل، فانتحرت بالسم وأنهت حياتها بعزة وشموخ.
وفي التاريخ الحديث نجد على سبيل المثال ادوارد سميث، قبطان سفينة التايتانيك الشهيرة، التي غرقت في المحيط، فضّل الموت على أن يغرق بقية عمره في الندم والمعاناة، علما بأنه كان بمقدوره ركوب أحد أطواق النجاة.
كذلك هتلر، الذي ما أن وصلت جيوش الحلفاء مشارف الرايخ الثالث حيث كان متحصنا وأيقن أنه مأسور لا محالة حتى انتحر مع زوجته إيفا براون، وكان قبله قد انتحر ثعلب الصحراء روميل، وهو صديق ومقرب من هتلر، ولكنه حينما أُتهم أنه متورط في مؤامرة الجنرالات، خُيِّر ما بين محاكمه عسكريه، أو الانتحار، فأختار الانتحار بالسم. رغم أنه كان يكفيه أن ينفى التهمه فينقذ حياته، إلا أنه اعتبر أن هذا أمراً لا يتفق وشرفه العسكري.
الرئيس التشيلي الأسبق سلفادور الليندي الذي ترأس بلاده ثلاثة سنوات قبل أن يطيح به الدكتاتور اوغوستو بينوشيه، في انقلابه في أيلول 1973. انتحر بإطلاق رصاصة على رأسه، وهو في ال65 من عمره آثرا على نفسه الدخول في متاهات المحاكم العسكرية.
وربما آخر الرؤساء المنتحرين رئيس كوريا الجنوبية السابق روه موهيون، الذي قفز من أعلى جبل قرب قريته بونجا ليهوي منه جثة هامدة، بعدما ترك رسالة انتحار قصيرة موجهة لأفراد عائلته، مفسرا تصرفه هذا بأنه يأتي على خلفية اتهامه في قضايا فساد. وقد سبّب انتحاره صدمة كبيرة للشعب الكوري. علماً أن عهده كرئيس كان قد انتهى منذ حوالي العام، وقد اعتبره الكثيرون رئيسا فاشلا، لم يحقق أيا من الوعود التي كان قد قطعها إبان حملاته الانتخابية، ولما تكشفت الفضائح والمخالفات المالية التي كان قد تورط فيها، شنت عليه وسائل الإعلام هجوما لاذعا، رغم أن تلك المخالفات كانت لا تُذكر مقارنة مع غيره، ولكنه لم يتحمل قسوة الحملة الإعلامية فقرر الانتحار.
ليس بالانتحار وحده ينهي الزعماء حيواتهم، فهنالك قلة قليلة اختارت الاستقالة والتقاعد السياسي، وهم "سوار الذهب" في السودان ( الاستثناء الوحيد في قاعدة الحكم العربية )، و "مانديلا" في جنوب إفريقيا، و "سنغور" في السنغال، و "نيريري" في تنـزانيا، وهؤلاء لم يفكروا للحظة بالعودة على الدبابات إلى قصور الرئاسة، ومنهم من تفرغ للتأمل وكتابة الشعر.
أما الرؤساء العرب فهم نوعية مختلفة، ومن طينة أخرى !! فهُم لم يأتوا للحكم بكفاحهم الشخصي أو عبر الانتخابات، ولم تكن خدمة الشعب وبناء الأوطان من ضمن أهدافهم، إنما جاؤوا للقصر على ظهر دبابة أو بالتوريث، ولم يمتلكوا خصال العزة والكبرياء، وكان جُل همهم ومنتهى غايتهم نهب أكبر قدر من ثروات البلاد، وضمان استمرار الحكم لهم ولعائلاتهم من بعدهم، ولهذا تجدهم أشد الناس حرصا على الحياة، حتى لو كانت بلا كرامة ! وحتى لو تجمع كل الشعب على بوابة القصر منادين بصوت واحد لا لُبس فيه ولا غموض بأنهم لا يريدونهم، وحتى لو تحدثت كل صحافة الدنيا عن فضائحهم هم وعائلتهم، وعن فساد حكمهم وعن هزائمهم وكذبهم وتزويرهم، وحتى لو دخلت البلاد بسببهم في حرب أهلية وقُتل فيها الملايين وشُرّد جميع الناجين، وحتى لو صاروا مطلوبين لمحكمة الجنيات الدولية أو للبوليس الدولي على جرائمهم ومخالفاتهم، وحتى لو جُرجِروا للمحاكم أذلاء صاغرين مقيدين بالسلاسل، تصفعهم مجندة أمريكية ويركلهم جندي بعمر أحفادهم، وحتى لو ملأت المظاهرات المنددة بهم والمطالبة بإسقاطهم كل الساحات والميادين بما في ذلك غرف نومهم .. كل ذلك لن يدفعهم حتى للاستقالة والتقاعد، وبالتالي لن يدفعهم للإنتحار .
قد يقول البعض إن ما يمنعهم من الانتحار أن الله حرم أن يقتل المرء نفسه، حسناً، فإذا كان لديهم كل هذا الإيمان فهنيئا لهم الجنة، وهنيئا لهم هذا الدين الذي يحرم عليهم الانتحار، ويبيح لهم قتل شعوبهم ونهب أموالهم وهتك أعراضهم وسجن أبنائهم وتدمير مستقبلهم .. وهنيئا لهم ما أوصلتهم إليه أياديهم من ذل وعار وخزي.
لماذا لا ينتحر الرؤساء العرب ؟ رغم أنهم في أرذل العمر، وهم متأكدون بأنهم غير مخلدين، وأن ما ينتظرهم هو القتل أو محكمة الشعب التي لا ترحم، أو مصيرا مجهولا في أحسن الأحوال !! سؤال يحتاج لطبيب نفسي قدير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق