أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 11، 2010

تأنيث الكتابة


خلـود بدار

يقيس النقاد جودة المادة الكتابية سواء كانت في السياسة أم في أخبار العشق، بمدى جديتها وانضباطها لقواعد اللغة وخلوها من العواطف، ولو أرادوا كيل المدائح لكاتبة مميزة أو لشاعرة موهوبة لوصفوا كتابتها بأنها لا يمكن تمييزها عن الأدب الذكوري الذي ينتجه الرجال ! ولمّا كانت لغتنا ذكورية ومجتمعنا ذكوري لم يكن أمام النساء إلا الانصياع لهذا القانون، وإلا اتهمن بأن إنتاجهن الأدبي دون المستوى ولا يرقى للأدب الحقيقي !


ولو تحررت المرأة من هذه القوانين وأطلقت لنفسها العنان لتكتب على سجيتها وفطرتها، لبثّتْ عواطفها وأحاسيسها ولعبّرت عن مشاعرها بكل عفوية، وقد يكون ما حال دون ذلك هو خشيتها أن يُنظر بفوقية إلى هذا النوع من الكتابة ؟ وفي حقيقة الأمر فإن الرجال هم من وضعوا كل القوانين والأنظمة بما فيها قواعد الكتابة، وبما أن الرجال تاريخيا اتسمت طباعهم بالعنف والغلظة وارتبط تاريخهم بالقتل والحروب فقد أرادوا أن تكون الكتابة جافة بلا عواطف وخالية من الأحاسيس حتى لا تلامس شغاف القلوب ولا تحرك الجماهير وبالتالي لا تقلب الطاولة على كل القيم الذكورية، وكانت ذريعتهم بمنع العواطف من الظهور في الكتابة هو أنها تفضح الإنحياز لطرف ما، وبما أن الكاتب يريد أن يظهر حياديته فإنه سيلجأ إلى كتم مشاعره الداخلية لحساب المنطق الذي يقتنع به، وحقيقة فإنه لا يوجد كاتب حيادي وإلا صار مجرد آلة طابعة، فالكاتب هو إنسان وصاحب رسالة وموقف ومشاعر ولا يمكن له أن يتجرد منها، فإما أن يعبر عن انحيازه لموقف ما بلغة جافة متكلفة أو بلغة دافئة مفعمة بالأحاسيس، بمعنى إما أن يستمع إلى منطق العقل المجرد، أو أن يصغي لنداء قلبه، ولكن هل هنالك أصدق من المشاعر الإنسانية ؟ وهل هنالك أقرب إلى القلب من العاطفة الدافئة ؟ وهل هنالك أدب أرقى من الأدب الذي يوازن ما بين لغة العقل ونداء القلب ؟

إن الإحساس بالجمال وتمثّله مسألة تستقر في أعماق التكوين النفسي للمرأة، التي تسعى لأن تضفي لمستها الأنثوية على المجتمع لتحد من خشونته بلمساتها الناعمة، وأن تلطف من أجوائه الجافة بروحها الندية الطرية التي منحها إياها الخالق المبدع، وهذا الدور الجمالي للمرأة هو في الأساس مطلب إنساني قد يسهم في تخليص المجتمع من شروره، يجب أن يعبر عنه بجنس كتابي مميز وله خصوصيته الأنثوية، دون أن يعني ذلك أن لا يكون أدبا رفيعا احترافيا يحلق في فضائه المبدعون والمبدعات.

أكتوبر - 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق